محمد الشحات :
أمْسَكَ بزجاجةِ ماءٍ
عبَّ قليلا مِمَّا يَسْكُنُهَا
واستوثقَ من قدرتِه
فىْ أنْ ينهضَ
وارتكنَ على بابِ البيتِ
وقفَ قليلاً
ثم انطلقَ
أجهدَهُ السيرُ
ولم ينتبهْ لأصواتِ العربَاتِ
فكادتْ تدهَسُه
أوقفَهُ البائعُ
كى يغريه بشراءِ بضاعَتِه
لمْ يلتفتْ إليهِ
لمْ تطلبْ منه زوجَتُه إلاَّ العودةَ
ارتسَمَتْ فوقَ ملامِحِهِ
رائحةُ الفَرْحِ
حينَ انْضَمَّ لبعضِ الفتيةِ
لبناءِ جدارٍ
ازدانَتْ جبهتُه بحبيباتٍ
منْ عرقٍ
واسْتَنْشَقَ بعضَ هواءٍ
حينَ امْتَلأَ الجيبُ ببعضِ نُقُودٍ
بحثَ عنِ البائعِ
وضعَ بكفَيْهَا مَا أسْعَدَهَا
لمْ يتركْهَا
إلاَّ حينَ أحسَّ بفرحَةِ عينيْهَا
وسعادةِ قلبٍ
كادَ يضيقُ منَ الحُزنِ
جلسَ وقد غادرَهُ التَّعَبُ
حين رأىَ فرحةَ أطفالٍ
وهى تشمُّ روائِحَ
تأتِى من مَطبَخِهِم
أوصدَ عينيْهِ قليلاً؛ فَغَفَا
حنَّ عليهِ الحُلمُ
فأدخلَه إليْهِ
وكانَ يظنُّ
بأنَّ حُقوُلَ الأحلامِ لدَيْهِ
قد اقْتُلِعَتْ
أمْسَكَ بلفافةِ تبغٍ
غابتْ عنْهُ طَوِيِلاً
ومضىَ يسبحُ فى سُحُبِ دُخَانٍ
وأحسَّ بأنَّ الأرضَ قد امتَدَّتْ
وجدارًا ساهَمَ فيهِ
أصبحَ قصراً
ازدحمَ بخدمٍ وجوارٍ
ما إن بدأ تْ تنطلقُ الموسيقا
حتى أشتمَّ نضوجَ الأكلِ
فأيقظَهُ
نظرَ إلى زوجتِه مُبتسِمًا
وعلا فرحٌ فوقَ وجوهِ الأطفالِ
لحظةَ
أن بدأَ الأَكْلُ
يشقُّ طريقًا داخلهُمْ
فأحسَّ بشبعٍ لمْ يعهدْهُ
قامَ لكى يتوضَّأ
سألتُه الزوجةُ: لمْ تأكُلْ
نظرَإليْهَا
فالتَقَطَتْ من عيني سَعَادَتِهِ
وابْتَسَمَتْ
وهىَ تَحُثُّ الأطفالَ
لكىْ يلتهموا
ما غطته المائدةُ مِنَ الأكلِ.
ــــــ
حدائق القبة 10 نوفمبر 2020