مهن ابان الحصار/ بيع الاكياس الورقية:
الحصار الدولي على العراق نتج عن قرار مجلس الأمن 661 في1990 نتيجة الغزو العراقي للكويت, استمر 13 عاما.
صرح استاذ لطلابه بكلية الاقتصاد في جامعة البصرة (انتم لا تعلمون كيف يكون الحصار مدمرا .. بعد فترة حين تمضي للاسواق ويتعذر عليك شراء بدلة لطفلك عندها تدرك الكارثة) كان هذا في الاسابيع الاولى للحصار. وكالاواني المستطرقة ,لم يكن تأثير القرارمزلزلا دفعة واحدة, بل نخر المجتمع شهرا بعد شهر ونحر الكثير من قيمه وثوابته شيئا بعد شيء.
ولكي يقاوم المجتمع مجزرة الجوع كان عليه ان يبتكر مهنا لا يبعثها الا خيال جامح.(ريك بلبولك)زوده بفطور/مهنة زاولها مفلسون فيأتي احدهم الى سوق الجمعة مناديا بتكرار (ريك بلبولك) وهو يحمل علبة ملئت بالذباب. (جمع الفصم/ نوى التمر). بكرت ذلك الصباح الاسود فوجدت اطفالا ونساء متمنطقات بالعباءات الحائلة وهم يجمعون الفصم من القمامة.. ليباع باسعار حسب الوزن .. وليطحن بعد ذلك فيمزج مع الطحين .(بيع الكمية) : لم يظهر جليا تاثير الحصار في سنواته الاولى لكنه اصبح يفتك بارواح العراقيين بعد ان طالت مدته , فترى العديد من العوائل اخذت تترقب ما نسميه محليا ب (الكمية ) وهي سلة غذاء تحتوي على الرز والطحين والسمن بالدرجة الاساس يوزعها وكلاء محليون … وهكذا اصبحت الكثير من العوائل تعتاش عليها .. فتبيع قسما منها لتشتري بسعرها مخضرات (طماطم وبتيتة وغيرها).. بامكانك ان تقول ان سعر بيع الكمية اصبح مرتبا لها رغم انها لا تفي بالغرض ولا تشبع …تاتي امراة في صباح ما وتصيح (وزعت الكمية ) فيندلع الحماس ويهرعون لدكاكين الوكلاء وربما تسمع زغرودة او تصفيق او الـ (الصلاة على محمد).
(تقشير الروبيان): من المهن النادرة هي تقشير الروبيان مقابل مبلغ…….. فتمر سيارات نوع (بيك اب) محملة بكميات من الروبيان ..فتاخذ منه العوائل حسب عدد افرادها (البنات خاصة)…فيتم تقشيره داخل البيوت وقد ازكمت رائحته الانوف.
بيع التبغ الفلة (التتن)
عاد تتن اللف يتصدر اهتمام المدخنين وانتعشت تجارة ومهنة بيع التبوغ الفلة واوراق البافرة .. وسجائر المزبن .. وقفز النواب للذاكرة:
(ايام المزبن كضن ,دكضن يا ايام اللف).
(بسطات بيع الادوية- علاج):
كسدت ادوية الصيادلة ونشطت صيدليات البسطات لرخصها…. فتجد ضالتك في بسطات تتصدرها نسوة او رجال خبراء(فقط اشرأو صف الداء) وانت لا تدري اين وكيف صنعت ..من جص او في مختبرات.
(شخاطة بنعال)
مهنة غريبة ……كان يدفع بعربة يدوية في الازقة ويصيح (يلي تخبزين… شخاطة بنعال) منغما ماطا صوته, (اي يا من تخبزين تستبدل شخاطة بنعال)… وهكذا تقتني شخاطة مقابل نعل بلاستيك مستهلك .
وماذا عن حراسة الملابس النسائية (المنشورة على الحبل لتجف).. ومهنة الدوارة (العتاكة )(الذين يشترون أي جهاز عاطل او النحاس المحروق) لهم محالهم/ وبيع الخبز اليابس ومهنة منح السلف (كثيرا ما هرب مستلموها قبل تسديد الاقساط).. وبيع ورق الشاي المستعمل بعد التجفيف ..جمع اكياس الجنفاص, شراء السلاحف للسحر والرزق ,تصليح القداحات, بيع البراغي المستعملة , تعديل النجارين المسامير الصدئة وانتشار اكلة السياح/ سائل طحين الرز يشوى على مقلاة معدنية محدبة/
(بيع الاكياس الورقية) :
انشغل الناس بتصنيعها وتذكرت الاكياس الورقية الجوزية التي كان يستعملها البقالون واحيانا يجمعون عليها الحساب.. اخر صورة علقت عن الاكياس حين مررت بسوق جوار سوق هرج ورأيت مسنا يزن تتن لف بكيس صغير ويطلب من عامله ان يزوده بالكيس الذي قرب يده ..انها محنة الشيخوخة.. ولكنه شيخ ميسور الحال لانه امامي اعطى مبلغا لعشرات المتسولين وذكر ان له بساتين واملاكا , هو هنا ليقاوم مصهرة الزمن لا ليبيع.
كان الاهالي يصنعون صمغا من تفوير الطحين مع الملح .
(( بيع اوراق بالكيلوات )):
انتشرت هذه الظاهرة بسبب شحة الاوراق… حيث فتحت محلات تتكد س فيها الاوراق من مجلات قديمة ودفاتر دوائر (وصولات ) ودفاتر عتيقة وكتب مدرسية..تباع بالوزن..تاتي للبائع وتطلب (فد كيلوين ورق).كات خضارة العشار مركزا لبيع الاوراق المستعملة .
بيع الكتب او المكتبات:
وماذا يملكون ؟!.. في ايام الحصار ترى عددا من القراء والادباء يجسلون القرفصاء وهم يعرضون كتبهم الاثيرة في سوق الجمعة: نظرة لتحفة ستضيع واخرى لخطى المشترين .
هكذا تمكن الحصار من نسف الكثير من طبيعة المجتمع وثوابته ..وحين صحونا من الهزة العميقة بعد السقوط لم نكن نتقن الا الفوضى والضياع .
(انتم يا من ستظهرون
بعد الطوفان الذي غرقنا فيه, تذكروا حين تتحدثون عن ضعفنا الزمن الأسود الذي نجوتم منه/ بريخت ).
(الحرب جعلتنا بلا قيمة. لم نعد شباباً. لم نعد نأخذ الحياة من المعركة. نحن هاربون. نحن نركض من أنفسنا. من حياتنا … نحن معزولون عن النشاط العقلاني ، وعن التطلعات الإنسانية ، وعن التقدم./ ريمارك ).