ما الحاجة أن نكتب عن الصّحة، ونمزجها بالثقافة، وهل ما وصلنا اليه من الجائحةوهي تفرض أخبارها في الجرائد والمجلات الطبيّة؛ وأخيراً صفحات التواصل الإجتماعي بحيث أصبحت صالات الإنتظار في المشافي حديثاً بين كّل إثنين بينهما شروط الوقوف من التباعد، ولبس الكمّامات والكفوف وبدورها أصبحت ثقافة للناس نعلّمها لاطفالنا، ونحذّر من مخاطرها على حياتنا جميعاً.
وما يخرج عن طاعة الصحة هو المرض الذي يلازم الإنسان ويتعرّف على مدى صبره، وتحمّله. فهو بين عارض يزول من مناعة الجسم، وبين ملازم ومعد.ٍ، وقد يكون من حصّة قسم الإمراض الوبائيّة نقراه عنواناً داخل المشفى، حتى أصبح مثاراً لحديث المسؤلين، والمراجعين، والمرضى.
والأقرب من ذلك كّله هل تناول ادبنا المرض ودخل في التفاصيل أليوميّة له؟ ونقول :نعم ففي المجموعة القصصيّة /*غرائب عصري /للقاص مهّند ناطق /٢٠١٧ط١طبع على نفقة شركة نفط الجنوب، وإصدار اتحاد الأدباء والكّتاب في البصرة. وبالذات في قصة امل /ص٨١ يقول القاص في مقدّمة لها “نشرت القّصة في بوستر بكافة أقسام المشفى شعبة الصدّريّة بالتعاون مع وزارة الصّحة في يوم السّل العالمي” وهو يهدي قصته إلى كل عليل اصيب بهذا المرض لقوله “لكوني أعاني منه سابقاً” وحالات هذا المرض يصفها القاص “في الليل شعرت برعدة قلت إنّها حمّى وسوف تزول.” وما شاع عنها بالحمّى الالمانيّة يسجّل” كنت أسمع عن مثل هذه الحمى من خلف البحار “ويعزز رأيه بأنّ النفس هي ما تشعر بذلك وليس ألمانيا “او يعلّق” وما كنت أدرك إنّها النفس تتذّرع بالحيل ضّد الخوف وإنّ ألمانيا من انقذ البشريّة.”
وخطّ القصّة بين الحمى وشّك في انفلونزا ثم الأشعة والتي اثبتت مرض السّل، ويقول عن السّعال “وإنّي أكاد اخرج قلبي حين اسعل من فمي “وامّا الحمى” فلترحل هذه الحمى الملعونة والسعال المؤلم فلترحل.. يا خالق.. فلترحل” وحتّى وصف الطبيب كان دقيقاً” إنْ قطعت الدواء يوماً ستحّصن الجرثومة نفسها أتفهم؟ او يصف الجرثومة” ستظهر لها عضلات وستقاوم الدواء. لن نستطيع أن نقضي عليها” مع نصيحة له “و إترك التدخين فهمت”. وحدث آخر نسميّه الآن الملازمة يقول الطبيب :”طلب من أبي ان يحضر اهلي للفحص وسأل عن أصغر منْ في البيت” وعلاقة أُخرى بانتقال المرض يوجزها الطبيب “لا تسعل بوجه الآخرين ” ويستمّر الحدث في القصة بين الحُلم في مُدن اجتاحتها الكوليرا “رأيت في المنام مُدناً كانت تجتاحها الكوليرا”
ويبشّر القاص بالامل وهو عنوان قصّته” عندما يتكئ المصاب على الأمل فاعلمي ايتّها الام والزوجة والأب والأخ والصديق إنّ درجة حسّاسيّة المصاب تكاد تكون فوق المعتاد…. تحاشيكم تياّر هوائه، مائه، طعامه.” ويؤكد على يأس المرض” والابتعاد عنه يزيد من قسوة المرض ويؤدي لليأس”.
القصّة بسيطة في مكانها، وفيها انتصار للبطل وهو يوثّق ذلك بالبوست وأثره وبقي الزمان لدى بطل القصّة انّه فلت من الحروب ليقع في المرض.ومكان مازال قائماً يستقبل اليوم اعداداًمضاعفة بين الحالة الايجابيّة المحزنة، والسلبيّة المفرحة؛ قصّةلها مدلولها في السّرد على المتلّقي حين يجمع بين الحوادث.
** وفي قصّة “توافق” في عدد مجلة المجلّة العربيّة ٥٠٣/سبتمبر /٢٠١٨ص٦٤للقاص حسن المغربيّ /ليبيا تعالج القصّة موضوع التّوحّديقول القاص عن الشّاب المريض “يُحب لعبة الورق، والموسيقى في طفولته” وفي وصف المريض “حينما بلغ الثامنة عشرة أُصيب بمرض خطير، حيث كانت رائحة الشّجر تُسبّب له ضيقاً في التّنفس والشعور بالغثيان” وهو حالة نادرة عند الأطباء، وآخر نصيحة له يقول القاص “نصحه طبيبه انْ يعتكف في الصحراء أو في سرداب تحت الارض وقرّر إنْ يتابع بدقّة جميع التعليمات لقد كان يؤمن إنّ الإلتزام سيقهر المرض”ويتعاطف القاص مع بطل القصّة” بانّ نصيحة الاطبّاء بالغربة لا جدوى لها “ويحاول إنْ يدخل المدينة ياخذ تبغاً ويدخّن وحالات خفقان القلب والرعشة بدت عليه ويضع القاص النتيجة” انّه قتل القلق الذي كان يعذبّه، والذي كان يدفعه نحو الجنون “وعندما يخطر الطبيب اباه” سيدي ولدك مصاب بمرض عضال وقد يواجه خطر الموت قريباً”وهنا يجعل القاص من فرصة الموت قليلةبحرف التقليل “قد” وذلك بتغيير حالة المريض ونزوله إلى مقهى يشبه مقاهي الاوربيّين على نفس الأرض ويستبدل القهوة بشراب الثانية اسبريسو من سؤال الجرسون ويغيّر القاص من حالة بطله” احسّ بارتياح شديد من الآن، لم تثر فيه رائحة الشّجر أىّ شعور بالقلق بل على العكس لقد كان سعيداً.
ويتمرّد البطل على الإلتزام” إنّ أسمى غاية يبلغها الإنسان لا تكمن في الإلتزام بالاوامر والإرشادات وبيعبير أدق في التّمرد على الذات “ويختم القاص عن شخصيّة مريضه بعد تمرّده “يا الله على المرء إنْ يزهو بنفسه، وبافكاره، وبطريقته في الحياة يردد ذلك ذات صباح وهو يمشي إلى المقهى الذّي يشبه مقهى الاوربيّين “.
ومن عنوان القصة يتضح إنّ لبيئة الإنسان اثرها في انتمائه لها او تمرّده عليها، ويمكن القول إنّ القاص استحضر ما آلت اليه بلاده قبل التغيير في مواجهة الغرب، وما حصل على الإنسان الليبي بعد التغيير ومنها حالة البطل في قصّة” توافق”او ما جرى لحاكم البلاد من إذلال والتي في نظر القاص أنّ الغرب يسعى للتدمير قبل أىّ إصلاح او تغيير.
***وفي جنس الرواية نجد في رواية “فجر ينشد غيثه” للروائي محمّد جعفر علي /اصدار دار امل الجديدة٢٠١٩ط١
مشهداً للمرض ومراحله بين شخصّية أيوب وزوجته وسيلة والتي لم تمكّنه من نفسها وحالة انتقال المرض من سؤال منها إلى حقيقة عنده، ومرحلة نقله إلى المشفى يقول أيوب “عندما مددت يدي إلى بطنكِ انتقل الألم من بطنكِط إلى بطني وأصبح يؤلمني” وتقول وسيله”اسم الله عليك” ويستمّر الحوار بينهما “هيّا إلى المشفى ويرفض أيوب بشدّة” لا تخافي عليّ، فأنا روح كلب، ولن اموت ابداً”وعندما يقرر الطبيب إجراء عمليّة له تراجع وسيلة نفسها في تعذيب أيوب وصدّه عن نفسها واستحضرت صورة الشهرين الماضيين من الزواج “فالتراجع عن الخطأ يحتاج إلى شجاعة تفوق الشجاعة التي نحتاج إليها للإقدام على
فعل الاشياء”وتاخذ زوجته شخصيتين منها دلالة الحب والتودد في المشفى معه ودلالة الصّد والإبتعاد عنه، وهو في بيته بمرحلة النقاهة، وتكشف له آخر الحوار إن دخول إمرأة ابيها في حياتها قد أفسد زواجها وهي السبب في إذلالها، ويتفهّم أيوب الأمر.. إنّ حدث المرض في الرواية ليس من الأمراض المعدية؛ بل هو عارض قد زال وحاول المؤلف أنْ يدخل المرض كجزءمن الحّل الذي ينشده أيوب من زواجه من ابنة عمّه ولم يسعفه المرض في حلّ مشكلته من الزواج…
من ذلك كانت وقفتنا مع هذه النصوص السرديّة والتي من الضروري إنْ يتطلع إليها القارئ او المشارك في العمل الادبيّ ليقرّب الصورة بأنّ مهمة المثقف هو الكشف عن زوايا الألم والمرض والتمرّد عند شخصيّات السرد، وليجعل صور الأحداث قريبةً منّا ومن ذلك مشهد مرض الكورونا والذّي سجٍل حضوراً في مسيرة الحياة وآثر في تغيير سلوك وطريقة التعامل بين الناس. وهذا النصوص مزجت بين الواقع المعيش ونظرة الإنسان إلى ذاته حيث مصيره امّا البقاء على الأرض او الرحيل عنها…
البصرة
حزيران /٢٠٢٠