هذا المقال يتعارض في منحاه جلاء المحتويات السائدة عن متن المقالات السابقة، وان أنطوى بعض الشيء ايقظته جزاء، ليكرس قدرا من جهد لحفرمحموم في أخبار طوياته، ولا راغبة في أن ألج الحاشية شارة على أيقاظ النائمين في مزاولة نزاعات مع احد أو التجاء ينسب إليه ردا، وعليه فإني على آهلية لأن أعترف به معدلة، بأن ما أقدمه هنا ليس فلسفة؛ وقد يكون زعم بالغ الجرأة، أن أسميه ذخرا وصرفا، إظهار لياقة أدبية بآداب الدعاء علامة شارحة أعرابها، يعول عن شحة النقد وتصنيعه لقاريء مرتزق، مبتهلة كما أفسره تحققا، يعزز الإشادة بمن يحظ بجهد أساس تحليلاته مكانة، دون مضمرات أنطقها أبداعه مضمنات التقدير وله بذكره بيان.
هذا المقال يثير كفايته المفعمة بالأسى المبتدي، عن واقع حال، إمعان الأنظار، وجلاء الرأي ثقافة، وراحة في امتحان حاجة الاسرار، تخف شرح ودمغ في أفضل الرد على الغامضين، وأمتحان فواعل معرفة لب المقاصد، عن أكتنافها الكثير من لبوسات الظروف الزاحفة على القاريء، خلفت لمن أراد أن يذكر أو أراد حميدا، وتظهر به شواهد من كا عليه أقرب، من خلاطة طرفين؛
•نقدا شح خضوعه من “ثقافة تجريبية الوضعية المنطقية”، وآخر
•نقدا فاض بنفحة رضوخه “ثقافة الوضعية المنطقية”.
وكليهما بادرتهما ومضات عن مسميات نقدية “اصطلاحات” حشو، تفتقر وتذلل خضوعها بالميدان دون منهج يذكر على الصراط السوي. وما جلا وعلا نصهما الإنكسار، هو النشر الفارط، أقرب ما يقرب قالبا حظي بهشاشته، منخلعا، خالطته الأحداث الضاغطة متنكبة، فأرتفع إلى مراتب القراء دون تحقق، فساد البلاء بلاءات. هنا القبول والرفض حياة، تكشفها الثقافة لتبلونا أيانا أحسن اشتغالا، ومن يأت الحكمة قيامها له رأي لايموت بل يحيى فيه موفقا، ومن تزكى بمعرفة فسرها خيرا للناس نطقته المعنى قديرا، وعلى ما ارسله يعززه شاهدا وسراجا لا يحجب، وما صح، اذنت له عضوية الثقافة حقيقة جوهره الفاعل، وضمته مرماها زاهدا، وأعدت منه نبلا فيها، يجري عطاءه بين الناس ابدا، ومن يأت بالباطل فأن له رأي منه يتعفن.
وعليه، الأراء النقدية التي خارج “إطارها” تكون نتائجها مستحيل واقعيتها، لأنه التعريفات الواهمة خاوية المعنى. والسياق لا يكون له معنى بالفعل، إلا، إذا كان هناك أداة يتخذها الأنسان لفحص صحة أو بطلان السياق عن إطار تعريف ما جاء به، وإذا، لم تستطع التطبيقات من خلال التجربة حسم الإشكال، فإن الإشكال ليس له معنى واقعي حقيقي. والمسلمات النظرية لفلسفة الثقافة النقدية ليست بواقعية، بل خطابية “لغوية”، إنها ليست ببيانات واقعية، وهذا ما نشهده على ما نقرأه اليوم، بل، هي أما لحقت بتعريفات لألفاظ سارية التداول، أو توصيفات عن وجوبات لهذه الإطر التعريفية، والبيانات النقدية ثقافيا التي تقرر قيما فلسفية أو حتمية لواجبات هي ليست حقيقية ولا مزيفة، وإنما فقط تعبر عن نواغم خلجات قائلها.
والناقد مثقف، حيث ندب، بفضل نزعته العضوية، يراعيها عن نفسه بمسمى “الثقافة التجريبية المنطقية الناقدة” بدلا من تسميتها بـ”ثقافة الولاءات المنطقية الناقدة”، لكن، شرخهما في الواقع الثقافي النقدي بين البناء والمحتوى، و في كلتا النزعتين في الكتابة، و “التناصات” لا تأتي بأفكار تحليلية جديدة، راصدة تخالف الأقبال، تلك التي نجدها في سائر سريان المقالات من تيه مشيها وهرولتها، عن أستعاة فضاضة مؤلفات الكتب من تقرب نشرها واصدارها، كل ما هنالك هو ـ أي الناقد الحالي ـ أنه يحاول عرضها على نحو أكثر أتساعا، وهو يتناول في الكتابة ملحقا بمرجعيات مقصورة على أقلها أهمية من الظواهر؛ قضاياها ميتافيزيقية خاوية من المعنى، حين يتناول موقف الثقافة من الإدراك الأجتماعي، يجفف الأستقراء في الأراء والمباحث السديدة عن السياقات الفعلية من الإنسان، عدم الاعتناء بالمعرفة في مهمة شعيرة المعنى والحقيقة والمنطق والقيمة في القبول والرفض قديما وحديثا، وإيضاح ما هو مقل ومستكثر، وباسط ومختصر.. محاولا أصدار ما يأثر فيه ملهيات ومهلكات في تمويج المناجاة وطغيان فتاتها المادة من نص ونقد مبتلع سماجته.
أحوجه ببهارج تهريج، أن ما يرده هو رد على من نقدوه، مستجلبا ” صناعة مرتزقة” مستثقفون على سجيته، يعبيء، يردد ما كان قبله في مقدمات أخضعها للوضعية المنطقية ذاته، دون تعديلات عن مسار ما جاء في الثقافية النقدية التجريبية من تأثير في التغيير، وإن كانت طفيفة فهي لا تغير من جوهر انطباعه، مهما حاول عرضها وتوسع بأستعاراتها.
وقد وجد النقاد المعايير، لمعرفة هل طرح قضية ما ذات أهمية على القاريء أم لا؟ وجدوا في مبدأ التحقيق المعايير، حين يكون عن طريق ممارسة الابحاث التجريبية، أتباع مسح الاساليب التجريبية المنطقية في المنهجية عند وصول الجواب.
الناقد عادة يتأطر في تعريف فلسفي ذات معنى علمي تجريبي، لا وجود لثقافة نقدية واجبة، ناضجة، إلا وجودها في إمكان التحقيق، وإن التحقيق فيها يكون عرضة في منهجية اساليب تجربته، وهو نفس المنهج الذي دار عليه بحث ثقافة الولاءات الوضعية المنطقية في هجومها على الثقافات الميتافيزيقية، بل والعربية والفلسفة الشرقية بعامة حين جاءت خاوية.
لكن أثيرت ميزة الناقد التميز بين معنى “عناصر النص الناشطة” هو من يقرر، مما جعل لقضية الثقافة يتبنى موقفا خاليا عن قضيتها من المعنى، إلا إذا أثبتت التجربة الواقعية صحتها، واما معنى “عناصر النص ضعيفة” أن تكتفي بمقبوسات تستشهد ببعض الملاحظات التي تقرر صحة أو بطلان قضيتها.
الناقد يأخذ بالمعنى ” عناصر النص ضعيفة” لمبدأ إمكان التحقيق، دون الأخذ بالمعنى لعناصر الأول قوة نشاطه، وذلك على أساس أن القوانين العامة ووقائعها الماضية، لا يمكن أخضاعها للتجربة.! لكن هل يعدها جميعها غير صالحة؟ بالطبع ليس كذلك، وعليه يقتصر ذلك على المعنى “عناصر النص الضعيفة” فقط، فيكفي البحث من أجل إثبات أحقية أو بطلان قضية ما ذات أهمية على القاريء أم لا، بالاستشهاد بمجموعة ملاحظات أو شواهد.
ومع ذلك، رغم هذا الميل الموسع، فالناقد هاجم القضايا الميتافيزيقية، وعدها خالية من المعنى، وبالتالي باطلة؛ لأنه، فيما يعتقد وفي هذا مسايرة أيديولوجية، لم يجد مشاهدات لأثبات قضايا ميتافيزيقية حقيقتها معتقدا “عالم التجربة الحسية غير حقيقي”، وأنه لا توجد مشاهدات تساعد تحديد ما إذا كانت الأحداث والأفكار ذا جوهر نهائي واحد أو هو مؤلف من عدة جواهر نهائية.
وما دامت الفلسفة النقدية ـ في نظرتها هذه ـ لا تقدم حقائقها إلى القاريء، فإن على الناقد ينبغي توظيف مهمتها له، وينبغي حصرها في ” التحليل”. لكن كيف الناقد يحصر نقده نحو التحليل؟ بعد أن أصبح التحليل لدى القاريء مجرد تحليل لغوي محض، والأفكار صارت في زعمه مجرد فلسفات محشوة في تحليل لألفاظ اللغة! ويرى في مهمة الفلسفة مجرد مزود له بأدوات لتحديد دلالة رمزا ما، ذلك بترجمته إلى نصوص لا تحتوي على نفس هذا الرمز لواقع أو أي رمز مرادف له.
مهمة الناقد كمثقف؛ هي ملزمة بمبدأ الخير، والحق، وصدق الحوار، والوفاء، وأداء الأمانة، ونبذ الخيانة، واللطف بالاخر، وانعام التجاور بالخطاب، وكشف السر في العيوب مع أشهار حسناته، والعمل علانية الرد في لين الحوار، وتجسيد تطبيقات في بذل السلام والمحبة، وحسن لزوم الامل في العدل والاخاء والمساواة، دون الولاء لكاذب منافق، وعليه ان يكون عادلا، يتجنب مفسدة تهين الناس وتذلهم في الارض، يلين بالعقل والنفس بلا تسويف، ويحسم رأيه في سقوط الظلم على أحد ظلما باطلا، دون أن يسأل عن مقابل،.. الخ من سرائر النبل لجوهر المثقف في ممارسته، وأنها لصفات المثقف الزاهد العضوي. التزام يراه، ويعده نفسه في مواجهة محنة أو سلوى، يوصي ذاته فيه سرية وعلانية، في صدق نفسه ما أؤتمن عليه، قصد، خير الامم وسلامة أمانها، بصيرا في زمانه في تفسير أهمية وجودها والعيش بكرامة. مبتدءا مطلق نكران الذات في المحن حتى الخبر خاتمها، فواعلها الطمأنينة بالرضا، وأليق.
لكن من جهة أخرى، هناك مآسي أعدت، إلا أنها لم تخل من بعض النعم، وكان للمثقف له منها عبر، قوامها فواعل الرأي، حين حصر عمادها، إن شئتم الميل، فالنزع كررها يبحث، يريد إجابات يألفها ويرضى عنها العقل، من بالغ حشر الأسئلة، وإن كان الهوى غلاب وينعم بفروعه، شأنه مقلوبا، خالعا لسانه، يناجي بلا عقل، يحاسب على رغائبه، نهما، لا يمسك زل لسانه، ويضيق صدره، ولا يسأل عن أخطاءه شيئا، مغلوبا على ضميره، أنطوى على أصوله ومنه المقيم، حتى سقط قيم الثقافة مغرور شهوته، المثقف العضوي.
مما لا بد لمعظم العقلاء منه، رجاء الثقافة أن يكونوا أنفسهم في سياق المبتدأ حياتهم، عهدة مبكرة تعم، حتى يلقون خبرها، يتأزرون بها تزكية، حمل نفعها ظهورهم وصايا بنانا، والمستطرب هنا، في حال أحتضار وما بعده، وما ينفع ليتيقظوا شؤون مواقفهم فيها، ما يثبت بخبر أو أثر، تليق سندا بالاخرين، معتبرة؛ إن كانت مخالفة عليهم، أعرضوا عنها وأقتصروا على ما له دالة، مما هم من بعضهم يتحاورون ليستوي، كل منهم في شرح راحة الضمير، وتحمل مسؤولية تجاه التاريخ بموقفه، حتى يشرب جوهره أمام الناس.
إني مدركة تماما، وكان من سؤ حظي، أني كنت مشغولة مستغرقة بتخصصي وظيفيا، متغمدة الثقافة خيرا، خلال فترة تكويني، لم أتمكن من حصانة الاتصال بتيارات الثقافة المعاصرة، او، الحالية سرا، ولا العربية أو العراقية علنا. وللسبب نفسه، ربما حاليا تشينه الوضع الصحي، فإن قراءاتي في الادب والفن والفلسفة أصبحت دائما محدودة، وتمليها سلامة الصدفة في الأغلب على اطلاع ما ينشر وما يطبع، في إشارة ممن يساعدني موافقته في أختيارها، من ذخيرة الألطاف المقربون، مما يجدر أن أشكرهم.
رغم أن هذا أمر مؤسف له، دون شك، بذكر سعتها وسبقها، إلا أنه قد لا يخلو من أنعام لطف الخير، ومجازاة الكشف لشي من معرفة ودراية، إمتثالا لما أوتي منها. إذا كانت حركة الفكر والثقافة تمضي في مسار حريص، ويبدو أن الأمر ليس كذلك، فإن التخلف لم يكن عارضا هذه المرة بفعل ظرف طاريء، يؤخر ما لديه القيام به عمليا، بل نتيجة أضمحلال قدرات غير أعتيادية، لدى حقيقة المثقف وجوهره، لم يسبق لها زمانها.
وبعد حين، إنه لم يكن لطفا ما أزعمته عن المثقف وطبيعة فكره الثقافي عمليا، إن لم تكن الثقافة عنده معرفة علمية تراكمية وجهد خلاقا مشتركا في التطبيقات، فإن مثل هذا العجز، لا يتحتم أن يكون أكثر أنتكاسة وضررا مما يتحتم أن يضار به عمل القاريء، أنه ليس بقاريء. وعلى هذا فالقاريء طليق في أن يتمعن لهذا النص او يتابع ذاك المطبوع المنشور، كما لو كان يتلقى تعليما يكيف وعيه كيف يكون، أمخطوطة أكتشفها، فحصت صدفة عن نص لتوه، عندها يتم أعلان نهاية القاريء. فخلو النقد من المتابعة، ويتصنع بالفراغ وأملاءه عشوائيا، جهد مبرره خلافيا، واتجاهه استثقافي، حينما يكون هناك حشد من الافكارعابرة، لصناعة مرتزقة فكر وثقافة، لمحو مفهوم الثقافة وأصالة المثقف عمق أعتبارها، وأتلاف جوهر صانعها، تجاه المبدع حتفه وهو الجمهور أو المتلقي.
وحينما يكون كل مستثقف يسعى لحصد حشد من المرتزقة “المستثقفين”، لا لمجرد أن يعتقد أن عنده شأن ذا قيمة حقه، لكن “ثقافة تخلف تراكم العشوائيات” بتعريفه العلمي الخاطيء٬ عن يخوضه فهم معوج عن تعاريف (الحجوم والكثافة والقوة والطاقة)، حين يصبغها٬ يتبهرج في نضدة صيغة التجاوز بـ(عدد) المقالات المنشورة٬ والحظي بكتبه مطبوعة من سابق نتاج “سوق الولاءات للذمم” وغسيل أفكار أموالها،، ترتفع به إلى أسمى آفاق الثقافة الإنسانية عند “الأقلام والأحبار”، على هذا فليس محمول انعكاسه على القاريء بالشيء القليل أن يكون مرتزقا، مستنقعا بالاستثقاف، مزيفا، رخيصا نزق، بل لأن ما أعتقده يطيب من المثقف أن ما يكتب وينشر له يعني بتوجيهه، منحه عطاءا لجوهر القيمة الايجابية٬ لصفة المثقف وظل حاله.
وهذا ليس بذنب عليه يأثر “صورة المثقف في شبابه” يعاصره، لأن الحكم هو غياب النقد الحقيقي، الذي يرصف للمثقف طريقا معبدا نحو الجمهور، ويجعل من المثقف موقفا ابداعيا ذو جهد خلاق، لا يضار بالمجتمع، ولا يهدم ويلوث على القاريء حريته. غير أنه ساهم في ثني رجاء لمستقبل أجيال تنتظر خيرا، في أنعاش الأهتمام من الناس، وحصد أيجابية الأراء. إلى جانب ذلك، هوغياب النقد تفطنه على مدارسه الفكرية الحريصة، والمتابعة الرشيدة لما يقدم من سؤ المساس في الفكر والثقافة، يخل بمسائل الثقافة التقليدية وتحولها في “العضوية”، التي أهملت تماما في الأغلب. كفصل القطرة من بحرها هو النقد، يشرح ويبين ويعدل، والمستثقفون “أخوة يوسف” للقاريء!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 08.26.22
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)