لم يكن نقد الابعاد لثقافة الأنبعاث مشفوعة متخيلة أو هاجس تأويلي لدى الشخصية الثقافية العراقية وفنها الأبداعي الصلب والمكثف٬ المحكومة به على الدوم٬ أبدية الصبر والتفوق. كما لا يعول عند نقد دروسها هامشا طارئا في تراثها الفكري٬ وإنما استمرار ثراء دؤب في إعادة احياءه وبناءه٬ نقده المتراكم نقدا عضويا بناءا. كما لا يمكن أختزال جذورها في تجدده٬ بمعنى أن جدارية جواد سليم التي جاء بها٬ مترصدا وجاهة العلاقة التي تشد الرابط الصريح بحضارة تحمل دقة البعد الجمالي وهيبة مفهومها للأنبعاث. ارتبط بها الفنان إيذانا بولادة لا تختزل فقهها اللغوي وتحليلات مقاماتها٬ أتى بها بعدم تجاوز ذلك التكوين الفني المتأني٬ أهتماما منتجا تحت إشراف مفهوم التحدي٬ الدقة والجدية والتأني عنه٬ في حد مؤده تؤطره الجدارية٬ وهو ماجعله متحفزا القراءة النقدية من أصالة النصوص عامة على النصوص القديمة. لذلك شرع في قراءتها لفهمها فنيا وتوكيدها انطلاقا من ترسيخ إرادة الحرية في معاينتها أصالة الإنسان العراقي الحر٬ إنسان ابن هذه الأرض ونشيدها الأعلى٬ في فلسفته للخلود٬ وتقديمها بعد جمال صيرته الدروس من الاحداث انطلاقا فلسفيا يبين ضمن هذا الضرورة للممارسة من الأنبعاث حتى يتمكن من شاء بال التمييز بين الفكرة الفلسفية وقوة المعنى والأصالة لانتصار إرادة الخير مقابل الشر.
ومن هنا ولد الغرض من هذه المقالة التي تتطلب الوقوف عند أحد ابرز العلامات الفارقة والمهمة؛ لملامح البديل الابداعي الملموس٬ والتجديد الجمالي لمفهوم الانبعاث٬ الذي أتي الفنان تصوره صمودية تقويماته البديلة٬ متصلة٬ حين أسند طرفي الجدارية٬ محمولة عن ساعدين٬ رمزية إرادة القوة لهذا الإنسان٬ وإنسانية تراثه في الأنبعاث الحيوي. نلحظ من خلال مسنديها٬ رمز رفع جود ابناءه السؤال الفلسفي الأول٬ دلالة همة الإرادة القويمة الفعالة له.
ولذلك سعينا هنا من خلال الوقوف على؛ تحديات السؤال كإرادة قوة نحو إعادة الإنبعاث ـ مسوغاته في محتوى العمل الفني الأبداعي ـ الجدارية ـ وما تعكسه٬ وكذلك مفهوم الأنبعاث في قوة فكر الفنان العراقي المبدع (جواد سليم)٬ لتيسير تماثل بعض النظرات المتأنية والطروحات المتعجلة٬ لا سيما الدوغمائية منها٬ أي التأملات الايديولوجية بحشر تدخل قراءتها٬ لنؤكد إن هذين التوجهين: توجهين لسؤالين جماليين في العمل٬ فإشكالية قوة الإنبعاث لا محالة تسلك مسار قوة إرادة المبدع٬ بما هي إعادة أنبعاث روح التراكم المعرفي التراثي والتاريخي٬ وتفنن الأرضية الثقافية بقوة تقبل أنبعاثه واستقباله٬ لتزين ميراث الأشياء وتجديد فتنة جمالها. إذن هي ليست بخلو وهياج٬ بل ثقة جدارة الإنسان٬ قوة إيمانه.
إذ ذاك٬ سعي الأنبعاث٬ قوة تحقق الحرية٬ إمكان قوة كوامنه الجمالية٬ مواجه إقباله على روح المغامرة الفاتنة ـ العصية٬ من أجل مناشدة الخلود٬ الوازع الجمالي٬ من أجل الواجب وجوده٬ ذلك سعيه طلب النوازع الإشكالية الجمالية الحاثة على الحياة٬ فمثله في ذلك إذن “الروح الجمالية لصميم الاناشيد البابلية”٬ مثل قوة أنبعاث٬ إرادة السعي لسلك ما سلكها الأجداد٬ تدربها الفنان العراقي المبدع الذي يجدد ايمانه بالمعرفة الملحمية كوامنه٬ تبحثها أدوات عمق معارفها الجمالية٬ ومنهجية آداب معاقلها الصريحة٬ وسيلة درب الحرية وصراعها المرير٬ لإيجاد عن تحقيقها متعة الحياة من خير مقابل الشر.
إنبعاث القوة٬ يسود فيها سعي الفنان نفسه بتأمين مسلك النباهة إلى الجدارية٬ انبعاث القوة ملزمة إرادة الحياة حضارة٬ حضارة ابناء الرافدين العصية. في الجدارية مشاهد حادثة الحياة٬ على إنسانها المغامر بعلوية أرتقاء الإرادة٬ مقبل جمالية طلب النازع الإنساني الحاث على التحرر٬ الخلود؛ افصاح سرالحياة٬ حكمه على ما محكوم عليه فيه دائما: (إرادة الصبر وإرادة الأقتدار)٬ التفوق على ذاته٬ الرغائب التي ترهن الخلاص. والفنان (جواد سليم) يستوضح تجليات ذلك أمام الحقيقة التي أنطقها في عمله بـ”إرادة اقتدار”٬ تتناسل وتدافع إنسها وتأنسها إلى غاية الإنبعاث٬ إلى ذاك الشيء الذي يتسامى للأعالي٬ وأبعد٬ في كثرة تنوع الحركة٬ والفهم بالتنوع٬ فيها إنكار٬ بل تأكيد المشاركة الجامعة في توزيع الوحدة بذاتها. ولكن هذه ـ الجدارية ـ فيها للفنان شيء واحد وسر واحد٬ وإن أفضله على إنكار وحدته فيها. والحق أنها مشاهدة احياء الذبول من شخوص واحداث التواريخ٬ وجوه وسنابل وشموخ التساقط في فتح السجون٬ هي خطوة منها تشاهد التضحية٬ أنبعاث الحياة من أجل إرادة استمرار الأقتدار. ذلك الشكل الهندسي عن المستطيل٬ نحت فيه المحتوم؛ حضارة فكر ومجد عتيد٬ هي تجسيد نضالات٬ وصيرورة حضارة٬ وغاية ومعارضة للغايات٬ يعبر بها أبعد من نهر وشمس ومسلات٬ فيها علوم القوانين. وفي زوايا الجدارية أسف وفرح ومشقة وانتصارات تسيل وتنتصب شخوص الإرادات٬ لا فيها ما يتكهن وخاليه وجوهها من قسمات الندم. ما هي إلا عمل يعكس إرادة الفنان٬ ضاربا التكهنات٬ نبذها في نفسها تتلوى بطرق التحاليل٬ ابتغى أن تسيز هذه الإرادة في الحدث جليلة ضد إرادة الحياة في الثورة٬ فجر أنبعاث٬ أعلان تحقيقها٬ وأيا كان الشيء الذي أخلقه٬ ومهما يكن حب الفنان فيها٬ هو أنتماء وكمال حب كبير٬ فجرها نور٬ فسرها سرعان ما جسدها نبرة شوق٬ حب له٬ للناس٬ هكذا بقي أسمها بالأنبعاث مرات لمرات: نصب الحرية.
في المحتوى شذرات دلالة على اكتشاف “نصب الحرية”٬ أن إرادة الأقتدار ليس عابرة٬ مكنون هذي إناسها٬ أناشيد الأرض٬ يغنيها؛ الأب والأم٬ والطفل والعامل والفلاح والجندي وعدة إرادات متوحدة في الإنبعاث٬ حرية حضارة٬ ودم ودموع الشباب والصبايا. هي ليست مجرد خاصية من خصائص أناشيد الحياة فحسب٬ ألا هي ماهية الحياة وجوهرها. شخوص واشكال وحركات فيها الكلمات٬ تنبع وتزهر نبراسها إرادة اقتدار عظمة جمالها الفني الإبداعي٬ فلسفة اناشيدها البابلية التي تتفوق على نفسها بأستمرار٬ وبهذا نلاحظ شبه أعلان٬ بل صيحة الفنان على لسان رسالتها ـ أي الجدارية ـ إيمانه المطلق بإرادة الأقتدار للإنسان العراقي٬ ولم يترك للباحث فاترا عبوره عن السؤال٬ في: ما هي المسوغات التي شكلت لظهور فكرة تصميم ابعاد واشتقاقات موضوعاتها “نصب الحرية”ـ فكرة أنبعاث اإرادة الأقتدار ؟٬ ثم لم تترك الجمالية في اللمسات والتوزيع وطبيعة اشكالها وحجومها إلا وتعلق في الذهن السؤال اللاحق: ما هي القراءات الأقرب إلى الفهم الأصيل لمفهوم ما إرادة الأقتدار؟ وعليه ما تم جعلمنا أخضاعه” إرادة تحدي السؤال الأول هو مالأنبعاث في جدارية نصب الحرية؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• المكان والتاريخ: أوكسفورد ـ 09.14.22
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)