اعلم أعزك الله أن القنب الهندي، أو (الكيف) باللهجة المحلية كما يروي ولد كبور، عشبة مخدرة قديمة، ومعروفة في المغرب، تنبت بمنطقتي بني خالد وكتامة. وكان استهلاكه في البداية محصورا في منطقة الشمال، ومنظم بمرسوم قديم يعود إلى عهد المولى حسن الأول. وانتقل ترويجها إلى داخل المغرب بطرق سرية من طرف عصابات منظمة.
بالأمس دخنه الكبار فقط، حيت ابتلي به بعض الحرفيين والصناع. بينما بعض الأسر الارستقراطية تخلط زيته مع المعجون بعد أن تضيف إليه رأس الحانوت* (المساخن) وهو مجموعة من الأعشاب المقاومة للبرودة بنوعيها: الطبيعية والجنسية.
تناول ملعقة صغيرة أو كبيرة أثناء الخروج إلى النزاهة أو في المناسبات الخاصة، يمنح الشخص قدرة زائدة على المرح والهزل وإبداع القوافي من الكلام التي تذيع فيما بعد بين الناس، وتصبح لازمة يرددها الجميع.
اسأل محترفي (الطقطقات)* كيف ينطلق لهم اللسان عندما يتناولون المعجون، ويصدحون بأشعار عامية تخرج من أعماق القلب.
(قلت له كل غير كرموسة*
وهو كل كروسة*
واهي أمي واهي الوليد
ناري كرموس النصارى يدي لرواح)
واعلم حفظك الله أن تدخين القنب الهندي يحتاج إلى عود من الخشب، مُجوف من الوسط يظن ولد كبور، انه يُصنع من أغصان شجر (الدفلى)، ويتم نقشه بألوان زاهية، وشَقْف* من الطين، ومَطوي يُشبه كيسا صغيرا من الجلد. ويتفنن البعض في صناعته من جلد الماعز ويزينه بصوفه. واحذر من مدخن القنب الهندي إذا ضاع منه (الشقف) فهو يتحول بسرعة إلى قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة. لذلك يدعو بعض الناس على بعضهم البعض : (سر الله يغبّر* لك الشقف).
وهذه الأدوات كانت تُعرض بشكل علني في الأكشاك المحيطة بساحة جامع الفنا مع سلع أخرى تباع للسياح، كما تجدها عند كل دكاكين المواد الغذائية في الأحياء الشعبية.
وقد لجأ إليه البعض لمعالجة الأطفال من بعض الآلام أو الأمراض، فيطلبون من المدخن أن ينفث دخانه على وجه الطفل حتى يشمه فيتخدر وينام.
لا تحلا الليلة الكناوية، ولا تزهى ألوانها، إلا إذا دخن المعلم ثلاثة غليونات أو أربع بين اللون واللون، لتنزل بركة لالة عايشة الساكنة الجبال ، لالة عايشة مولات الواد ، لالة عايشة السالبة الأولاد
ويحلو تدخين القنب الهندي مع مجموعة من الحشاشين. أخذ نفسين أو ثلاثة وانتظار فترة قد تطول أو تقصر لأخذ أنفاس أخرى، خاصة إذا كنت غير متبوع بشغل يحتاج إنجازه إلى دقة في المواعيد. ومن تقاليده ألا تدخن بمفردك وأنت مع الجماعة. دع غليونك يدور وسيعود إليك كما أرسلته.
ولأنه يدخل في الممنوعات والمحرمات يتم تدخينه بعيدا عن أعين الناس. خفية داخل دكان أو خلف سور أو وراء باب (فندق)* قديم أو في مقهى مثل أغلب المقاهي التي كانت تفرش الحصير لزبائنها. ولا أحد يعلم لماذا يفضل الناس أثناء تدخين القنب الهندي في الفضاءات المفتوحة جلسة القرفصاء مع إخفاء (السبسي)* ميلا إلى اليمين أو اليسار؟
ويكون بعضهم أكثر كرما مع الموظفين أو طلبة الجامعة، ويعتبر الجلوس والتدخين مع هؤلاء قيمة مضافة، تضفي شرعية اجتماعية على هذا النوع من الانحراف.
دخنه كبار كتاب القصة والرواية في المغرب، وأشهروا ذلك في أعمالهم مثل محمد شكري ومحمد زفزاف الله يرحمهما. ويُحكى والله أعلم أن بعض كبار المثقفين المغاربة والباحثين في السوسيولوجيا والشعراء ابتلوا أيضا بتدخين القنب الهندي، لكنهم تكتموا عن ذلك لأسباب أخلاقية أو اجتماعية.
المعجم :
ـ (المعجون : مخدر أرستقراطي المنشأ . جمع أغصان القنب الهندي في قطعة قماش شفاف وطبخه في الزبدة ثم عصره وخلطه مع راس الحانوت والمكسرات مطحونة وقليل من الدقيق المحمر ، مثل السفوف او (سليلو).
ـ راس الحانوت : مجموعة من التوابل التي تسخن الجسم في فصل الشتاء.
ـ الشقف : شقف من الطين به فتحتان إحداهما يدخل فيها العود وفي الثانية يوضع قليل من الكيف مقسس (مقطع إلى حبيبات صغرى) ومدرح (خلطه بقليل من طابا) قبل إشعاله وتدخينه
ـ المطوي : كيس صغير يوضع فيه الكيف مقطع إلى حبيبات صغرى تشبه حبيبات الكسكس
ـ السبسي : الغليون الذي يدخن فيه الكيف
ـ الفندق : بفتح الفاء مكان يبت في الدواب في المدن العتيقة .
ـ يغبّر : يخفي ويضيع.
مراكش في 04 مارس 2019