طالما كنت اسأل نفسي بماذا يفكر الناس في العالم والوطن العربي؟.. ما هي المشتركات التي تستقطبهم ؟ وما لون الاسئلة التي تقلقهم وكيف يجيبون ؟
لايمكن الاستعانة بالاستبيانات لنجيب على السؤال( ما الذ ي يستقطبهم من المواضيع قراءة ومشاهدة) لكن معطيات تسجيل الدخول في اذاعة عريقة واسعة الانتشار مثل بي بي سي قد يعطي صورة اوضح , فقد سجل تطبيق الاذاعة لعام ٢٠٢٢ عشرقصص هي الاكثر استقطابا للمتابعين وهي:
١ اعراض الاصابة بمايكرون ومتحورات كورونا
٢ منع الحمل والحبة السحرية
٣ النسوية من منظور اسلامي
٤ غشاء البكارة وكيف تنتهي اسطورة العذرية
٥ كأس العالم ٢٠٢٢ بقطر
٦ ماذا يريد بوتين هل ينهي حربه مع اوكرانيا
٧ وفاة الطفل ريان في بئر بعد انقاذه
٨ جدول مباريات كأس العالم ٢٠٢٢ ونتائجه
٩ العداءة السورية التي بترت ساقها
㿊 اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
ويظهر ان المواضيع التي تتناول شؤون القصص الانسانية والمراة تتصدر , تليها كرة القدم وتعقبها اخيرا الرياضة .. اذن الشأن الثقافي الادبي والعلوم والبحث العلمي يتراجع وان السياسة تتذيل القائمة . ورغم ان الاحصائية التي نشرتها اذاعة بي بي سي ليست كافية للاستنتاج فانها تعطي صورة اوضح لاهتمام المتابعين .
اما في التطبيقات الشهيرة مثل فواضح اهتمام الجمهور الاوسع بالقصص التي تتمركز حول الفكاهة والاغاني واخبار المشاهير والمحتوى النادر والمكياج والمطبخ .. من جهة اخرى يظهر ان المتابعين للمحتويات التافهة في ازدياد .
الانسان يرى نفسه محاصرا بزخم المعلومات التي تنهال عليه يوميا .. وهو مثل غريق يصعب عليه تمييز القشة من اليد المنقذة … وان تعطيل التكتك في امريكا ليس حلا فهو انعكاس للاحساس بالرعب من غزو المحتوى ..
كنت ظهر امس في كية خلف سائق وصاحبه الذي كان مجهدا وبحالة نعاس…يقول له صاحبه السائق( انت نعسان ومتعب وبحاجة لراحة )… فاجابه هذا وكيف ذلك وانا اعمل حتى الغروب مقابل ٥٠٠ الف دينار ومنزلي بعيد عن مقر عملي ..فسهم السائق مركزا على اختناق المرور والتريلات الخمسة التي غطست في الوحل يسحبها دوزر بسلسلة..ثم قال له ( امس من مصرفي اعطيت عشرين الفا لابي ..فسألني( ومتى عملت ).. لكني كنت مجهدا فلم احرك عجلتي..).. عندها لم استطع السكوت فتداخلت معهما..بعدها ترجلت بروح مجرّحة.. مثل هؤلاء المتعبين حين يعودون بعد عمل مرهق لبيوتهم ماذا يقرؤون وما يتابعون !؟ .
ان اكثر من ستين فضائية في العراق تبث طيلة اليوم وعشرات الاذاعات لم تتمكن من اقامة حصن ثقافي يدفع الناس الى تجاوز العنف والانتهاكات وخلق بيئة ثقافية تقود الى بلد مزدهر …فاغلبها مغلقة على نفسها وجمهورها ثابت ومحجم . علينا ان نواجه انفسنا بشجاعة ونضع الاصبع على الجرح لا ان نخشى من محتويات هابطة ..
علينا صنع البديل .