ضمن العروض التي قدمت في مهرجان نظران المسرحي الثاني ( دورة الفنان جابر ميرزه).
الوجع مؤلم لكن التذكير بالوجع يكون أكثر إيلامآ، مسرحية (سالب صفر) هي وجع متكرر يدور في ذاكرتنا جميعآ.ومهما حاولنا شحن نضائدنا لغرض النسيان، أو نقذف به في نفايات الذاكرة لايمكن ؟
لأننا تشبعنا بوجعنا وأصبح زادنا المستدام.. مسرحية (سالب صفر) قدمت من قبل فرقة نقابة الفنانين /فرع البصرة بقيادة الفنان المبدع (احمد الشمالي) مؤلفآ ومخرجآ وممثلآ.. كان عرضآ راقصآ معبرآ عن الحالة الموجعة الذي مر بها العراق شعبآ وتأريخآ منذ عام (٢٠٠٣) منذ التغيير ولحد الآن.
العرض ينتمي إلى عروض(الكيروكراف) الذي ظهر في اليابان، والذي يذكرنا بدايات المسرح الاغريقي _ من العروض الحركة الراقصة المعبرة عن حالات الإنسان الشعورية، من خلال حلله مشاكله الخاصة العامة.
١ _الأ ستهلال :-
كان العرض لوح من الجمال ترافقه حركات راقصة معبرة-حول تاريخ العراق وعظمته عبر العصور وكان البدء ( ساعة الصفر) العصر البابلي، وقد لايكون هو التقويم الأصح لكنه كان تعبيرآ جميلآ معبرآ.
الحركات الراقصة كانت ترافقه قراءة شعرية لشاعرنا الكبير (عبد الرزاق عبد الواحد) قصيدة – سفر التكوين- وكان إضافه موفقة من قبل أحمد الشمالي.
٢- الخطاب والحركة:-
قد يكون الخطاب في اتهام مثل هكذا عروض لكن، احمد الشمالي أراد أن يؤنق الخطاب بالحركة الجمالية، لأعطاء ديمومة للفعل. لانه الخطاب ماعاد ينفع في المسرح لأننا بحاجة إلى الصورة الجمالية المعبرة.
٣- العرض المسرحي :-
لكل مخرج أفكار ومعالجات وطروحات تكاد تلتقي مع مزاج وذائقة المتلقي أم لا، لكن ( المخرج المؤلف الممثل) أراد أن يوظف أفكاره بطريقة( كيروكرافية) بحته من أجل شد المتلقي الى العرض وأخضاعه إلى سطوة المسرح وقطع الهمس والكلام من خلال رفده بالحركات المعبرةة.
٤- الزمن في المسرح :-
لكل عرض مسرحي( زمن خاص به) والزمن هو- الدبوس الذي يمسك الأوراق – فإذا نزع هذا الدبوس تناثرت الأوراق (رأي سينكا).
لذا هنالك عدد من النقاط حول (الزمن المسرحي)
1_الاهتمام بالزمن، يعني مسك الإيقاع في العرض المسرحي.
2_التهاون في الزمن المسرحي، يخلق نوع من البرودة والشرود الذهني لدى المتلقي وحتى الممثل.
3_الابتعاد عن الزمن يضعف العرض ويجعله رتيبآ وإصابته في فايروس الملل.
4_ مسك الزمن وهذه مهمة (الممثل) أولآ قبل المخرج لأنها صيانة فكرية وحركية ويعتاد عليها (الممثل) من خلال التدريبات اليومية وكذلك التأكيد المستمر من قبل مخرج العمل.
٤_ تكرار الفعل:- كل فعل يتكرر على خشبة المسرح دون ضروره ملحة، يصبح ظاهرة غير مقبولة سواء كانت ( حركة أ و إيماءة أو إشارة أو دلالة)، الفعل على المسرح محسوب ومركز ومختزل، لذا لايمكن زجه في أفعال مكررة ومقروءة سلفآ.
٥- فلسفة العرض :-
أراد المخرج المبدع( احمد الشمالي) ان يفتح نوافذه علينا _لانه أبواب الحكاية في العرض المسرحي _ مشرعة أصلآ. أحمد الشمالي(المخرج الممثل) أراد يكتب على لوح المسرح حروف جديدة غير مدونة سابقآ وليطل بها (اقصد الحروف) على العالم سواء كان عربيآ أو أجنبيآ، وقد تعرفت على أحمدالشمالي منذ سنين خلت وليست هذه اطلالته الأولى. كان العرض لوح من الجحيم، لايشبه جحيم (دانتي) ولا نار الله عز وجل. بل كان العرض (وجع مركز) يلهبنا بالسياط في كل ثانيه ألف مرة.
٦- الشخصيات :-
لكل مخرج رأي خاص قد يكون(فلسفيآ أو طروحات إستفزازية) الغرض منها (القسوة على المتلقي لغرض ان تحركه بأتجاه الصواب، من باب مبدأ – القسوة الداخليه والخارجيه – القسوه على رأي (آرتو) هي ليست إراقة الدماء ولا القتل ولا الدمار بل- هي قسوة الوجود على الإنسان وبالتالي الإنسان على نفسه – إراد احمد الشمالي (ان يصلينا بالوجع ويكرره أكثر من مرة لكي يستفزنا يخرجنا من نعاسنا المستدام.
٧- النتائج :-
١- العرض كان صحوة إجتماعية شعبية؛ بل دعوة من أجل التظاهر.
٢-اراد المخرج ان يعطينا نضائد جديدة لشحن ذاكرتنا بالرغم امتلاكنا نضائد قد تكون مستهلكة.
٣- المخرج قال لنا ان الثروة المعلوماتية التي جاء بها المحتل هي عبارة عن نفايات لا أكثر.
٤- كل من حكم العراق منذ(٢٠٠٣)بعد التغيير ولحد الآن، هم مجموعة من اللصوص والقتلة، والانكى من ذلك هم ( أصحاب القرون) وهذه سيميائية لاأريد ان أفصح عنها.
٨- الختام :-
العرض المسرحي (سالب صفر) والذي قدم على مسرح نقابة الفنانين/فرع البصرة وضمن فعاليات مهرجان نظران المسرحي الثاني/دورة الفنان (جابر ميرزة) وكانت بالكورة الافتتاح وخارج المسابقة.
مسرحية (سالب صفر) عرض جميل و معبر تجاوز العروض التقليدية التي تهتم بالخطاب. ونحن بحاجة إلى مثل هكذا لتحرك ذاكرتنا وبوصلة عقولنا.
واخيرآ أشد على إيدي الشباب العاملين في حقل المسرح، وكذلك مجموعة الفنان أحمد الشمالي الذي أصبح إيقونة بصرية وهو فنان باذخ بالجمال. شكري وتقديري إلى نقابة الفنانين / فرع البصرة المتمثله في شخص الاستاذ فتحي شداد كذلك شكر موصول إلى إدارة مهرجان نظران المسرحي الثاني/دورة الفنان( جابر ميرزه).
واخيرآ اقول (الكل إلى الزوال والمسرح هو الباقي).