كثيراً ما يأخذنا النّص الأدبي إلى عالمٍ يبدو فيه نظر الكاتب جديداً ممتعاً للقارئ؛ وقد يكون النَّص في الخيال العلمي،او نتاج في الشعر ورأي في مقالة وكلمات متنّكرة في خاطرة…..
وبالرغم من المتعة الادبيّة التي يتركها الكاتب و الأديب في القارئ تظهر بعض المآخذ على الأديب، وهو يحسَّ بايامه الأخيرة، حيث سيودّع الدنيا يترك قلمه لمن أُعجب بكتابه أسلوبه، وآخر يسلك طريقاًفي تقليد الكاتب مواقفه، إبداعه دفاعه عن قضايا وطنه او منزوياً مستسلماَ في برج الكتابة لا يعرف من أبطاله إلا الخيال؛ وقد غادر مسرح الحياة.
وبعض هذه المآخذ يدخل ضمن مفاسد هؤلاء الُكتّاب والإدباء فيما يتركون من آراءقد تكون خلاصة ما يريدون قوله طيلة السنوات التي مضت من عمرهم. فهذا الشَّاعرالعباسي ابو العلاء المعري قرر انْ يترك بيتاً من الشعريفلسف فيه غايته من وجوده في الحياة بطريقة سلبيّةخالفت سُنّة اللّه في خلقه، وقد يكون ما صدر عنه هو حصيلة المعاناة التي عاشها الشاعر:هذا ما جناه ابي عليَّ….. وما جنيتُ على احدٍ
إذن نهاية الشاعر هو حصيلة حياة خيّم عليها السوداويّة، و التشاؤم..
وفي مصر ترك الشاعر المصري احمد العاصي بعد إقدامه على الإنتحار وصيّة مختصرة يقول فيها:(إلى من يهمّه أمري، جبان مَنْ يكره الحياة، جبان منْ لا يرحّب بهذا الملاك الطاهر، إنني استعذب الموت) ولو ان فكرته اخفُّ من سوداوية المعري إلأّ إنّ تأكيده على صفتي الملاك الطاهر، واستعذاب الموت قد خففتا من تأثير فكرة الإنتحار عليه.!
إنَّ موضوعة الإنتحار هو ما نهى عنه الشرع في الإسلام؛ وما يتركه الأديب مِنْ بصمات في أدبه قد تتبدد غايته، واهدافهحينما يستطعم لذَّة الموت بهذه الطريقة
وفي لبنان اقدم الشَّاعر اللّبنانيّ خليل حاوي على الإنتحار سنة ١٩٨٢،وهو يشاهد الغزو الإسرائيلي لبيروت وقد ترك كلمات قليلة(لم أعد اتحمّل ما يجري) منهياً بذلك سنوات من العمر قضاها في الشعر، ولكن دون نتيجة، ولم يعر ايَّ اهميّة لشعره في مفاومة الصهاينة بإحتلال ارض فلسطين، وإستسلم لنهاية مفزعةفي سلبيّة الموت.
كما ودّع الشاعر الأردني تيسير سبول الحياة تاركاً قصيدته الوداع والتَّي عُثِرَ عليها بعد إنتحاره يقول:/انا يا صديقي/أسير مع الوهم ادري/”ايُّهم في تُخوم النهاية/نبتاً غريب الملامح/امضي إلى غير غايهْ/ساسقط لا. بُدَّ… يملأ جوفي الظَّلام. /الأعمال الكاملة تيسير سبول /ط١ سنة ١٩٨٥.
هذه النماذج من الآثار المتروك للادباء ممن فهم الحياة ووثقّها في مؤلفات، يترك الحياة بعبارات الشكوى، او الندم، او الضعف النفسي ظاهرة عليه عندما يرفض ما حوله في النتيجة الحتميّة للحياة.
يبقى لنا السؤال:لماذا يكتب هؤلاء، وهم على علمٍ بما سيتركونه من آثار ادبيّة، وقد طغى عليهم طابع السَّلبيّة في طريق مماتهم، وقد نجد من آراء في الأدب الغربي، ومواقف لهم ومن ذلك الكاتب الارجنتينيّ هارولد كونتي الذي اُختطِفَ في مايو/١٩٧٦ وقد مات كرهينة بعد أسبوعين من إختطافه كان قد كتب إلى صديقه غابريل جارسياقائلاً(إنّ الإنسان هو الذّي يختار مصيره) مجلة العربي العدد/٣٢٦يناير١٩٨٦. وهنا حددّ الكاتب مصيره في الموت موفقه في الاختطاف. وإنَّ ما تركه يؤشّر غايته من الحياة في إختيار لحظة المصير والتي ستخلّده فيما بعد. ويوافق مع هذا الرأي من موقف للشاعر البلغاريّ نيكولا فابتزاروف يقول(إنَّ الذّي يسقط في سبيل الْحريّة لا يموت… لا يستطيع انْ يموت)
هذه الشذرات التي تصدر من الأديب عندما لا يحددّ موقفه بصورة إيجابيّة، وقد تترك له مِن القرُّاء مَنْ يجد في الكاتب الإلتزام الأدبي، والصدق الفني فيما يترك.
والكاتب الامريكيّ إرسنت همنغواي يترك قولا سنة ١٩٦١ بعد إنتحاره يقول :/عندما اموت /لا تدفنني ابداً/ضع قنيّنة شراب عند رأسي/واخرى عند قدمي/وإذا لم اقدر على شربها/ستدرك بأنني لا بُدَّ ميت.
هذه الأبيات تظهر مدى عبثيّة الشاعر وعدم خضوعه لفلسفة الحياة، والموت عند الإنسان.