يستيقظ متأخرا ويجد تحت الوسادة:ابني اتبع ماقلته لك وماسطرته لحياتك بالطول والعرض.
تلك الكلمات لاتزال ترن في أذنيه،لها وقع خاص،حاول تحليلها وتفسيرها وفق منظوره،بل من منظار الأب،ومنظار المجتمع.
منذ اليوم الأول من الدراسة،بدأت كلمة اخرى:اكتب ماأقوله لك،تتسامى في عقله الطفولي،أفكار غير التي قيلت له،فكره الواعي الرافض لكل من هو خارج عن نطاق حياته التي أتى ليحياها لا ليحيا حياة الاخرين،ظل خارج الزمن الموعود من أبيه والمجتمع،سائرا في طريقه،وفي دروب الزمن النفسي الذي خطه لنفسه منذ الصغر،بنى عالمه على التمرد،يذهب لوحده ل”عقبة سيدي بوعزة”،ويسير في وسط غابتها،متخيلا نفسه شجرة من أشجارها،يظل بظلالها،ويبيت تحت أغصانها،ليومين أو ثلاث،متمردا عن الأكل،وشاربا للماء حتى لايموت ،فالعطش يقتل سالكا بنفسه خارج المجتمع،واضعاف نفسه مع الطبيعة،يخاطبها ويعتاش معها.
يلحق به أباه،وقائلا له:أنا بعد لهثني .
يسكت لايجيبه،يذهب أمامه،حتى لايتبع خطوات أبيه،هكذا سن حياته،ظلت الحروف هي القيد الوحيد الذي يربطه بماقبله،يسلك كلمات جديدة،يفشل فيما بعد،فاللغة دال ومدلول،جمعت بين دفتي الكتاب،منذ البداية.
يكبر ويكبر معه الحلم،والنسخة التي أراد أن يكونها لوحده،تارة تزهر وتارات أخرى تفشل،لكن اضراره لم يخبت في مرة من المرات،ناسكا منسك التفرد،وظلت كلمات عزيز تراوده:عش معهم ولاتفكر بحالهم.
يقرأ كثيرا ومبتعدا خطوات عن الكل،ويكتب رواية عنوانها”كيف تحارب الآبائية”،آبائية المجتمع،آبائية التخلف،آبائية الحرمان.
يعود إلى الدوار الذي عاش فيه أيامه الاولى من التمرد،يجد أباه توفى،وحقه من الإرث معزولا بحائط من حجر على باقي إرث اخوته،يذهب مرة اخرى إلى الغابة،يجدها اقتلعت من جذورها،يقول في نفسه:حتى ش يعيش حياته بعيدا عن الآبائية،على الأقل فكرتي مرت إلى واحد آخر،يتمعن جيدا،ويجد أن الإرث واقتلاع الغابة،هي آبائية من نوع آخر،يسيح مع الطريق المؤدي إلى سبت الدويب باحثا عن نفسه التي صنعها منذ نعومة أظفاره