المتابع للمشهد العالمي الآن عامة والساحة العربية خاصة يرى بكل وضوح الحاجة الملحة للعودة إلى الانسان، الالتفات إليه من حيث الوجود والكينونة
س1:كيف تقدمين الكاتبة اخلاص فرنسيس لقراء مجلة بصرياثا؟
إخلاص فرنسيس لبنانية، ولدت في قرية جنوبية، من أسرة مزارعة بسيطة، كبرت خلال الحرب التي سرقت منها الكثير من أحلامها، وجعلتها تكبر قبل الأوان وتحمل مسؤولية الحياة والموت، لي أسرتي الخاصة الآن، مقيمة في اميركا، للحرب تأثير كبير على حياتي، الانغلاق عن الاخر، ولكن طبيعة اللبناني المنفتح فكرياً، ساعدتني كثيراً في تخطي تلك الفترة والانطلاق في الحوار الفكري والتواصل.
س2:ماهي أهم المدارس التي تفاعلتم معها وأثرت فيكم أثناء تجربتكم في بداياتهاوالآن؟
إن أهم المدارس التي تأثرت بها كثيراً هي الطبيعة، كوني ولدت في قرية ريفية في الجنوب اللبناني، طفولتي ومراهقتي كانت بأحضان الطبيعة، ثم أتت المرحلة الدراسية لتضع النقاط على الحروف كما يقولون وتترجم الإحساس بالحروف وأرى في الأدب اللبناني المفعم بالإنسانية والغني بالاختلاف ومتعدد الثقافات، ثقافة البحر والسفر والانطلاق نحو العوالم الأخرى، الأدباء اللبنانيين الذين تعلمت منهم كانوا كثرومنهم مطران خليل مطران وإيليا أبو ماضيومارون عبودوميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران، ولكن جبران خليل جبران كان له الوقع الأكبر على روحي، وتشكيل مفهومي وشخصيتي الأدبية، ربما لأني رأيت فيه كل الروحانيات التي اختبرتها في الطبيعة، والحب المجرد للإنسان، بالإضافة إلى الحياة القروية التي أعشق، والتي هي أقرب إلى مفهوم جبران. هذافي فترة البدايات، ولكن مع القراءة والاطلاع على الفلسفة وعلوم الأنثروبولوجي تفتحت مداركي أكثر.
س3:هل هو عصرالرواية كما يذهب الى ذلك العديد من النقاد والمتابعين لعالم السرديات؟
على الرغم من ذهاب الجميع خلف الرواية والترويج لها على أنها الرائدة في العصر، الرواية شكل أدبي حيوي ومؤثر، ولكن هناك كتابات كثيرة تطورت في الآونة الأخيرة، ولكن أشكال أخرى في الساحة الأدبية متل القصة القصيرة والكتابة الإبداعية الشعر وغيره وبالتالي إن الرواية وإن كانت تنال الاهتمام الأول إنما هناك تفاوت في هذا الرأي وهناك الذائقة الفردية، ربما هي الرائد من حيث منح الجوائز، ولكن من حيث التعبير والابداع الرواية جزء لا يتجزأ عن باقي أنواع الادب المعبر عن الجماعة.
س4:ماهي أهم الرسائل والافكار والاشكاليات التي تشغل الكاتبة وستشتغل عليها ويتم اخراجها قصصيا أو روائيا؟
المتابع للمشهد العالمي الآن عامة والساحة العربية خاصة يرى بكل وضوح الحاجة الملحة للعودة إلى الانسان، الالتفات إليه من حيث الوجود والكينونة، من حيث الهوية والانتماء، حيث الانسان أصبح غريب في وطنه، الوطن الذي كان يجب أن يقدم له كل مقومات الحياة المحترمة لفظ أبناءه إلى الخارج من نجا من الحرب ابتلعه البحر ومن نجا من البحر ابتلعته الغربة، لقد أصبح الهم الإنساني يسعى إلى أبسط الأمور الحياتية الشعور بالأمان والقبول من الآخر، لا أريد أن أتحدث عن العدالة والمساواة، حاجتنا إلى شيء. يجمعنا يرتق ما فعلت بنا أيادي أعداء الحياة يلثم الجرح ويرتق الشرخ بالمحبة والاهتمام الإنساني البحث.
س5:هل هناك حركة نقدية عربية تواكب الكم المنشور قصة ورواية وشعرا؟
بالرغم من وجود حركة نقدية لا بأس بها على الساحة الثقافية ولكنها تبقى منقوصة نوعا ما من حيث تغطية الكم الهائل من المنشور وغزارة الإنتاج، الذي هو أكبر من أي حركة نقدية في الوسط الثقافي العربي، هذا بالإضافة إلى أننا لا نملك أدوات النقد العربي الخارج من بيئة الأديب، نحن نستورد من الغرب كل شيء، ونعيد اجتراره الغرب ينتج ونحن نستهلك، وأحيانا كثيرة نستهلك نفايات الثقافة الغربية، التي لا تشبهنا، لا من قريب ولا من بعيد لإنها خارجة من بيئة مختلفة، ومناخ مختلف وجغرافيا مختلفة وإن كان الكاتب ابن بيئته يعكسها في أدبه فعلى النقد أن يكون ابن البيئة أيضاً كي يقدم تقييم صحيح ويسهل عملية الانتشار ويساعد في تشجيع الكتّاب على الابتكار والتطور في أساليبهم الكتابية، والمساهمة في بناء وترسيخ الهوية الذاتية للكاتب ومنها هوية المجتمع إلى هوية الوطن الشامل وأيضا دعم الابتكار على المستوى المحلي والإقليمي وأيضاً دعم اللغة العربية التي نكتب بها.
س6:المهجر ماهي انعكاساته وأثره على الكاتبة في كتاباتها وتصوراتها؟
المهجر لم يعد مهجر بالمعنى الحرفي كما كان في أيام الرابطة القلمية التي أنشأت في أيام جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، حيث كان من الصعب التواصل مع الوطن والرسائل تسافر لشهور طويلة لتحمل الأخبار من الوطن للمهاجر، مما أثر ذلك على المبدعين المهاجرين وأسسوا ما عرف بأدب المهجر. اليوم الغربة أصبحت وطن، وطن لمن أفلت من براثن الغربة التقليدية، اليوم كما الأمس كما في كل حين نحمل أحلامنا وذكرياتنا ورائحة التراب حيث ولدنا والوجوه في حقائب السفرالى الوطن البديل بلاد الغربة. هنا أي هناك لا بد أن يترجم الانسان هذا الشجن على الورق. اليوم المهجر أصبح في كل بلد، وكل قرية، وكل شارع، لقد عملت الحروب على تهجير الانسان من بيئته وبيته، أصبح غريب في عقر داره، وهذا أضاف غربة على غربة عندي، وانعكس في كل ما أكتبه، الهوية والانتماء الاندماج الثقافي التنوع قبول الآخر، التحولات الاجتماعية والثقافية داخل وخارج الوطن، إذ لبنان الذي خرجت منه وجرحه الدامي أدماني ما زال حتى الساعة ينزف، لقد أصبح التواصل مع الوطن أسهل ولكن التواصل مع المواطن الانسان أصعب، المهجر والغربة والاغتراب خطاب الحنين بكل الأشكال تجده في كل ما أكتب على ما أعتقد ليس علينا إلا أن نقرأ بتمعن لنكتشف أننا مجبولين بالحنين، والوطن حاضر مع كل نفس يخرج من القلم.
س7: حركة الترجمة ومعرفة الآخر هل بإمكانها تطوير سرديات الكتاب العرب؟
قبل أن نتعمق في المترجم لنا علينا أن نعي من نحن، نتعمق في معرفة أصولنا، قبيل التعرض للتلاقح مع ثقافة الآخر، أو الانفتاح عليه، نتأصل فيما لدينا، وندخل إلى عالم الآخر من منطق الانسان الواثق من نفسه ومن ذاته، فحركة الترجمة لها أهمية كبيرة، بشرط أن يكون المحتوى المترجم يرقى إلى المستوى الذي نتعلم منه أو يحاكي العقل المبدع فينا، نحن بحاجة لان نعرف الآخر، نوسع آفاق الخيال والتعرف على ثقافات مغايرة نتعلم منها وتأخذ منا، كل لغة يترجم منها نص أدبي نقرأه يضيف لنا عالم جديد، ويفتح لنا الآفاق لمحاكاة الثقافات الأخرى سواء عن طريق الخيال او التواصل المباشر، الترجمة سفر في أسفار المبدعين وفي عقولهم، تبادل معرفي يغني الساحة الأدبية ويعزز المفهوم الإنساني وقبول الاخر.