درج عبد الله على الاعتناء بهندامه عندما يخرج للتجول في المدينة. اليوم قرر أن يتناول وجبة غذاء في مطعم يقع في الشارع العام، من غير أن يؤدي ثمنها .
اختار طاولة قريبة من الباب . جلس وتناول لائحة الوجبات المتوفرة مصحوبة بالأثمان المقابلة لكل صنف. عندما قدم النادل طلب منه وجبة كاملة بالسمك والسلطة ، ومشروبا غازيا، في حدود مائة درهم.
بعد هنيهة وضع النادل الخبز والمشروب، والأطباق أمامه. تناول طعامه بمهل، وعندما انتهى من ذلك ذهب إلى المرحاض، فغسل يديه، وتبوّل، وأشعل سيجارة، وعاد إلى مكانه. طلب من النادل أن ينادي له على رب المطعم، وعندما لاحظ علامة الاستغراب على وجهه، وضّح له أكثر :
ـ لا تخف الطعام لذيذ، والخدمة جَيّدة، ولكن المشكل، هو أني لا أملك ثمن الوجبة !
لم يسبق للمطعم أن واجه مشكلة من هذا النوع. أغلب الزبائن الذي لا يرغبون في الأداء، غالبا ما يستغلون الزحام، ويغفلون العمال، وينسحبون خلسة. لكن أن يأتي زبون، ويتناول وجبته، ويغسل يديه، ويشعل سيجارة، ويستدعيك ليخبرك بأنه لا يملك مالا، لم تحصل معهم من قبل .
أخبر النادل صاحب المطعم، وقدم رفقته. كان عدد الزبائن الذين يترددون على المكان قد بدأ يخف.
خاطب الباطرون عبد الله غاضبا :
ـ أنت مدين للمطعم بمائة درهم؟
أجاب الزبون :
ـ ولكني لا أملك الآن هذا المبلغ !
رد الباطرون بانفعال :
ـ ما دمت لا تملك هذا المبلغ، فلماذا دخلت المطعم؟ وناديت على النادل؟ وتناولت الوجبة؟
جاء باقي العمال لمتابعة هذا المشهد الذي لم يسبق لهم معاينته، ولمعرفة بماذا سيبرر هذا الزبون الغريب تصرفه؟ وكيف سيخرج من هذه الورطة؟
أخرج صاحب المطعم هاتفه، وبدأ يضغط على بعض الأرقام، فقال عبد الله :
ـ انتظر!. يمكن أن نجد حلا للمشكلة إذا استمعنا لبعضنا البعض. أمامنا حلان الأول هو أن تستدعي الشرطة كما تفعل الآن، وفي هذه الحالة ستقبض علي، وتقدمني للمحاكمة، وسيتم استدعاؤك لمركز الشرطة، ثم مكتب قاضي التحقيق لأخذ أقوالك، وبعد ذلك الجلسة،. وستخسر بالإضافة إلى ثمن الوجبة الوقت، ومصاريف التنقل.. والحل الثاني أن أعمل معك مدة معينة تساوي مبلغ الوجبة، كأن أغسل الصحون، وأنظف فضاء المطعم، وأساعد في تحضير وتقديم الوجبات، وجمع مخلفات الطعام .
وجد صاحب المطعم والعمال اقتراح الزبون منطقيا، فسواء أشبعوه ضربا، أو اعتقلته الشرطة، فلن يستفيدوا من ذلك شيئا.
حصل اتفاق بين الطرفين على أن يقضي عبد الله يومين مع العمال في المطعم. من العاشرة صباحا حتى العاشرة ليلا، وأن يترك بطاقته الوطنية كضمانة .
في اليوم الموالي، قدِمَ عبد الله إلى المطعم، ولبس الوزرة. طلب منه الباطرون أن يساعد الحَمّال في إدخال صناديق الخضر إلى المطبخ. شرح له أحد العمال المهمة التي سيقوم بها رفقته، وهي غسل الطماطم والبطاطس والجزر وبعد ذلك إزالة قشورها.
أحمد مكلف بقلي السمك واللحم المفروم، وصفية تعد السلطات، وعمر يستقبل الزبائن ويقدم لهم الطلبات، وعلي ينظف الأواني، وصاحب المطعم يتلقى ثمن الوجبات، ويضعه في الصندوق .
خلال يومين شارك عبد الله في غسل الخضر، وساعد في تقشيرها وتقطيعها، وترتيب الكراسي والموائد، وغسل الصحون، وتنظيف المراحيض إلى جانب باقي العمال .
وحين زفت ساعة الوداع همس لهم :
ـ هل رأيتم كم عدد الساعات التي يجب عليكم عملها، للجلوس مثل الزبائن، وتناول وجبة واحدة من صنعكم؟
اتجه صوب رب المطعم، وأخذ بطاقته. التفت ناحية العمال مودعا، وهم ينظرون إليه بأفواه مفتوحة من شدة الدهشة والاستغراب !
(المجموعة القصصية: هزّك الماء) ص 9 و10
مراكش 27 فبراير 2021