تقديم:
هُوَ الْمُبْدِعُ أَوْ الكاتِبُ، عِنْدَمَا تَسْكُنُهُ قَضَايَا الذّات وَالْعَالَم، يَجِدُ لَهُ مِسَاحَةً لِلْخَلْقِ الإبْدَاعِيِّ سَوَاءٌ عَنْ طَرِيقِ السّرْدِ الْوَاقِعِي أَوْ التَّخْيِيلِي، فَيَكُونُ مَعَ ذلكَ صوْت الذّات الْمُحَرّك والآمرِ بالانْكِتَابِ، حَاضِراً، مَسْمُوعاً يَسْتَنْطِقُ الْوَاقِع ((الماضي))؛ الَّذِي صَار تَخْيِيلاً وَإِبْدَاعاً مُنْضَوِياً تَحْتَ جِنْسٍ أَدَبِيٍّ مُعَيَّنٍ ..تَنْطَلِقُ الذَّاتُ وَتَتَحَرَّرُ مِنْ إسَار ضَيْقِ “المونولوغ” الدَّاخلي لتُسْمِعَ صَوْتَهَا الْخَاص فِي إطَارٍ يَسْمَحُ بالْقَوْلِ وَبِالْجَهْرِ وَبإِسْكَاتِ صَوْتِ الرَّقِيبِ، فَيُصْبِحُ الْمَكْتُوبُ “الإبداع” مُتَاحاً لِلْقِراءَةِ وَالتَّلَقِّي والتَّأوِيلِ وَالْإنصَاتِ. يَكُونُ الْقَارِئُ أَمَامَ الْمَكْتُوب وَجْهاً لِوَجْهٍ، لَا وَسِيطَ بَيْنَهُمَا؛ يَتَعَرًّى النَّص مِنْ خلَالِ الأصْوَات الَّتِي تتجاذب عَوالِمَهُ، فيتَحَوَّلُ الزَّمَنُ الْخًاصُّ وَالْأَفْضية إلَى أزْمِنَةٍ وَأَمْكِنَةٍ مُشْتَرَكَةٍ خَاضِعَةٍ لِمَنْطِقِ الْمُسَاءَلَةِ وَالْاسْتِنْطَاقِ مِنْ مُنْطَلَقَاتِ كُلِّ قَارِئٍ. إن رِوايَةٌ تُسَائِلُنَا، تَطْرَحُ عَطَشَهَا السَّرْدِيَّ، وأنْهُرِهَا أَمَامَنَا لِتَفْتِيتِ عَلامَاتِها وَرُمُوزِهَا “Symboles وأَيْقُوناتِهَا Icons. فَكُل رَمْزٍ وَكُلُّ صَوْتٍ دَاخِلَ المُخْتَبَرِ الْقِرَائِيِّ التَّحْلِيلِيِّ يَنْبَغِي أن يُشْرَبَ بِتَرَوٍّ.
أقفاص؛ رِوَايَةٌ تَنْضَوِي مِنْ خِلَالِ أَحْدَاثِهَا وَوَقَائِعِهَا ضِمْنَ أدَبِ الاعْتِقَالِ أَوْ أدَبِ السُّجُونِ، حَيْثُ تَأْتِي الرّواية “الْمَحْكِي الذَّاتي، لِتُعَرِّي وَاقِعاً عَايَشَهُ جَيْلُ السّبعِينِياتِ مِن الْقرْنِ الْعِشْرِين “سنوات الجمر والرّصَاص” والاعتقال القَسْري التَّعسُّفِي؛ الَّذِي كَانَ يَشْهَدُهُ المغرب. حِصَارٌ وتضْيِيقٌ عَلَى الْحُرِّيات وعلى الطلبة داخل الجامعات؛ التي كانت تعرف فصائل طُلاَّبية عِدَّة؛ على رأسها ” أ.و.ط.م ” (الاتحاد الوطني لطبلة المغرب)، الحركة الطُّلابية؛ التي ستفرز أصْواتا عدَّة تَبَنَّتْ الاتِّجَاهَ الشُّيُوعِي والتَّقَدُّمِي فِي إطار مُنَاخٍ يَعْرِفُ صِرَاع مُعَسْكَرَيْنِ: (المُعَسْكَرِ الشَّرْقِيِّ وَالْغَرْبِيِّ).
يُؤثِّثُ الكَاتبُ نبْضَهُ وأنفَاسَهُ الإبْدَاعِية بِطَرْقِ مَوْضُوعٍ: “أدب الاعْتِقَالِ السّياسِي” مُعْتَقَلِي الرَّأيِ “؛ وَغالِباً مَا يَكُونُ الْمُبْدِعُ قَدْ عَاشَ التَّجْرِبَة شَخْصِيا، أوْ عَايَشَهَا عَنْ كَثَبٍ مِنْ خِلَالِ تَتَبُّعِ تَفَاصِيلِ الاعْتِقَالاتِ السِّيَاسِيَّةِ فِي مُجْتَمَعِهِ أَوْ مُحِيطِهِ، أَوْ يَحْكِي عَنْهَا مِنْ خِلَالِ الإنْصَاتِ لِتَجْرِبَةِ مَنْ عَاشَهَا، فَيَصُوغُهَا فِي قَالَبٍ أدَبيٍّ؛ إمَّا رَسَائل أوْ مَسْرَحِياتٍ أو أنْفاسٍ شِعْرِية أوْ رِوَائيةٍ أو فِي أيِّ شَكْلٍ فَنِّيٍّ إبْدَاعيٍّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُشَكِّلَ تَطْهِيراً لَهُ أَوْ لِصَاحِبِ تَجْرِبَةِ الْاعْتِقَالِ السِّيَاسِيِّ. وَالْأقفْاصُ؛ جَمْعُ قَفَصٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ المُغْلَقُ؛ الَّذِي تَنْعَدِمُ فِيهِ الحُرِّية وَتُسْلَبُ.
وَقَبْلَ مُعَانَقَةِ الْعَمَلِ الإبْدَاعِي الَّذِي صَنَّفَهُ صَاحِبُهُ “حسن إمامي” فِي خَانَةِ الْجِنْسِ الرِّوَائِي ((رواية)) وَالَّذِي اجْتَرَحَ لَهُ عنوان : ” أقفاص”، يَصُرُخُ فينا السُّؤال الآتي:
– مَا طَبِيعَةُ الأقْفَاص التِي يُثِيرُهَا هَذَا الْعَمَل الرِّوَائِي؟
إنَّ الْإنْسَانَ بِطَبْعِهِ يَمِيلُ إلى الْحُرِّيةِ وَيَنْتَفِضُ لأَجْلِهَا ويصرخُ فِي وجْهِ كُلِّ من يَعْقِلُ صَوْتَهُ، رَأيَهُ، أوْ يَسْعَى فِي سَبِيلِ التَّضْييقِ عَلَيْهِ. وَقَدْ ظَهرَتْ كِتاباتٌ وَأَدَبِياتٌ تُعْنَى بِمُناهَضَةِ كُلِّ أشْكَالِ التَّعَسُّفِ الَّتِي تُمَارَسُ فِي حَقِّ الْفَرْدِ أَو الْمُجْتَمَعِ، وَمِنْهَا كَمَا أَلْمَعْتُ فِي السَّابقِ مِن أسْطُرِ هذه الْوَرَقَةِ “أَدَبُ الْاعْتِقَالِ”. فَكَيْفَ قَارَبَ الْكاتِبُ “حسن إمامي” هَذا الْمَوضُوع؟
غَالِباً مَا يَذْهَبُ ذِهْنُ القارِئ أَّولّ وَهْلةٍ إلَى مُقاربة الْمَوْضُوعِ مِنْ خِلَالِ الدّلالةِ الرَّمْزِيةِ لِلْأَقْفَاصِ، فَيُوحِي إِلَيْهِ بالسِّجْن، والْاعْتِقَالِ والْحِرْمَانِ مِن الْحُرِّيةِ؛ فَيَنْأَى بِذَلِكَ عن أقْفَاصٍ أُخْرَى مُرْتَبِطَة بِاعْتِقَالِ الفِكْر والرَّأْيِ والتَّعْبيرِ. وَهُنَا يَنْبغِي أَنْ نَنْظُرَ لِلْكَلمَةِ في مَعْنَاهَا الشّاسِعِ وَنَتْرُكَ للنَّصِ الإفْصَاحَ عَن الأسْئِلة الَّتِي تَعْبَثُ بأذْهَانِنَا، أوْ بِذهْن الْقارِئِ الْمُفْترَضِ لِمَوْضُوعِ الْكِتَابِ. وَلنكُنْ هُنَا مُحَايِدِينَ وَنَتْرُكَ للقارئِ كَشْفَ طَبِيعَةَ الْأقْفَاصِ؛ الَّتِي وَرَدَتْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالتَّعْريفِ، حَتَّى لَا يَذْهَبَ ذِهْن الْقَارِئ/ المُتَلَقِّي لِلْكِتَابِ بَعِيداً. فَالْقفَصُ يَنْهَضُ كَرَمْزٍ لِتَكْبِيلِ الْحُرِّيةِ وَالتّحَرُّكِ فِي مِسَاحَةٍ ضَيِّقةٍ، وَفِي الْغَالِبِ لَا يَسْمحُ بِمُمَارَسَةِ الْحَيَاةِ الطَّبِيعِيةِ الْاعْتِيَادِيةِ بِسَبَبِ وُجُودِ الأسْوَارِ والأقْفَالِ وَالْقُضْبَانِ… لِذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَرَيَّثَ قَلِيلاً قَبْلَ مُدَاهَمَةِ عَالَمِ الْأقْفَاص التِي كَتَبَهَا الكاتب “حسن إمامي”؛ فَفِعْلُ الْقِرَاءَةِ وَحْدَهُ كَفِيلٌ بِتَعْرِيةِ وَكَشْفِ خَبَايَا هَذِي الْأوْرَاقِ الْإِبْدَاعِيةِ.
ولنستبعدْ الْقِراءَات السَّابِقة لنُصُوصٍ أُخْرَى تَنَاوَلَتْ أَدَب السُّجُون وَالْاعْتِقَالِ؛ لِأنَّ لِكُلِّ تَجْرِبَةٍ إِبْدَاعِيةٍ خُصُوصِيَّاتها وَمُسَوِّغَاتها التِي أسْهَمَتْ فِي انْكِتَابِهَا وَانْوِجَادِهَا، إذْ لَا يَنْبَغِي قِرَاءة هَذا النّص كَمَا قرأنا “العريس” لصلاح الوديع، أو كما قرأنا “التَّيْهَاء” و “كان وأخواتها” لعبد القادر الشاوي” أو “قتل ميت” للسَّعدية السلايلي…الخ. فَلِكُلِّ نَص صَوْته الْخَاص النّاهضِ مِنْ عُمْقِ التَّجْرِبَة الإبْدَاعِية لِلذّات الْكَاتٍبةِ الْمُبْدِعَة الْحَاضِنَة لِلْعَمَلِ فِي غُرْبَتِهِ الْأُوْلَى وَعُزْلَتِهِ الْمَهِيبَة قبْلَ أنْ يَخْتَمِرَ وَيُصْبِحَ مُتَاحاً لِلْقَارِئِ / الْمُتَلَقِّي الْجَدِيدِ؛ حَيْثُ يَصِيرُ النَّص حَقْلاً لِتَجْرِيبِ قِرَاءَاتٍ وَمنَاهِج، ويخضع للتَّشْرِيحِ وَالْحَفْرِ وَتُنْبَشُ زَوَايَاهُ الْمظلمة ومغالقه؛ فتتكَشَّفُ مَرَايَاهُ أمَامَ الْمَلإ وَكُل وَاحِدٍ يتناوله مِن زاوِيةٍ يَرَاهَا أقرب إِلَيْهِ فَيُفْشِي النَّص / الإبْدَاعُ بِسِرٍّهِ / أسْرَارِهِ لِلْقَارِئِ الْعَمِيقِ الْمُنَاضِلِ الَّذِي لَا يَكَلُّ مِنْ مُرَاوَدَتهِ وَلَا يَتْعَبُ فِي نِزَالِهِ مِنْ أَوَّلِ جَوْلَةٍ.
لَمْ يَكْنْ السَّارِدُ فِي وَضْعِيةِ خَوْفّ، بَلْ الطَّرَف الآخَر هُوَ الذي كان مسكونا بهذا الشّعُور، مثل ما وقع في عملية الاستنطاق اسْتِدْعَاء “عمران” إلى مكتب المدير بعد حَادثة النَّوْرَسِ الذي ألقى إليه بالسَّمكَة فِي ساحَة السِّجْنِ. إنَّ السّاردَ هُنا يَحْتَفِي بخوْفِ الجلاّدِ الَّذِي جَعَلَهُ في أقفْاصٍ، ليَتَّقِي صوته وَقُوَّتَهُ.
ومن أهم التيمات التي اشتغل عليها المتن السردي في رواية أقفاص، نجد ما يلي:
1ـ تيمة الألم والفقد والحنين:
تَكْشِفُ “أقفاص” عن ألم الفقد الذي عَاشهُ السّارد “عمران”: معتقلٌ عَاش ألم النَّأْيِ عن عالمه الوَاقِعِي، وعن أسرته الصَّغيرة؛ أمه وأخته ورفيقته في قلاع الجامعة “وفاء”. فالسِّجن والاعتقالُ جعلاه يعيشُ سَنواتٍ عِجافٍ، كما لو أنَه ” يوسف”؛ فكانت الذَّات الْمُعتَقَلة تَعِيشُ الألم والْجُنُون، وكأنَّا به يَسْتنْجِدُ بِالْجُنُون ليتغلب على ألمِ فِرَاقِ عالمه الصّغير؛ أمه وأخته وحبيبته “وفاء”. هو الحنين في ظِلِّ الاعتقال ترياقٌ وبلسَمٌ لجراحِ الذَّات المُكْتوِية بِالْبِعادِ والْحِرْمَان النَّفْسِي والجَسَدي “الْجِنسي” الذي عَبَّرَ عنْهُ السًّارِد وهو يسترجع صوت “وفاء”.
2 ـ تيمة الجنون الحكيم:
يُمارسُ “عمران بن يوسف اليوغا، الأمر الذي جعل محيط السجن يتعجب من سلوكاته وهدوئه. فهو مثل مجنون يجابه الوجع والألم بجنونه الخاص: ممارسة “اليوغا”. فكانت كتابته لأول قصة نشرتها نادية صديقة وفاء بالملحق الثَّقافي لجريدة وطنية، نادية التي كانت تتردد على زيارته. القصة التي حملت عنوان “عمران والنَّورس”. القصة التي كانت شَرارة اشْتعالِ حرِيق الكِتابة وَعِشْقِهَا، واهتمام العالم الخارجي بهذا الإبداع الآتي من عوالم منسية.
هكذا أصبحت الرواية تكشف عن تجربة الاعتقال التي عاشها السَّارد وكيف ترجم تفاصِيلها؛
– في تجربة اليوغا والاستحمام بأشعة الشمس في الساحة، والتي كانت ملاذا للتخلص من الرُّطوبة والاعتلالِ.
– المقارنة المفارقة في سخرية بين صوته الراغب في التحرر المشبع بالفكر التَّقدُّمِي، وصوت حَارس السِّجن “عبد الله” التَّوَّاق إلى الإشْبَاع الرُّوحِيِّ، وذلك التلاحم القائم بين الروحين ـ الصوتين أو الوجدانيين: السجين والحارس السجن.
3 ـ نهل السّارد من القصص القرآني:
في قراءة حارس المعتقل لسورة يوسف، وفي تسمية المعتقل السياسي بعمران بن يوسف والنبي بيوسف بن يعقوب، وفي ظرفية اعتقال الشخصيتين ودورهما الريادي بعد السجن، وإن كان ذلك بحسب ظروف وأبعاد كل منهما في سياقه التاريخي والموضوعي، نجد هذ النهل من القصص القرآني وبنائه السردي. هناك عملية قلب للأسماء والأدوار المتشابهة بين شخصيتين: شخصية عمران بن يوسف المعتقل السياسي، وشخصية النبي يوسف بن يعقوب عليهما السلام. غدر الإخوة وسجن المدينة ومبلغ العقل وحكمة النبوة عند النبي يوسف، تقابلها عملية سجن ومعاناة وقضية وطن وقضايا أمة ومطالب حقوقية وسياسية وحرية نشَدَها وناضل من أجلها عمران بن يوسف الشخصية الرئيسية في الرواية.
الفضاء في الرّواية وارتباطه بوضعية الأقفاص:
إن هذا المَحْكِي السَّرْدي؛ يجْعلُ من السِّجن والزّنزانة صوتاً يُعَرِّي التَّجْربة النَّفْسِية التِي عاشَها السَّارد “عمران بن يوسف”، في ظلِّ الاعتقال السِّياسِي؛ ومكابداته النَّفسية، وكيف اسْتطاع الحِفاظ علَى توَازُنِهِ النَّفْسِي؛ وَبِداية الْمَيْل للكتابَة؛ التِي من خلالها استطاعَ هزم خُيُوط الظَّلام والتَّخَلُّص مِن كَدَمَاتِ الْجَلَّادِينَ النَّفْسِية، وَحُضُور الأنثى في حياته: (الأم، الأخت، وفاء، المحامية، نادية).
قد يبدو المكان هنا مغلقا؛ مرتبط بفضاء الاعْتقال الْقَسْري التَّعَسُّفِي ((سنوات الرّصاص))، بيد أنه منفتح على فضاءات أخرى وأمكنة تتحقق فيها حياة الأقفاص وتجاربها: فضاء الحياة السياسية، والثقافية، والمجتمعية، والنفسية العلائقية والوجدانية…
ارتباط الإبداع بوضعية الاعتقال والمعاناة:
إنَّ السّجْنَ كتجربة نفسية انكتبت بكل جحيمها، وعناوينها في نفسية الكاتب / السّارد، الذي استطاع أن يستحضرها ويعري تفاصيلها من خلال فعل الكتابة، والإبداع القصصي بنَفَسٍ فَلْسَفِيٍّ. تجلى ذلك كذلك من خلال اهتمام الكُتاب والمثقفين بما أبدعه عمران بن يوسف، وبما اشتغل عليه آخرون في إخراج مسرحي متفاعل مع شخصية عمران وإبداعه الفكري والثقافي والأدبي، وكذا تجربته التي أعطت أبعاد هذه التجربة الفنية والأدبية والإبداعية. إبداع فجّر طاقات متحدية لظرفية الاعتقال، وأخرى مكسّرة لحواجز الضغط وتقييد الحرية أو الحريات المتعددة.
هذهِ الْمُفَارقة بين ظروف قاسية وجحيمية وأخرى داخلية نفسية مشجعة على التحدي والإبداع، هي الَّتِي جعلت الآخر يتعجَّبُ ويُذْهَلُ، فالذَّاتُ السَّارِدة كانت تعيشُ هذه الْمُفارقةِ من أجْلِ الاسْتِمرارِ وَمُقاومةِ الْخوْف على مَصِيرِ الأسْرة والْحَبيبَة والأمة، الَّتِي كانت بعيدة عن عينيه، لكنها كانت تعيش في دَاخلهِ من خلالِ استحْضَارِ توَاجدها بحياتهِ قبل الاعْتقالِ غير الْمُعْلَنِ أمَام الملإِ، ص ٤ من الكتاب.
إن الرِّوَاية تَكْشفُ عَن ذاكِرةِ الْألمِ/الاعْتِقَالِ، والمعاناة، وَمُغادرة الزّنْزانة نحو رحلةٍ مُتَّسِمَةٍ بالْقَلَقِ من الْمجْهُولِ والْمُسْتَقْبَلِ ((وصفُ طريق الرّحلة إلى السّجن الجديد – ص٧ من الكتاب – )).
ربما قد انطلق الانبعاث الجديد والمتجدد مع استلهام أصوات أخرى حاضرة في متن السرد وقصة الاعتقال المشكلة له. لم يكنْ السِّجن والاعتقال أَلَماً فَقَطْ، هُوَ تجْرِبةٌ اكتشف فيها السّارِدُ “عمران بن يوسف” أصواتاً أُخْرَى، فقد كان مثلا ينْتَشِي بصوت “عبد الله” حارس السِّجنِ والَّذي جعلهُ يحفظُ سورة “يوسف”، رغم اختلافِهِمَا في المرجعيات وطرق التَّفْكيِر. تجربة نفسية عانق فيها أصواتا عِدّة، صوت الألم والتَّمَزُّق الدَّاخِلي والْحُب والْحنين، وفي طريق الرِّحلة إلى مكان آخر من تجربة الاعتقال والسَّنوات العِجاف، سيسترجعُ المَاضي عِنْدَ سماعِهِ “تماوايت نسائي”، وسيكون هذا الصوت مناداة لحياة خارجية تمزج بين السعادة والشقاء، بين النعيم والجحيم، في جدلية جديدة وتجربة حياة جديدة. إنه خُرُوج السّارِد مِن أسْرِ الاعْتِقالِ السري إلى الأسر المعترف به في السجلات الرسمية، والَّذِي وَصَفَهُ بالسّنوات العِجافِ، إلى أَسْرِ الذَّاكِرَةِ الَّتي بَدَأتْ تَسْري فِيهَا خُيُوط الْمَاضِي بكُلِّ صُوَرِهِ وَمَراياهُ. من أَسْرٍ إلَى أَسْرٍ آخَرَ شَكْليٍّ؛ يُوهِمُ بِالْمُحَاكَمَةِ الْعَادِلَةِ؛ استحضار وفاء رفيقة الجامعة؛ النِّضالِ الطُّلَّابِي، وتفاصيل الأسْرِ والاعْتقالِ؛ تفاصيل الأسْرِ والتَّعْذِيبِ دُونَ مُحَاكَمَةٍ عَادِلَةٍ.
ترْصُدُ رِوَاية ” أقفاص” للكاتب ” حسن إمامي” حقبة تاريخية وسِياسية من تارِيخِ الْمغربِ؛ حَيْثُ كانت الاختطافات، والاعتقالات دونَ مُحَاكَمةٍ (الاعتقال القسري)، ومرحلة المناضل “بنسعيد آيت يدّر” الذي سيكون له الفضل في منعرج الأقدار والحياة، وفي تجربة عمران بن يوسف ونزع الغشاوة عن وعي الناس بوجود جحيم اسمه تازمامرت، ومرحلة اتَّسَمَتْ بالتّصْفِيات مع جيل الموت. وقد وَسَمَ السَّارِدُ الْمَرحلة بِ:قَبْوِ جَهَنّمَ. هي رِواية تطرحُ قضية الاعتقالاتِ السِّياسية؛ التي كانت تطالُ الشباب الطّلبة المُعَارِضِينَ للسِّياسةِ (جحيم تازمامرت).
وما بين استرجاع خيوط الاعتقال وتذكر تفاصيل الحياة الجامعية تعود ذاكرة السّارد “عمران” لرصد ما كانت عليه حياته فِي الحَرَمِ الجامِعي؛ الَّذِي كان يَعْتَبِرُهُ جَنّة النِّضَالِ.
رغم كل هذه المعاناة، فقد استطاع عمران من داخل أسوار الحِصارِ أن يعُود للحياة خلال السّنوات العجافِ وبعدها الحصول على الإجازةِ في الْفَلْسَفَةِ ثم شواهد تقديرية وأكاديمية عالية أخرى.
رغم ذلك فمع هذا النجاح ينْتَقِلُ لِجَلْدِ الذَّاتِ كل مرة، بِسَبَبِ فُقْدانِ الْأهل والرّفَاق الذِينَ غَيَّبتهُم الْمَوت “الرّحِيل”؛ ص ٢٢، وبسبب ضعف الرهان الذي بنى عليه مبادئه ونضالاته.
* الواقِعية فِي الرّوَاية :
تتجَلَّى الواقعية في رواية ” أقفاص” من خلالِ الإشارة إلى أحداثٍ ووقائع سِياسية شهدها المغرب والعالم من قبيل: انْهِيارِ جدار برلين، انهيار المُعسكر الشَّرقي، الإشَارة إلَى جَشَعِ الإمبريالية، والكشف عن أسماء سياسيين مغاربة ومناضلين: عبد الرحمن اليوسفي، الكتلة الديمقراطية، تازمامرات، قضية الاعتقال السِّياسي بالمغرب، ص ٥٥، وانبثاق اليسار المغربي الجديد بعد الإفراج عن المعْتقلين السِّياسيينَ …الخ.
كما تجلت هذه الواقعية الموضوعية من خلال الإشارة إلى عدة أماكن وأتمنى تاريخية بعينها: الرباط، جبال الأطلس، مطعم بااليما بالرباط، وزان، شفشاون، تطوان، إسبانيا، أليكانتي، فرنسا…الخ. وهي أماكن معروفة جغرافيا. أما الأزمنة فهي مواكبة للأحداث طبعا، وهي موزعة بين نهاية السبعينيات وخلال مراحل الثمانينيات والتسعينيات خصوصا.
تيمة الحرية بين التوظيف الرمزي والسفر العجائبي:
وتَتَنَامَى الأحْدَاثُ فِي الرِّوَايَةِ واللُّعْبَةِ السَّرْدِيةِ لتكشف عن تطلع “عمران” لِلْحُريَّة؛ من خلالِ واقِعةِ النَّوْرَس الَّذِي ألقى له سمكَة؛ إذْ تمَنَّى هَامِساً أنْ يَسْبَحَ كَمَا سَمَكةٍ في بَحْرٍ. وهنا تتجلَّى تِيمة الْحُرية الَّتِي تَنْعَدِمُ بِفِعْلِ تَواجُد “عمران” ورفاقه في الْمُعتقلات والزَّنَازِن. فالنورس يرمز للتحليق والسماء الفسيحة دون أسوار أو أقفال أو أقفاص، والمعتقل في تقيد بالمكان وفضاء السجن والحرمان من الحرية بشتى تجلياتها الغائبة.
تصْبِحُ الحرية هنا مطلباً أسَاسِيا، فَفِعْلُ التمنِّي يَنْهَضُ كَمُؤشِّرٍ دَالٍّ عَلَى أنَّ الحُرية كانت مُغَيَّبَة وَغَائِبَة، لذلك تَعَالَت الأصْوَات بالخارِجِ، خارج السُّجُونِ وَالْمُعْتقلاتِ، الْمُنَدِّدَةِ بِضَرُورَةِ المُحَاكمَةِ الْعادِلةِ لِلْقَابعِينَ فِي الأقْفَاصِ والزَّنازين والسُّجُون.
إن قصة “عمران والنورس” لم تحضر عَبثاً في الرِّوَايَةِ؛ بل جاءتْ عَاكِسَةً لتطلع الفرد ـ المعتقل ونُشْدانِهِ الحرية من خلال شخصية “عمران” الْمُحَاصَرِ خَلْفَ الْجُدْران الحالمِ بحياة جديدة وصاحب الْفِكر الشُّيُوعي، والنَّوْرَس الطَّائِر المٌحَلٍّقِ.
التّحول السياسي والثقافي والشخصي في مسار عمران:
سيتحَوَّلُ ظاهريا السّاردُ ” عمران” مِنْ مناضلٍ يساري، ومعتقلٍ في صفوف الحركة الطّلابية أ.و.ط.م إلى منخرط فِي حَقْلِ الأدَبِ والثًّقافة بعد مُغَادَرَتِهِ السِّجْنِ ص ٥٧؛ وهذا التَّغير الَّذِي طالَ حَياة الْمُعْتَقَلِ السَّابِقِ سَيفْرزُ صُورَةً جَدِيدَةً للمثقف الْمَغْرِبي بِشَكْلٍ عَامٍّ. فالخريطة السِّياسية ستتغير بظهور بعض الأحزاب وانبثاق تكتُّلاتٍ يَسَارِيةٍ. وستشهد حياة السّارد “عمران” تحولا بعد ابتعاده عن السِّياسة؛ إذ سيكرس نفسه للعملِ الحقوقي و بعده كمثقف وأديب مع النَّجاح الذِي لقيَتْهُ مسرحيته بمعية الممثلة “صباح”.
فبعد مغادرته المعتقل وذيوعِ اسمه فِي المجالِ الثقَافِي، سيلتقي بوفاء التي قدمت من تطوان إلى الرباط، وستغادر أمه الحياة بعد ثلاثة أشهر من الإفراج عنه؛ ص ٥٨.
سيبتعِدُ عمران بن يوسف عن الْعَمل السِّياسِي للالتحاقِ بالْعَمَلِ الْحُقُوقي، ويبتعِدُ عن المغرب ليقيم بإسبانيا؛ الشَّيْء الذي جعله يَشْتَغِلُ فِي صفوف المجتمعِ الْمَدَنِي كَفَاعِلٍ حُقُوقيٍّ من خلالِ تمكنه من إجادةِ اللغة الفرنسية والإسبانية، وزواجه من وفاء بعد وفاة زوجها واحتضانه لولديها “عمران” و”صُبْح”، وبعد طلاقه من نادية واستمرار صداقتهما؛ لينتهي نَوْرَساً حالِماً بالتَّحلِيقِ رَافِضاً لِكُلِّ الأسْوَارِ والأقفْاصِ. لقد انبثقَ من قناعاته الْمَرجعية والْفِكرية المتشبِّعَة بالفِكْرِ الشُّيُوعِي. فَهوَ يَرْفضُ القفص؛ وكل ما يُخَنْدِقُ صَوْتَهُ، رَأيَهُ؛ فَهُوَ الْمُنَاضِلُ والْمُعْتَقَلُ السَّابِقُ، صَاحِب قصة “النّورس وعمران”، ذاع صيته الأدَبِي فِي الْعالمِ. ينتقد في مراحل تطور وعيه المرجعيات الأيديولوجية التي حكمت مراحل من تجربة جيله، مثاليات تبخرت سحبها فبدت السماوات أكثر وضوحا وواقعية.
ينتقلُ للعيش في فرنسا ثم الزواج من وفاء و وتبني ولديها، ويتفاجأ برسالة صديق الاعتقال ورفيق الدّرب النّضالي “عبد اللّطيف باهوش” الذي فضل العيش بالمَنْفَى قبل أن يحْصُل على الجِنسية السويسرية. ويصرخُ فيهِ صوت الاخْلاصِ للمَبادئ النِّضالية مُجددا؛ الرِّسَالة الٌَتِي ضَمَّنها ٦٧ صفحة، والتي ستجعله يعاتبُ نفسه لعدم السؤال عنه. إن التّحول في مسار وحياة “عمران بن يوسف” سينكشفُ في نهاية الرّواية؛ حيث أقبلَ على عالمِ الْأدبٍ وحضَّرَ الدكتوراه في الأدب الغرائبي، ودعم رفيقة درب النّضال “وفاء”؛ ص ٩٨؛ فهو النورس الْحَكِيمُ والْمُنْقِذُ لها من عواصف وأمواج الحيَاة بعدما صارت أرملةً. يتجلى التحول في كونه أصبح سفيرا ثقافيا من خلال مشاركته في عروض يمتزج فيها الشعر والرقص والموسيقى مع المسرح، وهو دائما حامل رمز النورس الخيالي الذي حط، فوق أسوار السجن المركزي بالقنيطرة أول مرة.
تنتهي أنفاس هذِه الرِّواية التي يُهيمنُ عليها السّرد بانشغال “عمران” بشأنِ حقوق الأقليات في تقريرِ الْمصيرِ، ص ٩٨، وانتِصَارهِ للحريةِ وللقضيَّةِ الفلسطينية التي طالها الظُّلم والْعُدوان وسادية السّياسة والالتذاذِ بالألمِ.
ويأتي صوت “عمران” في آخر هذه الرِّواية ليكون صَرْخةً في وجهِ المظالمِ الْجَديدةِ التي يشهدها العالم الْمُعَاصر (تنامي الحركات الرّجعيةِ)، أو ما وسمهُ بالرِّجعياتِ الْجديدَةِ؛ ص ٩٩ من الرّواية.
سيستقيلُ ” عمران ” إذا من عمله كحقوقي دولي ويتفرَّغُ للْأدب والثَّقافة ص ١٠١، (انتصارهُ للقضايا الإنْسَانيةِ الْعادِلةِ)؛ العدَالة الإنسانية الَّتِي تَخُصُّ الشُّعُوب. وسيستمر عرض مسرحيتهِ: (سيرة نورس)؛ التي هي سيرته الْحالمةِ؛ النورسُ الْحُرُّ الْمُحَلِّقُ.
خاتمة
إن هذا العمل السَّردي الْمُعنونِ بأقفاص لمؤلفه “حسن إمامي” يرْصُدُ فِي جَانبٍ مِنْهُ وَاقِعَ الصّرَاع الذي تَعِيشُهُ ذَاتُ السّاردِ “عمران” الْمُناضِلِ الْحُقُوقِي؛ الْكَاتِبِ الْعَاشِقِ للمَسْرَحِ وَالحُرِّيةِ، الَّذي توزعته أحْلامٌ وَقَضَايَا مُجْتمع وَشُعُوبٍ وأقلياتٍ.
كما أن الرواية تسلطُ الضَّوء على طبيعة تفكير مُنَاضِلٍ مُعْتقَلٍ سَابِقٍ ومثقفٍ وكاتبٍ عَاشِقٍ للْحياةِ. وَ هَذَا ما يُسْتشَفُّ من خلال ارتباط “عمران” بوفاء رفيقة الدّرب في قلعةِ النِّضالِ بالْجامعةِ التي صارت أستاذة للغة الإنجليزية وَأُمّاً، ثم أرملة بعد وفاة أب ولديها “عمران” وصُبْح”.
الرِّواية تعكس أيضا الصِّراع الذي تَعِيشُهُ الذَّات بين الْوَاقِعِ والْمَأمُولِ مِنْ خَلَالِ عَقْدِ مُقارَنَةٍ بين مكانين: المغرب وباريس ( باريس الثَّقافة والمساواة)، والمسرح ( مُحَرٍّر للذات) ص ١٠٦.
ينتقلُ السّاردُ بنا لعقد مقارنة كما أسلفنا بين مجتمع الحياةِ والْحُبّ والثقافة والنظرة للعلاقات الإنسانية (الزّواج من مطلقة)، مجتمعٍ يؤمن بالتَّحرر الفكري والمُساواة، ومجتمعٍ تُكبِّلُهُ أغلالُ التقاليد والعادات ص ١٠٧.
وفي الرّواية أيضاً التباس ما هو سِيَاسي بما هو ثقافي من خلال استحضار حكومة التَّناوب؛ شخصية “عبد الرحمن اليوسفي” وسياسته ص ١٠٧، ومن خلال توصله برسالة رفيقه المنفي “عبد اللطيف باهوش”، حيث يتشارك السَّارد “عمران” رسالته التي تلقاها من عباللطيف، مع “عمران الحلوي”؛ ابن زوجته وفاء، والذي سينصت له ويشاركه أيضا تفاصيل وأوراق من الماضي: أسرار جبل تازمامرات، السّجن المركزي ص ١١٣، ليصل إلى حقيقة الحلم الذي انكتب مسرحية: “الحلم النّورسي”. الحرية وهي تلتمع في روحه وفي فكره وثقافته ورفضه للقيود والأصفاد الْحَياتية والْمُجْتمعية.
“عمران”؛ الذي كانت ذاته تصرخ من حياة وثقافة بلده الأصلي “المغرب” والمجتمع الباريسي الذي استشعر فيه حُريَّته وصَوْتهِ.
تُخْتَتَمُ أوراق الرّواية باسْتِحْضَار “عمران” السّارد الرّوائِح المَنْسِية من زمنِ الرَّصاصِ عند قراءتهٍ رسالة صديقه الذي أصبح لاجئاً أو بالأحرى أصبح مُواطنا سويسريا.
وبإرسالهِ المشهد الأخير للمسرحية للمخرج السّيد “عزيز زكرياء”؛ ص ١٢٣، تتَّضِحُ أمَامَهٌ الرؤية الوجودية: “المسرح حياة والحياة مسرح”.
لعل خيوطا كثيرة كشفت عنها الأصوات داخل هذا العمل الإبداعي والتي يمكن للقارئ المتيقظ استنتاجها من قبيل:
أن الرِّواية تطرح بشكل أو بآخر صوت المطالبين بالتعويض والإنْصَاف عَقِبَ الإفراج عنهم من خلال تشْكِيلِ هَيْئاتٍ حُقوقِية وَمدَنية تطالب بإنصاف هذه الفئات المتضررة من سنوات الْجَمْرِ والرَّصَاصِ؛ والتي تطالبُ بِجَبْرِ الضّرَرِ النَّفْسِيِّ وَالْجَسَدِيِّ وَالمَادِّي، للمصالحة مع الوطن ولانكتابِ تاريخ مغرب الْحُرِّيَاتِ وَحُقُوقِ الإنْسَانِ وَالْحَقِّ فِي التَّعْبِيرِ وَإِبْدَاءِ الرّأْيِ، وإقفال صفحات الماضي، ماضي الأقفاص، وبناء جَيْلٍ خَالٍ مِنَ الْأعْطَابِ التِي خلفها الْمَاضي الْمُهينِ، مغرب الحرية وَالدِّيمقراطية والْمُؤسَّسات الدُّسْتُورية التي تكفل الحقوق، وَطَيِّ مِلفَّاتِ المَاضِي الَّذِي انْتُهِكَتْ فِيهِ الحُقُوق وَأُقْبِرَتْ الْحُرِّيَات.