في نصها الشعري” وهران كامو تدير ظهرها لي ” للشاعرة الجزائرية خيرة بلقصير المنشور ضمن مجموعتها الشعرية (جسد الأهزوجة)، الصادرة عن منشورات مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع بمحافظة بابل العراق سنة 2020.
النص الحامل “لعتبة نصية ” بمفهوم جيرار جينيت هي “وهران كامو تدير ظهرها لي ”
فرغم أن الأمر يتعلق بذات ثقافية أو “شخصية مفهومية “بتعبير جيل دولوز أو ” ذات عالمة” بمفهوم محمد عابد الجابري .
وهي ذات كامو التي تجمع بين الغيرية والهجنة، بوصف هذا الأخير كامو هو في النهاية شخصية مركبة من ذاتين الذات الغيرية والذات العصية على الانتماء .
وهي نتاج فعل الهجنة والشاعرة، عندما تعبر عن استياءها من وهران كامو في نصها “وهران كامو تدير ظهرها لي”.
فهي تتخذ من ليل وهران البعيد منصة للبكاء والنحيب،ولا عزاء لها سوى استعادة التسكع في مرشي ميشلي .
هذه وهران كامو التي تدير ظهرها للشاعرة خيرة بلقصير .
وهي وهران أخرى غير التي عرفتها الشاعرة وهران مرشي مرشي وسنتا كروز وصخرة العجوز وهران “الألبوم الكونيالي” أو وهران كامو كما عبر عنها الناقد الجزائري الدكتور رابحي عبد القادر، وهو يعني الألبوم الكامن في ما كتبه كامو عن وهران “لإجل استدعاء وهران الماضي”.
علما أن الشاعرة عندما تحن إلى وهران، فهي لا تحن إلى وهران الكولونيالية ولا إلى وهران المدينة الكوسموبوليتية كما يفعل علماء الأثنولوجيا الكولونيالية الذين نشأوا وتشكل مخيالهم الكولونيالي في “الجزائر الفرنسية ” .
بل تحن إلى وهران أخرى هي وهران الثقافية التي تفتقت موهبتها الشعرية فيها وبين أجواءها الثقافية، منذ أن كانت طالبة بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة السانية بوهران في التسعينيات من القرن المنصرم .
وهاهي تستعيد وهرانها التي تركتها وراءها، عندما غادرتها قبل سنوات دون أن تنجح في نسيانها أو تتخلى عن نص المكان الذي يستوطن مخيالها الثقافي المخيال الثقافي لنص المكان .
فهل كان للمنفى/ منفى خيرة بلقصير في مدينة أربد بالمملكة الأردنية الهاشمية التي هاجرت إليها تاركة وهران وراءها بعض الدور في إنتاج هذه النصوص الشعرية نصوص النوسطالجيا الثقافية كما تتبدى لنا من خلال عتباتها النصية “وهران شوق ومسغبة –وهران كامو تدير ظهرها لي –بلبل في الأعالي حسني” وغيرها…؟ . .
لا أجيب بالنفي ولا أجيب بنعم، لكون منطق النقد الثقافي الذي نعتمده في هذه المعالجة النقدية القصيرة ليس من أولوياته الانحياز إلى روح العقل الوثوقي الذي يعتقد أنه يملك الإجابات القطعية في مسائل نقدية تتطلب الكثير من النسبية والاختلاف .
لكن يمكن القول أنه عندما يتعلق الأمر بنصوص المنفى والنصوص النسوية على وجه الخصوص وهي نصوص منفية بامتياز / منفية من دائرة التداول النقدي الذكوري فإن الأمر يطرح إشكالية مضاعفة .
وهو ما يتجلى نصيا في عنوان نص من نصوص المجموعة الشعرية “جسد الأهزوجة ” النص الحامل لعتبة نصية هي “وهران كامو تدير ظهرها لي” ..
وحتى عندما تعثر على وهرانها التي خبأ مفاتيحها،الجني المارد تحت قدمي الإله كما تقول وتحاول استعادتها. فهي لا تتردد في مناجاة وهرانها بتلك اللغة الشعرية الحنينية الطافحة بأوجاع أنثى مجروحة تريد أن” تستريح على أهبة من ضباب القلق لترى سموم الروح تخرج سربا سربا ” .
مثلما جاء في نصها الشعري ” وهران كامو تدير ظهرها لي ”
طالبة من “هيدور”أن يربت على كتف البحر، وهي لا تفتأ استحضار أصوات وهران التي ألفتها .
ففي مقابل المنظورية التي عبر عنها الدكتور رابحي عبد القادر في ( الألبوم الكولونيالي والحنينية الجديدة)،تحاول الشاعرة خيرة بلقصير الكشف عن ألبومية أخرى هي ألبومية وهران ما بعد الكولونيالية ، أو على الأصح وهران الديكولونيالية مثلما يقترح ذلك الناقد الثقافي الدكتور وحيد بن بوعزيز جاعلا من ذلك عنوانا فرعيا لكتابه المهم ( جدل الثقافة / مقالات في الآخرية والكولونيالية والديكولونيالية ) .
وفي نظره ان عبارة ( مابعد الكولونيالية ) صارت عبارة مفخخة فالغربيون في نظره يريدون منها إعادة إنتاج الغرب كمرجعية حاضرة أو صامته للحيلولة دون أخلاق الاعتذار أو المسؤولية والاعتراف .
وهو الموقف الذي يشاركه فيه كل من أزراج عمر والناقدة الثقافية العراقية من أصل يهودي إيلا حبيبة شوحيط أستاذة الدراسات الثقافية في عدد من الجامعات الأمريكية
يتجلى ذلك خاصة في مقالها الشهير ” ملاحظات حول ما بعد الإستعمار ” .
أو وهران بختي بن عودة وعلولة عبد القادر ومحمود بوزيد وأحمد وهبي وأمين الزاوي وعبد المالك مرتاض وعبد الله الهامل ومحمد بن زيان وسعيد هادف وحسني وخالد وغيرهم في قراءة شعرية هي أشبه “بالقراءة الطباقية “، كما قدمها الناقد الثقافي الفذ إدوارد سعيد في كتابه ( الثقافة والإمبريالية )، عندما كان بصدد وضع الرواية الغربية الاوربية على وجه الخصوص رواية الإمبريالية الثقافية المسكونة بسياسة “الحذف الإجتماعي” مثلما يقول الناقد الثقافي الهندي هومي بابا للآخر الغيري أمام رواية أخرى هي رواية الأطراف المسكوت عنها في الخطاب النقدي الغربي خطاب المركزية الغربية .
فتحضر في متن الشاعرة شعرية أخرى ، هي الشعرية الثقافية كما تتجلى في ذلك المذهب النقدي من مذاهب النقد الثقافي الذي أسس له الناقد الأمريكي ستيفن غرينبلات في جامعة بريكلي بالولايات المتحدة الأمريكية وأطلق عليه مسمى الشعرية الثقافية أو الجماليات الثقافية .
مع العلم أن الشاعرة خيرة بلقصير عندما تميط اللثام عن ألبومية أخرى ، هي ألبومية وهران ما بعد الكولونيالية، أووهران الديكولونيالية وهران بختي بن عودة وعلولة عبد القادر ومحمود بوزيد وحسني وخالد وعبد الله الهامل وعبد المالك مرتاض وأمين الزاوي وسعيد هادف وغيرهم كسردية مضادة للسردية الكولونيالية التي تحدث عنها الشاعر والأكاديمي الدكتور رابحي عبد القادر في (الألبوم الكولونيالي والحنينية الجديدة )، فهي لا تتعامل مع الإسم المفهومي لكامو كروائي إشكالي ارتبط في وهران بنوع من الحنينية أو النوسطالجيا الكولونيالية تعاملا هو أشبه (بشيطنة الآخر) ، على الرغم من أنها تعبر في منجزها الشعري عن رفضها لماضي وهران الكولونيالي .
إذ تشيد ببعض نصوصه، خاصة نصه الروائي (الطاعون)، الطاعون الذي ترى أنه مكنى بالمكان الخطأ ولا تترد في اختبار قدرتها التفاوضية لاستجلاء شعرية أخرى ، هي شعرية المثاقفة فيحضر في نصها الشعري استدعاء للآخر ممثلا في الإسم المفهومي لرموز ثقافية غيرية بوصفها ” ذواتا عالمة ” بمفهوم محمد عابد الجابري أو” شخصيات مفهومية “بحسب المعنى الذي يعطيه الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز للذوات الثقافية والفكرية عندما تحضر داخل نص إبداعي أو فلسفي على غرار كامو وأرسطو وفرجيينا وولف ورامبو ولوركا وغيرهم، وجها لوجه أمام ” شخصيات مفهومية”أخرى تنتمي إلى وهران ما بعد الكولونيالية أو وهران الديكولونيالية وهران “رنين الحداثة”اليافعة لبختي بن عودة مثلما تقول وهو يمسح أزيز المرجاجو باليقين،وهران التي كانت ترى أنها المضمخة بعطر عبد القادر علولة وعواء الركح بأجواده الغائبين، وهران محمود أبوزيد كما يحضر في نصها الشعري وهو يجفف عتبات المبنى العظيم كلما غادره عاشق مهزوم .
وهران عبد الله الهامل الحاضر حضورا قويا في المتن الشعري لخيرة بلقصير بوصفه الصعلوك الغامض التواشيح على ماترى الشاعرة .
وهران البحة في حنجرة أحمد وهبي كما تقول .
سائلة عن حال الأحبة هناك وعن حال قبة سيدي الهواري وحالة لالة مريم في أعالي الصمت الصمت الذي كلفها كثيرا قبل أن تعثر على ضالتها لدى النفري وهو يوصيها :
” خذي مني لساني السليط وطواسين الحلاج ” ..
هامش
المقال هو ملخص من دراسة موسعة بعنوان (شعرية الجسد وشعرية الثقافة.. “جسد الأهزوجة” للشاعرة خيرة بلقصير في أفق النقد الثقافي