
التاريخ المصري زاخر بالسيدات العظيمات ومنهن عصمت حسن محسن حسن الإسكندراني الشهيرة بـ عصمت الإسكندراني من مواليد عام 1898 في محافظة الإسكندرية لأسرة عريقة تعشق البحر والبحرية فهى حفيدة حسن الإسكندراني أمير البحار وأحد قادة الأسطول المصرى في القرن التاسع عشر وأبلى حسنًا في موقعة نافارين البحرية فقد اتفقت القوات الفرنسية والبريطانية والروسية على إرسال أسطول بحري يوم 20 أكتوبر عام 1827 لمضايقة قوات إبراهيم باشا واستظهار القوة لا المواجهة وإجباره على إخلاء بيلوبونيز الحالية وتعد معركة نافارين واحدة من المعارك البحرية التي غيرت مجرى التاريخ وغيرت مواقع الكثير من القوى المعروفة آنذاك وكانت خلاصتها هو الإنهزام الذي وقع لأكبر الأساطيل البحرية وهو تحطم الأسطول العثماني واستشهد فى حرب القرم عام 1854 وكان والدها حسن محسن باشا من رجال الدولة وأمها عزيزة حسن ابنة الأمير حسن إسماعيل وشقيقة عزيز حسن من قادة الجيش المصري الذين اشتركوا في حرب البلقان 1912 م وتلقت عصمت الإسكندراني علومها بالإسكندرية وأجادت إلى جانب الإنجليزية والفرنسية وتعلقت منذ صباها بالبحر والسفن والأسفار وبمجد جدها أمير البحار وبتاريخ البحرية المصرية ومواقعها الحربية وبأمجاد العرب في البحار وسافرت إلى سوريا ولبنان ووتونس والجزائر والمغرب والأندلس ودرست المساجد والقلاع والآثار القديمة كما ترددت على متاحف ومكتبات فرنسا وبلجيكا وسويسرا وغيرها وقضت 18 عامًا في رحلاتها الاستكشافية والدراسية حتى أطلق عليها ( بنت بطوطة ) لكثرة أسفارها وفى سفرياتها طاب لها مشاركة الملاحين والبحارة حياتهم الخشنة في البحار ولم تستهوها بواخر الترف ورحلات البذخ واستقرت عصمت الإسكندراني في باريس العاصمة الفرنسية للبحث وكتابة التاريخ العربي ونشر مقالاتها في الصحف الفرنسية عن التاريخ العربي والشرقي وأمجاده وتعرفت على المستشرق الفرنسي كريستيان شيرفيس الباحث في المخطوطات العربية الذي لاحظ شغفها بالآثار والرحلات فسمح لها بالبحث في مكتبته وأشار عليها أن تكتب تاريخ بلادها وأن تُكنى ببنت بطوط وفي تلك الفترة أعلنت جريدة ماتان الفرنسية عن مسابقة لأشهر المواقع الحربية التاريخية الفاصلة وجائزتها 500 فرنك وتقدمت عصمت للمسابقة وفازت وكتبت عن أكثر من موقعة حربية مثل حطين وعين جالوت وموقعة شريش التي أعلنت فتح العرب والمسلمين للأندلس لعدة قرون
عادت عصمت الإسكندراني إلى مصر وكتبت في الصحف والمجلات العربية ومع بداية حرب فلسطين التي جرت عام 1948 كانت تشحذ الهمم وتنادي إلى ضرورة مناصرة شعب فلسطين والوقوف إلى جانبه ضد الصهيونية العالمية وقامت بالتبرع بسفينة حربية مجهزة كاملًة على نفقتها الخاصة وأهدتها إلى القوات البحرية كما أهدت منزلها الواقع في رأس التين بالإسكندرية إلى القوات البحرية ليكون ناديًا بحريًا ووهبت جميع ممتلكاتها من عقارات وأراض زراعية وما لديها من مال في وصيتها بعد وفاتها للكلية البحرية مساهمًة منها للنهوض بأسطول مصر ليضارع أكبر أساطيل العالم وفي منزلها الكائن بجوار قاعدة رأس التين البحرية بالإسكندرية جلست عصمت الإسكندراني تؤرخ للبحرية المصرية وأصدرت مؤلفاتها حول تاريخ مصر والتاريخ العسكري لجدها بالعربية والفرنسية ومن مؤلفاتها عام 1945 ( فينيقية ) وبحثت فيه أصل الفينيقيين وصلاتهم بمصر وأفريقيا وعن أمجادهم البحرية وعن مدينتي صور وصيدا وحضارتهما العريقة وأيضا من كتبها أحاديث تاريخية ومن تاريخ هارون الرشيد والبرامكة عام 1943 وسيف الدولة وصفحات من تاريخ البحرية المصرية عام 1947 والمغامرات البحرية عام 1951 وموقعة نفارين الذي نشرته في عيد ثورة 23 يوليو عام 1960 وتحدث فيه عن الموقعة التي أبلى فيها رجال الأسطول المصري في 20 أكتوبر 1827 وكان جدها حسن الإسكندراني قائدًا للسفينة الحربية ( أحسانية ) في تلك الموقعة واستشهد خلالها عدد من ضباط البحرية وجنودها المصريين ضحية المكيدة الغادرة التي دبرها الأسطول الانجليزي لتحطيم الأسطول المصري الراسي في خليج نفارين وما كان معه من السفن التركية كيلا تنافسهم تلك القوة الناشئة في سيادة البحر وفي عام 1955 منح الرئيس جمال عبد الناصر وسام الكمال الذهبي للبطلة عصمت الإسكندراني أم البحرية المصرية ولكن اللصوص سرقوا الوسام من بيتها فأهدى إليها الرئيس وسامًا آخر وكان ذلك في مناسبة الاحتفال بيوم البحرية وبإنشاء المتحف البحري بالإسكندرية في 29 أغسطس عام 1960م وفي يوم الأم 21 مارس من كل عام كان يزورها في منزلها ضباط السلاح البحري وطلاب الكلية البحرية ويقدمون إليها باقات الورود وتعيد على مسامعهم الأمجاد العربية في البحار وكيف كان الأسطول المصري عام 1840 ثالث أسطول في العالم بفضل جنوده الشجعان وقد عاشت البطلة عصمت الإسكندراني في عزبتها الخاصة بشبراخيت التابعة لمحافظة البحيرة حتى رحلت إلى الدار الآخرة عام 1973