
* النص :
أنا اِمْرَأَةٌ طَاعِنَةٌ فِي الْحَنِينِ
أجُزُّ وِحْشَةَ اللَّيْلِ بِوَمْضِ الشِّعْرِ
أمَشِّطُ شَعْري بِأَسْنَانِ الْوَقْتِ
أكْتُبُ عَلَى الْجُدْرَانِ نَزيفَي
وَعَلَى كَفِّي تَنْضُجُ حُقُولُ الضَّجَرِ
أنا اِمْرَأَةٌ طَاعِنَةٌ فِي الْوِحْدَةِ
تَتَسَرَّبُ مِنْ بَيْنِ أَنَامِلِي الْأُمْنِيَّاتُ
يُعَانِدُني الْقَدَرُ
كُلَّمَا مَددتْ يَدَي لِأ لمسَ السَّمَاءَ أسْقُطُ
وَفِي كُلِّ سَقْطَةٍ يُشَيِّعُونَ حُلْمي
وَيَكْتُبُونَ عَلَى جِدَارِ عُمْرِي
اِمْرَأَةٌ كَانَتْ تُحَاوِلُ أَنْ تَعْبُرَ الْحَيَاةِ
—
بين السقوط والنهوض: شهادة على الحياة” رؤية: محمد جمال ريحاوي
الشاعرة ثورية الكور
قرأتُ نصك العميق والمليء بالألم والمشاعر الإنسانية، فوجدتُ في كل كلمة حكايةً تروي معاناتك مع الوحدة والحنين، ومقاومتك المستمرة للقدر. كل سطر في النص يحمل في طياته نزيفاً داخلياً وصراعاً لا ينتهي.
أنتِ “امرأة طاعنة في الحنين”، وهذا التعبير يعكس مرارة الاشتياق التي تسكنك. الحنين هنا ليس مجرد ذكرى، بل هو ألم مستمر يرافقك طوال حياتك. في السطر الأول، “أجُزُّ وحشة الليل بوَمْضِ الشعر”، تكتبين شعرك كطريق للخلاص، كأنك تعتصرين الليل والوقت لتحققي شيئاً من السلام الداخلي.
أما في قوله “أمشط شعري بأسنان الوقت”، فالمعنى هنا عميق، حيث أن الوقت هو العدو الذي يسحب منك كل لحظة من العمر. أنتِ، مثل كثير من البشر، تجدين نفسك تتحدى الزمن، تحاولين أن تسيطري عليه أو تفهميه، لكن في النهاية الوقت هو الذي يسيطر عليك، كما في “أمشط شعري بأسنان الوقت”.
وفي السطر الذي تقولين فيه “أكتب على الجدران نزيفي”، يبرز لديك الألم والحزن، كأنك تكتبين على جدران الزمن ما يعجز عن حمله قلبك. فالجدران هنا ليست مجرد حوائط، بل هي سجناء مشاعرك التي تجدين فيها مكانًا لتصريف ما يعكر صفو داخلك.
أما في الجزء الثاني من النص، يظهر بوضوح الصراع مع القدر، حيث أن “القدَر يعاندك”، وكلما مدت يديك لتلمسي السماء، تجدين نفسك تسقطين. هذا التكرار في السقوط يشير إلى شعورك بالعجز والخيبة أمام الأحلام التي تراودك، والتي لا تجدين في الواقع مكانًا لها. السقوط هنا ليس مجرد سقوط جسدي، بل هو سقوط روحي، حيث يُشَيَّعُ كل حلم لك في كل مرة تنهضين فيها، لكنك تستمرين في المحاولة رغم كل شيء.
وفي النهاية، يظهر أن السيرة التي تكتبينها على جدار العمر تتلخص في “امرأة كانت تحاول أن تعبر الحياة”، مما يشير إلى أن وجودك في هذه الحياة هو تحدٍّ مستمر، ومحاولة منك لفهم الذات ومغزى الوجود، رغم الصعوبات والآلام التي تقابلينها.
أستاذة ثورية، نصك يحاكي الوجود الإنساني بكل ما فيه من تناقضات وألم، لكنه أيضًا يحمل بين طياته عزيمة وإصراراً على الاستمرار، على الرغم من السقوط المستمر.
أما عنوان “مابعد المنتصف” هو عنوان يحمل دلالات عميقة. إذ يشير إلى مرحلة من العمر أو الحياة بعد الوصول إلى نقطة مفصلية، حيث “المنتصف” قد يمثل حالة من التوازن بين الأمل واليأس، بين النجاحات والإخفاقات. بعد المنتصف، تبدو الحياة أكثر وضوحًا، لكن هذا الوضوح لا يأتي دومًا بالسلام النفسي، بل قد يرافقه صراع داخلي مستمر.
عنوانك يشير إلى مرحلة اللاعودة، حيث يتعين على الإنسان أن يواجه نتائج اختياراته السابقة، ويعيش مع آثار اللحظات التي كان يعتقد أنها مجرد محطات عابرة. لكنه في الواقع يعيش بعدها مرحلة من الإدراك العميق، ربما تكون أكثر ألمًا، لكنها تفتح المجال للتأمل والتساؤل.
إذا كان النص يعكس ألمًا ومقاومة، فإن العنوان “مابعد المنتصف” يأتي ليُظهر المسافة التي قطعتها الشخصية في سعيها لفهم الذات وللتعامل مع الحياة، وقدرتها على التحمل والمثابرة رغم كل الصعوبات التي تواجهها بعد اجتياز مرحلة معينة من عمرها أو حياتها.