
في اربعينية المخرج الدكتور حميد صابر الموسوي رحمه الله نستذكر اللقاء التلفزيوني الذي اجراه معه الاعلامي عباس حمزة في برنامج أكابر والذي بث في قناة العراقية الفضائية بتاريخ 24-5-2019..وننشر رابط البرنامج كاملا في اسفل الحوار..وسيخصص العدد 260 من مجلتنا المقبل لسيرة حياة الراحل الدكتور حميد صابر الموسوي.
(المحرر)
—-
برنامج اكابر – تقديم عباس حمزة – الضيف الفنان د. حميد صابر 24-5-2019 قناة العراقية الفضائية
* ان ينتهي سيبدأ الجديد لحكاية الاحرار والعبيد ارض تشيد فوقها حضارة ضوء من السماء للمنارة مر عليها الصابر حميد.. اهلا وسهلا بك دكتور. أنت موسوعي وموسوعي كبير مررت عليك ساعة واحدة أخذت منك ما يعادل دهرا كاملا، أنت ما زلت المعلم المتنقل..
– وبهذا الوصف تضعني أمام مسؤولية امامك وأمام الذي ينتظر مني كلاما لعل هذا الكلام يدخل في الشهر الفضيل بما ينفع الناس.
* قد الناس تنتظر منك شيئا ولكن حتى الأماكن تنتظرك..
– الاماكن ارتحلت وانتقلت اليها بحثا عن معارف جديدة لم انتقل هجرة لان مدن العراق دائما معي.
* لم تترك ولاء..؟
– انا دائما انتمي الى من يوالي الحق سواء في التاريخ او في الحاضر ولنا في التاريخ عبر ولنا في الحاضر دروساً..
* من يحملك الوطن أم الناس..؟
– الوطن اذا عدنا الى كلام سيد البلاغة هو من حملك، ومن اعطاك ولكن اذا اردنا ان ننتقل الى اراء علماء الاجتماع او مثل ما يطرحه جان جاك روسو لا شك ان الوطن لا بد من يحمله ليجعل منه منارة بمعنى لابد من اشخاص تضحي وتقدم فالوطن ليس شكلا مجردا يتشكل ويتمظهر ويتخذ صفة ما من خلال مبدعيه وناسه أيضا..
* بادلته الأحاسيس؟
– دائما أتغنى واشعر ان أي شاعر لم يتغنى بوطنه ليس بشاعر وكل الشعراء الوطن لا يعني فقط ان يتغنى بانهره بشطآنه بمياههه بل من يتغنى من جعل له قيمة.
* انت حين ذهبت الى الفن هل معنى هذا انك ذهبت في خدمة الوطن؟
– اعتقد وجدت ان هذا الفن كاتصال كرمز كاشارات هو من يجعلني مخلصا لوطني.
* البصرة تريد حميد صابر..
– البصرة في داخلي لم اغادرها سواء بأعمالي بل بابسط مشاهدي البصرة دائما معي، وأرجو أن لا يبدو كلامي عن المدينة انحيازاً، انما حين أقول البصرة فأنا اقول العراق وأقول لكل العرب من منكم لا يعرف مدرسة البصرة فأنتم جميعا من البصرة.
* البصرة أو العراق على هيئة رجل، من هذا؟
– الحقيقة العراق الذي قال فيه يأ اهل العراق يا اهل المكارم الأخلاق سيد البلاغة علي بن أبي طالب أما البصرة اتخذت صفات عديدة وصفات ذات جوهر تجسد ومازالت بالفراهيدي ولكن هناك شاعر يقول أن لخطوة علي هناك اثر وما زال هناك أثر.
* هل تحتاج الجلوس مرة اخرى مع كاظم الحجاج الذي الف لك.
-كاظم الحجاج وخاصة في مسرحية ملابس العيد التي اعتز وما زلت قلت في تكريمه الأخير قلت سأعيد ملابس العيد.
* وكذلك عبد الكريم العامري؟
– عبد الكريم العامري هذا الكاتب الكبير لأروع مسرحيات اخرجتها وما زالت تحفر في الذاكرة هي كاروك، الذي قال فيها أما آن للوطن أن يعدل، عبد الكريم العامري الكاتب، اذا سمحت لي، أنا أقول دائماً، من طبعي مرات نحن نقول نحن بحاجة ان نتحدث عن هؤلاء لا أن يتحدثوا عن أنفسهم، كالحجاج والعامري.. الحجاج شاعر اتجهت له الدراما، أما العامري درامي بالاساس وهو شاعر في شعره نجد الدراما.. كاروك مثال على اختيار اسم سومري، وهو المهد، فمن يهزّ مهد العراق الذي يبقى عندي وعند العامري طفلا، ومن يجعل اطفالي دائما ترتدي أجمل الملابس، ملابس العيد عند كاظم الحجاج، ألا يستحقون أن نقول عنهم دائما وفعلا بدون مجاز كتاباً استطاعوا أن يؤرخوا للعراق تراجيديا عراقية خالصة.
* هل كنتم تسيرون مع العقل العراقي، الفكر العراقي خلفه أم أمامه؟
– يفترض بالكاتب والمبدع على راي ارسطو وهو يفرق بين المؤرخ والفنان، ارسطو هذا الفيلسوف الاغريقي فضل الكاتب الدرامي على المؤرخ، فالمؤرخ كما يكون أما المبدع فهو كما يجب أن يكون.. فهو يتقدم باعتباره المثقف العضوي على رأي كرامشي، الذي ينير العقل ولنا في التاريخ المسرحي أمثلة عديدة.
* متى انتهى وانتم ابتدأتم؟
– نحن ابتدأنا وما زالت البداية فينا، على المستوى الحقيقي، أنا ابتدأت مع الحرف العربي من خلال مدرس اللغة العربية ومن خلال لوحة رسمها مدرس التربية الفنية عن يوم القيامة. ولكن مدرس اللغة العربية نصحني ولا أدري وانا في الثالث المتوسط لماذا أقرأ أهل الكهف لتوفيق الحكيم، وأقدمها وأنا طالب متوسطة على الطلاب الصغار. اكتشفت أن المتلقي هو من تجعله يتلقى وان كان العمل يحمل معان فلسفية ذهنية كبيرة. لقد بدأت بهؤلاء ولا انتهي الا بأولئك.
* الغلبة لمن، للإشارة أم للحرف؟
– ربما في فترة تأثرت بصلاح القصب، وما زلت. أن الاشارة على المسرح أيضا لغة، والحرف إشارة مرسومة، كما يقول قباني أنا أرسم بالأحرف، والأحرف عند المخرج تتحول الى لوحات. الحرف العربي بحد ذاته صورة، صورة جميلة، خرير المياه، هدير الرياح، تغريد البلابل، صور، لا أتحدث بفقه اللغة، ولكن انظر لها بهذه الزاوية. الحرف العربي ايضا قيمة صوفية، كما هو عند آل سعيد الخطاط العراقي الكبير، حرف صوفي.
* أسأل عن التعامل مع الناس وهذا هو شغلكم الشاغل هل يضعكم في حيرة؟
– اخطر شيء ان يكون عملا فنيا بلا ناس، سارتر يقول: عمل فني بلا جمهور مهزلة. ولا يمكن ان يسمى العمل الفني، سواء مسرح أو سينما، دون متلقٍ يحييه. أن الكلمات صمّاء، من يمنحها الصوت هو المتلقي. الصورة جامدة، من يحييها هو المتلقي/ الناس ولا أقصد النخبة، أي عمل مسرحي أو أي سينما، اعطني أي فلم عالمي ذو مستوى تقني عالي جمالي فكري الناس تصفّق له.
* بمعنى أنت تراهن على الجموع؟
– الجماعة الانسانية التي تعطي العمل الفني، او على المسرح تحديدا باعتباري مسرحي، تعطيه قيمة.
* هل نحتاج في هذا الوقت الى أنبياء؟
– نحتاج الى روح الانبياء، خاتم الانبياء هو واحد، رسول الله (ص)، ولكن كيف يمكن لنا أن نجد روح الانبياء كما يقول جبران خليل جبران.
* أنا أتحدث عن القناعة الآن، قناعة الناس بالمنتوج، أي كان هذا المنتوج.
– قناعة الناس بعد هذا التطور الحاصل في العلاقات البصرية وفي الميديا وما الى ذلك تحولت الى رؤى حقيقية وفعل حقيقي. هناك من يقول، كما قال احد المخرجين المصريين، الجمهور عاوز كدة وهذا ليس صحيحا.. بمعنى ليست قاعدة. أنت تستطيع أن ترتقي بالجمهور، أنت تستطيع أن تجعل الجمهور يتفاعل مع المنتوج، مع المنجز الجيد هذا الجمهور الفاعل.. أنا كتبت كتاباً بهذا العنوان، وقلت هناك جمهور عابر وهناك جمهور فاعل، نحن بحاجة دائما الى جمهور فاعل توقظ فيه ذهنية المواطنة الصالحة.
* حينما شاركت بالعلم الذي اتلقاه كأنما شاركت في بناء نفسي، أكمل لي وعندما شاركت في المسرح…….!
– وجدت في المسرح دوري الحقيقي وخياري واختياري الجمالي والفكري..
* وكان الطريق الى الدراما؟
– كان الطريق الى الدراما لاثبات القدرات التمثيلية التي تصوّر بعض الاكاديميين أو المدرسين لمادة التمثيل والاخراج ان يبقون في حدود النظريات..
* وحينما رأيت المسرح..؟
– المسرح لا يمكن أن نغادره حتى ونحن في التلفاز.
* والسينما؟
– نادرا ما لجأت الى السينما الا ببعض الاعمال التي كتبتها.. كممثل هناك مشروع قادم، أما المسرح فيبقى هو الاساس والجوهر وما زال سواء الاعمال المسرحية التي من شأنها أن تؤرخ ذاكرة المجتمع العراقي، اذا سمحت لي أن أعيد ذكرها، مثل قيد دار وملابس العيد وكاروك والحر الرياحي للشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد، أعتقد أن هذه الاعمال أنا سعيد جدا لأن كثيراً من النقاد أرّخ لها نقدياً.. كتبوا عنها بطريقة جعلتني أقول أن النقد العراقي يتفاعل مع المنتوج والمنجز العراقي الذي يراهن- كما تفضلت- على العقل العراقي.
* هل استمتعت وأنت خارج الحدود؟
– الى حد ما ولكن هذه المتعة لم تكن كاملة لانه لا يمكن ان يتكامل دورك، حتى عندما درست في سوريا ولبنان وفي الشارقة، أشعر أن الدرس لا يكتمل الا بصوت طالب عراقي يناديني دكتور حميد.
* هل هو العميد سليم عجاج؟
– كان في وقتها هو العميد لكن الآن لا أعلم من هو العميد.. كان صديقا لي ولنا تواصل بيننا جميل جدا..سليم عجاج فنان كبير واداري وهو مخرج مسرحي جدير بالاعجاب والتقدير.
* جرح غائر تركت فيكم سوريا..؟
– سوريا يمر عبرها التاريخ العربي، وهي تؤرخ لنا دمشق استقبلتنا بحفاوة..
* أبناء أم ضيوف استقبلتكم سوريا؟
– أبناء أعزاء بكل الطرق وبكل الوسائل، حتى عندما قدمنا اعمالا مسرحية ذات بعد عراقي محلي كأننا أمام جمهور عراقي بمعنى الكلمة. هم يترنمون بكل الحزن العراقي، سواء على المستوى الغنائي أو على المستوى المسرحي. اذهب الى سوريا واسمع في المقاهي ماذا يستمعون وماذا يرددون حتى أن لهجتنا يقولونها بحب.
* هل لديك أشباه؟
– اتمنى أن لا يشبهني أحد، لأنني لا أحب أن أشبه أحد. ولكن استطيع القول لديّ أحباء بالمعنى الذي يحبونني.
* أنا وهم يسمونك المختلف؟
– نعم، أحب الاختلاف ولكن لا أحب الخلاف.
* أنت المختلف المتفق عليه..
– الى حد كبير اتفقوا على انني استطيع أن اقول كلمتي في وقت يصعب فيه أن تقول الكلمة المناسبة.
* هل كنت الرئيس في هذه المؤامرة؟
– لا أحب التآمر، دائما اردد ما قاله سيدي علي بن ابي طالب صلاح الناس بالتحاور والتعاشر.
* ساعة في بغداد، ما الذي تعمل فيها؟
– ساعة في بغداد وكل بغداد دائما بحاجة الى ساعات، أحب أن أرى بغداد الكاظمية، أرى بغداد شارع المتنبي، أرى بغداد أصدقائي القدامى، كلية الفنون الجميلة التي علمتنا وما زالت وكل اساتذتها الرائعين، بصمات في حياتنا، أنا أرى بغداد في كلية الفنون الجميلة دائما، لا لأن المتنبي ملتقى المثقفين بل لانه يشكل تكثيفا بصريا وعلميا لبغداد العريقة.
* لو حفرت اثار اقدامك على المسرح الوطني هل سيتبقى من المسرح شيء؟
– المسرح يبقى لا بوصفه خشبة، المسرح كتب عنه مجلدات كما كتب عن الاديان، لكن خشبات مسرح الرشيد والوطني وكلية الفنون الجميلة لا يمكن أن تنكر آثار الأبناء الذين اخلصوا لها، أنهم اخلصوا لهذه الخشبة باعتبار ان هذه العلبة، التي تسمى العلبة الايطالية كمسرح، لا أراها علبة بل أراها العالم حين يتسع وأراها التراجيديا حين تقدم لنا ابطالا يستحقون ان نصفّق لهم أو أن نتفاعل معهم أو ان نتطّر من خلالهم.
* ماذا علمكم اساتذتكم في المسرح؟
– الدرس الاول لاساتذتنا الكبار هو المواطنة في المسرح، الانتماء تماما، ولا يمكن ان يأتي الا عبر العطاء. اذا اردت ان تتحدث عن أي منهم، ولا أبالغ فهم مدارس، ودائما أقول ومنذ فترة طويلة، عندما تحضر تمرين أحد الاساتذة، بدري حسون فريد، بعيدا عن الالقاب فهم اكبر من ذلك، جاسم العبودي وسامي عبد الحميد وفاضل خليل وصلاح القصب أطال الله في عمره، هؤلاء لا يعلمون الحركة بوصفها تكنيكا وخطوات، ولا يشرحون الحوار ترجمة للأداء، أنهم يتحدثون بعمق الفلاسفة عبر صورهم. لا يعلمونك بالمعنى التقليدي دائما هم اساتذة الاسئلة والجواب على الطالب. هذا الطالب الذي لا يجيب عليه أن يترك قاعة المسرح حتى وان كان ممثلا موهوباً.. سامي عبد الحميد يبحث في الأشياء، يبحث في التاريخ، يبحث في المعلومة. صلاح القصب يبحث في الذات، يبحث في التاريخ لا بوصفه اياما مرّت بل بوصفه أيام يمكن أن تعيد طرح الاسئلة الفلسفية، لذلك أنا اسميهم خلال محاضراتي للطلبة بمناسبة او بغير مناسبة لابد ان يعاد ذكر اسمائهم فبمجرد ذكر الاسم يعد درساً.
* هل دورة الحياة آمنة، بمعنى الاساتذة والطلاب فيما بعدهم، هل أخذتم دور الاساتذة وهناك طلبة يشبهون حميد صابر واخوته في ذلك الزمن؟
– لا استطيع أن أقارن، وأنا لست من أولئك الشخصيات المأزومة التي تتحدث عن الماضي وجماله وزهو أيامه، نعم هناك أجيال مخلصة، طلابي على الاقل وقسم كبير منهم الان أساتذة في كلية الفنون الجميلة ببغداد والبصرة وبابل مازالوا يحملون هذه الراية الناصعة، بمعنى، سلمناهم الراية وما زالوا يحملونها بنفس الألق وبنفس الانتماء مع اختلاف التوجهات الفكرية والجمالية لكنهم يبقون تلاميذ أنقياء كما كنا ونتمنى ان نكون اولئك الابناء لاولئك العباقرة.
* هذا الانتماء الشديد الذي نشاهده اليوم للمسرح هل يشابهه أنتماء آخر فيك؟
– انتماء أعمق وأكبر لمن علمني الحرف هو نهج البلاغة.
* أنت طائر في سماء علي بن أبي طالب..
– فتحت كتاب فن الالقاء للكاتب السوري فرحان بلبل وجدته يوصي الطلبة ان يحفظوا خطب الامام علي في نهج البلاغة، الكلمة التي بلا نقاط والكلمة التي بلا ألف/ همزة.. فدرس لا يقوّم اللسان الا عبر نهج البلاغة.. وهذا ما حفزني أكثر على أن أكتب وأمسرح بعض كلمات الامام علي في عمل قدم في احد القنوات العربية عنوانه الغوث، وآخر ، ما زال الآن يسجل اذاعيا، عنوانه علي شمس لا تغيب. كتبته من خلال الكلمات التي أراها درامية، لا أراها مجالا بوصفها للدين، مع ذلك طبعاً، ولكن بوصفها بعد درامي. تصوّر هذه الجملة الجميلة: كن عبداً للحق تكن حراً.. ولا تكن عبداً لغيرك اذ جعلك الله حراً.
* أنت مسرحت علي بن أبي طالب كما يريد أو كما تريد أنت؟
– بلا شك لا نستطيع أن نصل الى هذا السيل، والى الطير لا يرقى اليه، يقول جورج جرداق لوكنا كعلي ولو بنسبة الحصى الى الجب والقطرة الى البحر لاستطعنا أن نعرف العالم. وعبارة أصعب قالها لغزوتم العالم. لا نستطيع، ولكن هل يمكننا، كما قلت، القطرة الى البحر، على المستوى الاخلاقي طبعا، وعلى المستوى الفكري..
* الجوانب التي تريد أن تظهرها هذه هي اكثر الجوانب وضوحاً..
– عندما أنا أيضا اردد كلمات شكسبير، وهذا أمر مهم، على مستوى التثاقف الانساني والتثاقف ولكن عندما يكون لديك كنز ثمين على المستوى اللغوي وعلى المستوى الاخلاقي وعلى المستوى الفلسفي، لماذا لا تستطيع أو لماذا لا تقدم عليه وتشجع طلابك على أن ينهلوا من هذا الينبوع الذي لا ينضب أبداً..
* عليك أن تتحد مع من أو مع ماذا كي تجسد أو تكتب أو تخرج علي بن أبي طالب؟
– أولا أتحد وانسجم واتناغم مع كلماته ذاتها، أو أستطيع أن أقول مع درره، وبالتالي لا استطيع أن أجد عناء في تفسير معنى الاداء، على مستوى التمثيل، لأن الطالب عندما تحدثه عن هذه الشخصية لن تكون مغتربا ولن تكون غريبا ولن تكون مبتعدا عن ذاتك، بغض النظر عن مذهبك أو ديانتك وتوجهك الايديولوجي، انسانيا جورج جرداق رجل مسيحي، جان جاك روسو يقول لم أجد كلمة استاذ الا وقد وجدتها تليق بعلي، ارجو ان لا نتحدث عن شخصية دينية بالمعنى الضيّق، لأنها شخصية أكبر من التاريخ، أو كما قلت، في احد مقدمات المسرحية الباحث او الاستاذ يسأل الباحث: لم أعد أراك هذه الايام فيقول له أني ابحث.. ماذا تبحث؟ يجيب الطالب الباحث أبحث عن عظماء تاريخنا وعن أي عظيم تبحث؟ يقول له أبحث عن علي..يجيبه: ويحك، تبحث عن علي؟ علي ليس عظيماً بل عظم التاريخ بعلي.
* أنت مع علي ليس بعثاً انما اكتشاف..
– نكتشف أنفسنا ووجودنا وهويتنا بعلي، هذا الانسان، الامام، الخليفة، العدالة، البطولة، الفروسية، ان كل جانب من حياة علي حضارة.
* هل ارتديت الرتبة العسكرية؟
– في التمثيل فقط ..
* أي رتبة عسكرية؟
– رائد، وعقيد، وقد أجدت دور الرائد أكثر في مسلسل الحب والسلام باعتراف المؤلف الكبير حامد المالكي، وهذا الدور أعتز به لأنه حصل على استفتاء اتحاد الادباء، وكان ادائي بها جيدا لأني أقول أؤدي الشخصية التي تكرهها لكي تحبها في التمثيل.
* هل كان المخرج سوريا؟
– سوري ومبدع، هو ثامر اسحق هذا الرجل رسام للكادر التلفزيوني، كان يرسم الحركة بمعنى لوحة تشكيلية وليس مجرد شخصيات تتحدث أمام الكاميرا..
* هل أنت انتهيت من اكتشاف نفسك؟
– الاكتشاف ان توقف انتهى الانسان، البحث دائما في الذات وفي الموضوع ايضاً..
* هل تحتاج اليوم ان تخضع الى مختبرات؟
– أنا دائما وأمام مختبرك أيضا، مختبر الاسئلة دائما.. لكن هذا الاختبار الى اي مدى يتوقف؟ لا يتوقف، أنا أؤمن بالاختبار الذاتي عبر ، أولا وأساساً، هل أعطيت، هل قدمت، هذا هو السؤال الذي يدفعني دائماً لأن اكتشف وما زلت.
* أنت تجاوزت السكّة؟
– ان تجاوزتها ربما سأتحول الى شخص آخر، السكة طريقي لكن لا انحرف عنه.
* هل أنت مع السرعة؟
– أنا مع السرعة ولكن ضد التسرّع..
* وتخشى مخاطر الطريق؟
– أخشى مخاطر من يواجهونني في هذا الطريق دون أن يعرفونني..
* هل في جيبك سلاح؟
– لا أملك الا سلاح المحبة.
* وهل تكفي للصراع؟
– المحبة وحدها كافية لمواجهة من يريد الشر بنا..
* ونجحت يوماً؟
– والله نجحت في كل الايام بالمحبة وان كلفني ذلك كثيرا من الاعصاب والظروف الصعبة.
* اعطني دليلا على أنك حي..
– بوجودي معك واجاباتي وحركتي وبطلابي الذين يقدمون اعمالا الان كما أتمنى.
* هناك طائرة تنتظر الان الدكتور حميد صابر الى أين تذهب؟
– اعود اولا الى دمشق التي احتضنتني ورعتني والطائرة دائما تقودني الى أماكن أحبها ولعلها كثيرة ولكن اكثر الاماكن التي وجدت فيها مجالا لأن تشعر بأنك فنان حقيقي ومواطن عربي حقيقي هي دمشق العربية.
* هل تمعن النظر بالاشياء حتى على المدن الهامشية؟
– بالعكس أن الهوامش هي التي تدفعني الى أن اتمعن فيها أكثر، كثيرا ما انتقل الهامش الى المتن.
* اذن اتعبتك التفاصيل؟
– بعضهم يقول الشياطين تكمن في التفاصيل، أنا أقول أن التفاصيل هي الابداع ذاته، كل الروايات التي حققت نتائج ايجابية ورائعة هي التي دخلت في التفاصيل الانسانية وفي تفاصيل الامكنة وفي تفاصيل الآثار وفي تفاصيل الأحرف.
* اذا غاب حبر القلم ماذا سيحضر؟
– تحضر الصورة على المسرح، الصورة التي استطيع أن أحولها الى أقلام تكتب ولكن تكتب بلغة المسرح الجسد، الحركة، الاشارة، وحتى الايقونات عندي تتحول الى رموز.
* لكن يبقى الكلام هو السلاح الاقوى للإقناع؟
– الكلمة سيدة الاشياء حتى وان تخلى عنها من يقول ان الكلمة ما عادت تنفع. الكلمة هي التي تحرّك. في البدء كانت الكلمة.
* أراك تتحكم بالكوكب تستدعيها تذهب معها وتسميها..
– نحن ندور مع الكواكب، لا نستطيع أن نتحكم بها الا اذا استطعنا أن نكون جزءاً من حركتها، الكوكب اشارة الى البدء واشارة الى ان تكون شيئاً مشعاً..
* من هؤلاء الذين لا يحسنون الوقوف على الارض؟
– أولئك الذين يواجهون الحق بالباطل، أولئك الذين يعتقدون أن الحقيقة لا يمكن أن نصل اليها الا عن طريق ميكافيلي.
* هل الطيران بدون أجنحة شيء مشروع؟
– أن تحلّق في الحلم فقط. الحلم هو الوسيلة الوحيدة لأن تتواصل مع نفسك ومع الآخرين ومع المستقبل.
* هل سماء الحلم مفتوحة كما سماء الله؟
– سماء الله مفتوحة دائماً بالحلم او بالحقيقة وبالعلم، والله دائماً أقرب الينا من حبل الوريد.
* قتل الأحلام كثر..؟
– هناك من يحاول قتل أحلامنا ولكننا دائما نقول بالحلم نحيا. بالحلم نواجه. لا مجال على رأي سعدالله ونوس نحن محكومون بالأمل وأنا أقول نحن محكومون بالحلم.
* ولكنك ابن الواقع..
– ان تخليت عن الواقع كل ما قرأت يبقى تنظيرا وعلى الرف هامشيا..
* هل أسست حضارة باسمك؟
– لا استطيع الا أن أكون ابن العراق صاحب الحضارة، فأنا بلا شك أجدادي عندما يكونون قد أسسوا الحضارة هل أنا جدير بحمل اسمهم.. هذا هو السؤال.
* هل بنيت أشياء لا يمكن لها ان تهدم؟
– أتمنى أن يقول عني عباس حمزة والآخرون أنني بنيت أشياء أراها ليست قابلة للخدش والهدم. اعتقد ان البناء الحقيقي القائم على الانتماء الحقيقي ليس من السهولة، وإن جاءت له معاول الهدم المتعمدة أو غير المتعمدة، لا تستطيع.
* الزائرون الى عقلك ماذا يأخذون؟
– يأخذون اسئلتي التي من شأنها أن تستفزهم للاطلاع وعدم الركون الى الثابت.
* الى بيتك؟
– سيجدون العربي العراقي البصري أولا..
* تعرض الصور بالاسود والابيض..
– أحب الذكريات في الصور القديمة.
* 1980 أين كنت؟
– كنت في السنة الرابعة في كلية الفنون الجميلة، كنت أقدم مسرحية رقصة الخيول تأليفا واخراجا.. سألني أحد الاساتذة الافاضل هل سترقص الخيول؟ نعم الخيول العربية دائما صهيلها مستمر.
* قتلوا الخيول حتى في السينما أنهم يقتلون الجياد..
– بلا شك كثير من القتله يخافون ان يواجهوا صهيل الحق ولكن تبقى الخيول ترقص.
* عيناك الخضراوتان من أين قربتاك؟
– قربتني الى أن استطيع ان ارى وجوها حبيبة ربما لكنني لا استطيع أن استغلها بوصفها خضراوتان.
* أنت الان ترتدي الاحمر والعين الخضراء وهذا الجمال لكني أراك لونا واحدا.
– أنا عدة ألوان ولكن لوني واحد في الاصل.. احب الالوان على المسرح وفي الحقيقة.. التنوع كما يقول جبرا ابراهيم جبرا في احدى توصيافه الوحدة في التنوع.. التنوع هو خلق واختراق الايقاع الثابت فالحياة لا تحتمل ايقاع واحد ولا تحتمل لون واحد وما اجمل الحديقة التي تتعدد ألوانها وما أجمل الآراء.. أنا أشارك الرجال عقولهم أي أشارك ألوان تفكيرهم.
* أنت بعيد كل البعد عن الاستقرار لأنك مهموم بالدراما بالسينما بالمسرح الشيء الذي فيك يستقر دائما كلما مر فيك عمر ما هو؟
– الشيء الذي يستقر فيّ هو وجود حقيقة موضوعية داخل نفسي ان العطاء عندي يجب ان لا يتوقف.
* انت في صراع البقاء..
– البقاء دائما للذي يفكر في الافضل والاجمل..
* هل انتم مهددون..؟
– لسنا مهددين بالمعنى المباشر ولكن هناك من يهدد الحقيقة الثقافية الفنية العراقية وعلينا ان لا نسكت لكل اشكال التهديد المبطن والمعلن.
* لو فكرنا جيدا هل المسرح فعلا في خطر؟
– المسرح الى حد كبير الآن رغم كل هذه المهرجانات لكن هو بحاجة الى وقفة والى مراجعة لأن المسرح العراقي لا يستحق منا الا ان نكون أبناء بررة لأولئك الذين جعلوا من المسرح العراقي علامة مهمة في المسرح العربي.
* هل يستطيع المسرح العراقي أمام كل مسارح العالم أن يدافع عن نفسه؟
– يستطيع بجدارة أن يدافع عن نفسه، ففيه الكاتب المهم، وفيه المخرج المبدع وفيه الكوادر من الممثلين الرائعين لو اتيحت لهم الفرصة لغزو مسرح العرب والعالم.
* ما العذر حينما يكون الكاتب كبير والمخرج كبير والممثل كبير حينما لا تخرج المسرحية بذاك الجمال؟
– لأن المناخ المحيط، والظروف المحيطة لم تجعلها تتوافق مع كل هذا الابداع. المسرح ابن مدينة، المسرح نشأ في المدينة، فيجب ان تستقر المدينة، يجب ان يوفر له المناخ الانتاجي والثقافي الذي من شأنه أن يدفع الجمهور والناس والجهات المعنية المسؤولة الى ان تجعله بهذا الاتجاه الابداعي.
* هل علينا الان ان نعلم الناس كيف يشاهدون؟
– أنا مع كلمة درسها المخرج الالماني بريشت: مثلما نعلم فن التمثيل يجب ان نعلم فن المشاهدة، فن التلقي، خلق الذائقة الجمالية وهذه لا تأتي من خلال العرض الواحد بل من خلال الدراسة والاهتمام الجديد بدرس التربية الفنية وخلق منظومة تربوية ترعى الطفل العراقي كيف يستقبل ويتذوق الجمال الطبيعي والجمال الفني.
* هل تعوّل على الواحد؟
– يمكن أن أكون فرداً، أو أن تكون أمة في واحد. وتختصر هذه الأمة في عبقرية واحد. الواحد لا يعني الرأي الثابت ولا يعني الديكتاتور، الواحد خلاصة أمة، نبيا إماماً فيلسوفاً.. الألمان يفتخرون بجوتو وهيغل والانجليز يفتخرون بشكسبير وغيرهم.
* هل تأخذكم الاقدار ان تعرضوا مسرحا على النار؟
– المسرح دائماً على النار..وهذه النار تلتهب، النار تطهير كما يقول ارسطو طاليس، هذه النار، سواء الوهمية أو الوجودية،أو الفاعلة أو الحقيقية التي تدفع، بعيدا عن عبادتها وتقديسها، النار لاشك أنها مثيرة بالفعل والحركة.
* ما هو الفقدان الحقيقي؟
– هو ان تفقد أعز الناس اليك، تعني أن أكون مباشراً، أعز الناس اليك الذي يمكن أن تلجأ اليه في لحظة انسانية فارقة، قد يكون الأخ، والحبيب، والحبيبة أو الزوج، وقد يكون أمراً لا يمكن أن يعلن بسهولة.
* أنا أتنازل عن الكاتب والمسرحي والأكاديمي، أتنازل عن تاريخي أمام هذا الشخص. من يكون هذا؟
– التنازل اذا بمعنى الاستسلام لا يمكن ان يحصل.
* ان نوقف التاريخ..
– يتوقف التاريخ أمام شهادة الامام الحسين الذي علمنا الحرية ليس تنظيرا او كلمات: ألا أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين أما السلة وأما الذلة فهيهات منا الذلة. هذا الحوار يجب ان ينتقل ويتحول ويتمسرح ويتحول الى كل الصور لا بوصفه لحظة تاريخية بل بوصفه الكلمة الوحيدة التي تستحق البقاء.
* لم نسمع كلمة عن مدينة الكوت..
– هذه المدينة أنا جدا سعيد بها، واشكرك جدا، لأنني أدرس في جامعة واسط المدينة التي تحتضن كل العراقيين، مدينة فيها تاريخ، فيها حب، فيها مسالمة، مر بها المتنبي، وفيها الواسطي، فيها الصحابي الجليل سعيد بن جبير، فيها اليوم طلاب يقدمون أعمالا مسرحية متواصلة منذ سنوات، فيها حركة فاعلة ولكن تحتاج الى عباس حمزة ان يسلط الاضواء عليها لكي نعرف ان مدن العراق دائما تزهو بمبدعيها.
* الكوت مفترق فيها مكانين لطريقين: أما ميسان واما الناصرية. هل وضعتك الحياة في مثل هكذا طريق؟
– دائما تضعنا في مفترق الطرق، ودائما تجعلنا كيف نفكر بنقطة الابتداء، اذا لم تفترق الطرق فأنت على خطأ. أي الطريقين أسلم..
* اذا كانت الرحلة بحثية فنية ثقافية الى اي الطرق نسلكها الكوت ام ميسان ام الناصرية؟
– لا استطيع أن اتخلى عن المحمداوي، ولا استطيع أيضا ان اتخلى عن الشطرة والناصرية وداخل حسن وحسين نعمة.
* أنت تذكرهم بألوانهم الغنائية..
– هؤلاء ليسوا مجرد غناء، هذا إرث عراقي، حضارة كبيرة، لذلك من الصعب جدا ان تقول هذا مطرب ريفي او هذا مطرب من الناصرية أو ميسان، الجنوب العراقي هو القلب وليس جنوب القلب، قلب كل عراقي، من الموصل الى كل محافظات العراق. لا يوجد عراقي لا يتغنى بأغاني هؤلاء الافذاذ، أفذاذ الصوت والانسانية. الصوت ليس بالمعنى المجرد العضوي، هو صوت العراق.
* هل تحسست غربة فؤاد سالم؟
– فؤاد سالم وعلى قرب منه، هو البصري الذي كان بصريا وهو في دمشق، وهو في غربته في امريكا. عذرا أن هؤلاء الفنانين لا يجب أن ننظر لهم بمجرد أصوات جميلة بل هم خلاصة وايقونة هذا البلد.
* محمد خضير في البصرة ماذا يعني لك؟
– كيف تكون البصرة بدون محمد خضير؟ الطريق الى البصرة هو الطريق الى محمد خضير. الى بصرياثا، الى الارجوحة، المملكة السوداء. هذا الرجل اذا صمت بليغ، واذا كتب أرّخ، واذا أرّخ كان كل تاريخ العراق في هذه المدينة. أنا لا استطيع أن أرى مدينتي الا عبر كتاباته.
* أنت في أي مدينة في البصرة؟
– في المعقل، حيث الموانئ والاصوات وطارق الشبلي وكل أغاني البحارة.. المعقل معقل القلب، معقل السفن، معقل بن يسار، معقل الشعراء.
* اعتقد طريق القطار في المعقل..
– نعم، طريق القطار وكان طريق المطار. المعقل قل هي البصرة أيضا بمعنى التكثيف الدرامي والتكثيف الجغرافي، الميناء.. يعني الرحيل والانتقال والتعلم والثقافة. البصرة كانت تستقبل عبر هذا الميناء كل الأجناس وكل الثقافات، وكان الاجنبي حينما يمر في شوارع المعقل يراها مدينة يستغرب، وحينما يرى التمر على الشوارع وهذه المشاهد اذكرها حينما كنت صغيرا، يقول له احد الرجال ما جاع شعب زاده التمر. هذا التمر في البصرة. أنا أرى كل عراقي فهو بصري.
* البصرة محطة كبيرة فيها الموانئ وفيها محطة القطار وأنت يا دكتور حميد صابر محطة من مروا عليك أخذوا ماذا؟
– أخذوا كل تاريخي فيهم..
* المحطات عادة ما تكون حزينة تثار الدموع على جنباتها، هل هم كذلك سيحزنون؟
– لاشك ان النبل هو حزن، وما أجمل الحزن من النبل.
* ولكن لحظات التلاقي ليست قليلة، لحظات سعيدة جدا ومفرحة فيك.
– أنا دائماً ألتقي مع زملائي واصدقائي في البصرة على وجه التحديد وتنتابني سعادة واعود من جديد لأعمل.
* أنا متأكد لو حاورتك غدا لاختلف الحوار تماما لأنك كل يوم تضف شيئا جديدا وثقافة جديدة، حميد صابر اراهن عليك مثقفا عراقيا كبيرا. الختام دائما للضيوف تفضل.
– استغربت انتهى الحديث أولا، أعرف ان اشارات المخرج قاطعة، اشكرك جدا واعرب عن سعادتي بهذا اللقاء الجميل الذي يعيد اليّ حيويتي في هذه الاسئلة الرائعة من الاستاذ عباس واشكر كل الكادر واشكر هذا البرنامج الذي هو ايضا بصمة ثقافية في مسيرة القنوات العراقية وفي مسيرة الثقافة العراقية.
رابط الفيديو