وهبتنا الناصرية كائناً مشرقاً ما فتيء يهبنا نجمة كل يوم . قذف بشعره في أطيان السواقي فاستحال التراب الى حبّاة “كرنفل” و “رشفة كهوة” في فناجين الليل وشتل “الشمّام” وروداً على طيّة النفنوف” . مجّد المآثر ، ونزف مع نزيف القصيدة بكل معاناة الاحتضار “الليل لو سد الروازين … شمسين حمرة يخضّر الطين” . سار في شوارع الشعر … أثار الغبار … فتح مزاليج الأنهار ففاضت بالأحياء والمخلوقات الشعرية “سلام على الدمع حاير بلعيون ، سلام على النزف حد صفرت اللون” . يستنبط الماء من العود اليابس . في أعماق عينيه تستطير الأضواء وسط شوارع بلده . من الناصرية خرج وأكاليل العنبر وقصب السكر تحوك تواريخه الشذية . على قامته المصنوعة من ماء وماس تتسلق أغصاناً تحمل زهراً وبريقاً … أشعاراً وأغاني . على رؤوس الخيزران حمل الظهر شعلة نقية في ليل العراق العصيب لم يكن مقلداً ، بل خالقاً مبدعاً لذلك أفرغ في جثة الجمود الشعري طلقات من ذكاء وجلاء . لكل قاريء هو صديق … صديق في كل لحظة لدرجة أن شعره يصبح جزءاً من الخبز اليومي … خبزاً يغذي النور والعظمة … البساطة والشموخ . كلماته عرق الأغلال فب ليل المعقل العميق . تضيء في قساوة السؤال “هلبت مات جيفارة” . “علبت هوشمنة انكطعت أخبارة” . تلتمع معها قضبان السلمان لمعاناً أسوداً يقتلع الخوف من قلوب النوارس وتطير فجأة في شرارات فسفورية متألقة ترتدي بدلات الأعراس “عراريس وزهت بينه الخنادك والممرات” . يختفي في نفق منجمه ليس بعيداً عن الوضوح ليظل مشدوداً الى تراب وطنه مرتبطاً به ، يسقيه من نبضه .