تاريخ الامتيازات النفطية الأجنبية في العراق، يعود، إلى الربع الأول من القرن العشرين. منح الامتياز الأول سنة 1925 ،لاستغلاله، من قبل “شركة النفط التركية” و التي تمثل مصالح شركات بريطانية وأمريكية وهولندية وفرنسية ، و الوسيط حينها، رجل الأعمال (كولبنيكيان)، وسميت فيما بعد بـ(شركة نفط العراق). في السنوات1932 – 1938 تمكنت شركتان فرعيتان لهذه الشركة هما : شركة نفط الموصل وشركة نفط البصرة، في الحصول على امتيازات مماثلة. وعندما أقام البريطانيون، الذين بدأت عملياتهم العسكرية عام 1917 لاحتلال العراق، وأكملوها عام 1921 ، قاموا بتنصيب الملك “فيصل الأول” ملكاً على العراق. ثم رسخوا قاعدتهم العسكرية الأولى في منطقة (الشعيبة) بالبصرة، فبدئوا عن طريق (شركة نفط البصرة) الاهتمام باستخراج النفط في البصرة.و شرعت الشركة ، بحفر آبار تقويمية واستكشافية في مناطق الشعيبة والزبير والرميلة الجنوبية. وتبين أن هذه المناطق الثلاث تطفو على بحرٍ من النفط الخام.في البداية كان الإنتاج، لا يتعدى 500 ب/ي، من النفط المصاحب للغاز. و هذه الكمية ارتفعت إلى نحو 5000 ب/ي. في شهر شباط عام 1951 أضرب عمال شركة نفط البصرة، لتحسين ظروف العمل ، ورفع أجورهم، وتثبيت العمال (المؤقتين) ومطالب مهنية أخرى ، ودام الإضراب ثلاثة عشر يوماً ، استجابة الشركة لبعض تلك المطالب، بعد مفاوضات عسيرة بين الطرفين.عمد النظام السابق، بسبب توجهاته في عسكرة الاقتصاد العراقي ،و تحقيقاً لمصالحه، بتفكيك شركة النفط الوطنية العراقية، واستبدلها بشركتي نفط الشمال ونفط الجنوب.في كل الحروب التي خاضها النظام السابق، و سنوات الحصار الدولي ، كان القطاع النفطي العراقي هو المتضرر الأكبر.بعد إسقاط النظام في 9 /4 / 2003 ، من قبل قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الامركية، دُمرت ونهبت البنية التحتية كاملة في العراق، وساهم في هذا الأمر المروع بعض دول الجوار العراقي أو مَنْ ناب عنها محلياً ، ويستثنى من هذا الشأن منطقة(كردستان)العراق ، والتي كانت محمية بقرارات دولية،ملزمة صادرة من مجلس الأمن. تمتلك شركة نفط الجنوب العراقية65% من احتياطي العراق النفطي المؤكد البالغ نحو (115) مليار برميل، وحوالي 60% من احتياطيات الغاز في العراق المؤكدة والبالغة 3,6 تريليون متر مكعب، ولذا تعد في ضوء ذلك، رابع اكبر شركة نفط في العالم، بقوة عملها مع احتياطيات نفطها، التي تبلغ ضعف ما هو مؤكد، حسب ما يؤكده خبراء النفط في العالم . و تمتد عملياتها النفطية الفعلية من مينائي خور العمّية والبصرة و تتوزع منشآتها على مساحة شاسعة من الأراضي العراقية، وحالياً ثمة محاولات، فئوية وحزبية نفعية في مراميها، لتحجيم دور شركة نفط الجنوب وتفكيكها،إلى شركات نفطية متعددة. لكن الموقف الشعبي ، وبعض المسؤلين في الشركة، ويساندهم في هذا الأعضاء ، الذين يمثلون (البصرة) في مجلس النواب العراقي ، وقلة من أعضاء السلطة التنفيذية في المدينة ،يسعون جميعاً، قانونياً ودستورياً دون ذلك. تعد شركة نفط الجنوب الوريث الشرعي لشركة النفط الوطنية العراقية التي أسست سنة 1964 وقد منحت صلاحيات تنفيذ أهداف القانون رقم (80) لسنة 1961،الذي صدر في زمن رئيس الوزراء السابق” عبد الكريم قاسم” ، والذي حدد مساحة الامتياز للشركات الأجنبية العاملة في العراق. عقب إسقاط النظام، و بعد استقرار الأوضاع – نسبياً- في جنوب العراق،تم الاهتمام بالشأن النفطي، كونه المورد المالي الوحيد للعراق وعصب اقتصاده،حالياً، فأعتمد ما يسمى بـ” جولات التراخيص النفطية”. حول هذا الشأن صدر للدكتور عبد الجبار عبود الحلفي والدكتور نبيل جعفر عبد الرضا،الأستاذان في جامعة البصرة، وعن” المركز العلمي العراقي- بغداد- دار ومكتبة البصائر- بيروت ط1- 2014 كتابهما المشترك، بعنوان” نفط العراق.. من عقود الامتيازات إلى جولات التراخيص”.تضمن الكتاب ثمانية فصول وملاحق ووقع بـ(280) صفحة من القطع الكبير. المؤلفان يهديان عطاؤهما العلمي وفاءً وامتناناً إلى الشعب العراقي، ويؤكدان على إن:” مَنْ لا يعرف ولا يقرأ تاريخه.. لن يتمكن من بناء مستقبله”. جاء الفصل الأول عرضاً موثقاً عن تاريخ النفط العراقي في مرحلة ما قبل الاكتشاف التجاري، وحتى عقود الامتيازات التي منحت للشركات النفطية الأجنبية، ثم عقد مناصفة الأرباح.وتناول الفصل الثاني مرحلة ما بعد إسقاط النظام الملكي في 14 تموز 1958 ، وتأسيس أول شركة نفط وطنية عراقية والتعاون مع الاتحاد السوفيتي السابق.وخصص الفصل الثالث أهم مرحلة من مراحل تاريخ النفط العراقي، وهي مرحلة تأميمه في العام 1972 والاستثمار المباشر. وعني الفصل الرابع بالخراب والهدر الذي جرى للثروة النفطية العراقية في زمن حروب النظام ،ضد دول الجوار العراقي، وعسكرته للاقتصاد ووضع الشعب العراقي ضمن أفقر شعوب العالم مع كل ثرواته النفطية الهائلة عبر تلك الحروب و أهمها حماقة غزو دولة (الكويت) ومسحها من الخارطة الجغرافية العربية والدولية واعتبارها (محافظة عراقية) ،لكن السخرية كانت في حقه بالاحتفاظ بحصتها من تصدير النفط عبر منظمة( الأوبك). تلك الحماقة ترتب عليها دمار وخراب وانهيار أصاب البنية الاجتماعية العراقية والمادية في الصميم، خاصة زمن الحصار الاقتصادي ، ورهن الثروة النفطية العراقية دولياً، بموجب مذكرة (النفط مقابل الغذاء). الفصل الخامس تم فيه تناول المرحلة التي أعقبت سقوط النظام ووضع الصناعة النفطية العراقية، والتي كانت أمام فرص وخيارات متعددة، فقد جرت مسوحات جديدة لمعرفة الاحتياطيات العراقية الفعلية والتي بلغت أولاً حوالي(115 ) مليار برميل ثم باتت(141) مليار برميل،كما يتناول هذا الفصل الحقول المشتركة مع دول الجوار العراقي،وكيفية حل هذا الموضوع سلمياً عبر اتفاقيات مشتركة وملزمة قانونياً ودولياً، مع الانتباه، في عدم التفريط بالحقوق العراقية. و يتم التطرق في هذا الفصل إلى النقص المريع في المعدات النفطية الحديثة والمتطورة عالمياً، وهجرة الكفاآت النفطية الوطنية العراقية، بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وكذلك التطرق إلى الجهد الوطني النفطي العراقي في هذا المجال ،مع محدوديته.لكن يلاحظ ثمة تطوير لبعض الحقول في جنوب العراق. ويعنى الفصل السادس بالغاز الطبيعي في العراق، من حيث الاحتياطيات والتجارة والكميات المحروقة هدراً، ومصانع تسييل الغاز وعقد الشراكة مع شركة(شل)، ودراسة إمكانية الاستفادة من بعض التجارب العربية، الخليجية تخصيصاً، وخاصةً تجربة المملكة العربية السعودية في استثمار الغاز الطبيعي. ويختص الفصل السابع بـ(جولات التراخيص النفطية)، وهذا الأمر من الموضوعات المهمة الآن، حيث بدأت ملامح جديدة في السياسة النفطية العراقية،تعتمد على أساس تطوير الحقول النفطية العراقية ، عن طريق عقود الخدمات الفنية مع شركات النفط الدولية. يقدم د. عبد الجبار عبود الحلفي ود. نبيل جعفر عبد الرضا في الفصل الأخير رؤية استشرافية لمستقبل الثروة النفطية في العراق ، من خلال سيناريوهات متعددة و تعتمد على التنبؤ ،مع الأخذ بنظر الاعتبار، العوامل المؤثرة على العرض والطلب ومستويات تذبب الأسعار النفطية الدولية. تضمن الكتاب في الصفحات(215-275 ) ملاحق وردت فيها نصوص الاتفاقات والقوانين النفطية في العراق منذ اتفاقية 30 آب 1925 لغاية عام 2007 الذي صدر فيه قانون النفط والغاز. وقد تم الاستعانة بـ(91 ) مصدراً عربياً وأجنبياً تم تثبيتها في نهاية الكتاب. الملاحظ في الكتاب تعمد د. الحلفي ود. عبد الرضا، على أن لا يكون ،كتابهما، للنخبة المختصة بمسألة النفط فقط ، وانما لغير المختصين أيضاً لزيادة الفائدة، ووضع الشعب العراقي كله في الصورة الواضحة و الخاصة بثروته هذه، و في هذا الظرف المعقد والحرج الذي يمر به العراق، الذي يحتل المركز الثالث عالمياً في احتياطات النفط التقليدية. د. الحلفي و د. عبد الرضا ، في كتابهما ، قدما صورة واضحة وتاريخية عن تاريخ التطورات والمتغيرات التي مر بها قطاع النفط في العراق ، والذي يعد مفتاح الأمن الوطني – القومي العراقي ورمز سيادته على أرضه، في ظل غياب قانون، ملزم للجميع، ينظم العلاقة بين المحافظات المنتجة للنفط والحكومة المركزية مع وجود برلمان ،عطل بحث وتشريع “قانون النفط والغاز، وستنتهي دورته الانتخابية في منتصف حزيران هذا العام، و برلمان قادم سيكون، في ضوء، ما ترشح إعلامياً ،عن نتائج الانتخابات العراقية، و التي جرت في الثلاثين من شهر نيسان الماضي ، متعدد الرؤى والاتجاهات السياسية- الفكرية والمصلحية ، وربما ستصبح، في ضوء هذا الصراع الحاد والمتواصل ، بين الكتل السياسية البرلمانية، مستقبل ثروة الشعب العراقي النفطية رماداً كحال أسواق النفط العالمية عند التنبؤ بمستقبلها المنظور.