في زواجها الطويل المضطرب من ليو تولستوي صبرت صوفيا على الكثير، لكن رواية “سوناتا كروتزر” مؤهلة لتكون عقاباً خاصاً. تقدم القصة،المنشورة في عام 1889، بشكل متزايد رؤى متطرفة عن العلاقات الجنسية والزواج من خلال مونولوج مسعور يلقيه سارد وفي نوبة من الغيرة والغثيان، يقوم بقتل زوجته.
في يومياتها كتبت صوفيا:” لا أعلم كيف ولماذا يربط الكل رواية “سوناتا كروتزر” بحياتنا الزوجية، لكن ذلك ما حدث”. شكت من أنّ أفراد عائلة تولستوي والقيصر نفسه أبدوا أسفهم لها. وتضيف:” لا الناس الآخرون فحسب. أنا أيضاً أعرف في قلبي أن هذه القصة موجهة ضدي، وسببت لي ظلماً كبيراً، وأذلتني في عيون العالم وحطمت الآثار الأخيرة للحب فيما بيننا”.
كانت مقتنعة بأن القصة “غير صحيحة في كل شيء مرتبط بتجارب امرأة شابة” فكتبت صوفيا روايتين قصيرتين تعرضان رؤاها الخاصة وهما “خطأ مَنْ؟” و”أغنية دون كلمات” اللتين بقيتا كلاهما مهملتين في أرشيف متحف تولستوي حتى إلى تم إعادة اكتشافهما ونشرهما في روسيا. قام مايكل ر. كاتز البروفسور المتقاعد للروسية ودراسات أوربا الشرقية في كلية مدلبري بترجمة كلا القصتين للإنكليزية وضمهما بكتاب سماه “تنويعات على سوناتا كروتز” نشرته مطبعة جامعة يال مضيفة اضطراباً للعمل الحالي في تقييم زوجة تولستوي كونها شخصية بحكم حقها الشخصي.
خطأ مَنْ؟
قال السيد كاتز في مقابلة جديدة:” رد فعلي الأول حين قرأت القصتين كان الدهشة من أنهما موجودتان ولم يعرف أحد عنهما. رد فعلي الثاني كان: أنهما ليستا قصتين رديئتين. ربما لم يكونا أدباً من الدرجة الأولى لكنهما جاءا من امرأة متعلمة مثقفة تأملية ذات شخصية قوية لم تملك رؤى تختلف عن رؤى زوجها فحسب بل أيضاً جرؤت على التعبير عنهما، مبدئياً مع فكرة بأنهما سوف يجري نشرهما”.
كتبت الرواية الأولى:” خطأ مَنْ؟” بين عامي 1891 و1894 وتروي قصة “آنا” ذات الثمانية عشرة ربيعاً المولودة والمتعلمة جيداً التي تنظر إلى الزواج كاتحاد عقلين وروحين يتقاسمان حب الفلسفة والفنون ويتمتعان بالنشاطات في أوقات الفراغ معاً ويكرسان نفسيهما لأطفالهما.
لكونها متوقدة ونشطة وجذابة فقد أسرت عيني صديق مهذب للعائلة وهو الأمير بروزورسكي الذي يكبرها بضعف كما كان تولستوي حين تزوج صوفيا. مواهبه المثيرة للجدل وامتيازاته الاجتماعية تخفي عقلاً عادياً ورؤية الخليع للجنس المقابل.
في هوامش دفاتر ملاحظاتها دونت صوفيا فقرات من رواية “سوناتا كروتز” لتولستوي نفعت كنقاط جدل أرشدتها كما تصف هي إلى زواج على وشك الكارثة و الجريمة في النهاية، لكن القصة تروى من وجهة نظر امرأة. الشكاوى التي يعددها، بغضب متوهج، راوي تولستوي تجد نقيضاً للنقيض في سرد الزوجة الكئيب عن الحب الخائب، وعن عدم التوافق بين الرغبة الجنسية الذكورية والجوع الأنثوي للإشباع العاطفي، وعن التطلعات المختلفة والمتطلبات التي تفرضها ولادة الأطفال وتربيتهم.
أغنية بلا كلمات
أما رواية “أغنية بلا كلمات” فهي تغامر فيما وراء الرومانسية العفيفة لرواية “خطأ مَنْ.” كي تتحرى الحد المرن ما بين الانجذابين الفكري والجنسي. كتبت القصة عام 1898 وتقدم نسخة مقنعة بشكل رقيق لصداقة صوفيا الشديدة مع المؤلف الموسيقي “سيرجي تانييف” الذي قضى صيفي عامي 1895 و1896 في “ياسنايا بوليانا” عزبة تولستوي جنوب موسكو. إن بطلة القصة مثل مؤلفتها تصاب بالخبل من ميتة في العائلة وتجد المتعة في عالم الموسيقى التي تؤدي ،بسبب كارثتها، إلى افتتان بالمؤلف الموسيقي نفسه.
لا أحد من شخصيات القصص يناظر بالضبط نماذج الحياة الحقيقية لكن جو الخلاف والتحرر من الوهم يعكس بدقة زواج تولستوي، بالأخص. في السنوات التي تلت تعرض تولستوي لأزمة روحية تشكلت ماركة جديدة شديدة الخصوصية للمسيحية التي أصبحت مركز حياته الإبداعية.
هذا المذهب الجديد المكتشف جعله مشوشاً في ورطة من التعقيدات التي أفسدته مع زوجته إلى لحظة موته في عام 1910. كان ملاك أرض غنياً نظر إلى الملكية الخاصة كونها شراً، قائل بالمساواة محاط بالخدم، فنان رفض تقريباً كل الفنون كونها ضارة، مبشر إنجيلي بالعزوبية الذي أنجب 13 طفلاً وبقي نشطاً جنسياً حتى الثمانين من عمره.
مقدمة شوبان
تم تجميع كتاب “تنويعات سوناتا كروتزر” كنوع من الملف. يتيح السيد كاتز ترجمة جديدة لقصة تولستوي ويحيطها بالمادة التي تلقي الضوء على الغضب الذي تثيره. إضافة إلى الروايتين القصيرتين لصوفيا فإنها تحتوي على قصة غاضبة ضد “كروتزر” لابن تولستوي ليف لفوفيتش تولستوي بعنوان:” مقدمة شوبان” ومقتطفات من رسائل صوفيا ويومياتها ومذكراتها “حياتي” وهو عمل بقي في غبار الأرشيفات لعدة عقود.
يضيف الكتاب زخماً إلى رؤية صوفيا التعديلية التي استقطبت النجاح مؤخراً. في سنوات تولستوي الأخيرة ،وبعد موته بمدة طويلة، فإن أتباعه وضعوها في دور الشريرة في دراما العائلة، المرأة السليطة التي فعلت كل ما لديها لكي تبقي تولستوي بعيداً عن عمله المهم كنبي اجتماعي كي تحصل على سيطرة على العزبة الأدبية. عدّ الدارسون السوفيت، لأسباب أيديولوجية، يومياتها ومذكراتها الواسعة، المسجلة على 200000 صفحة مطبوعة وتغطي 55 سنة من حياتها، كونها مبتذلة وحرجة جداً بالنسبة لرمز وطني راحل.
بينما فتحت الأرشيفات فإن الموسم قد تحول. سمح متحف ليو تولستوي الرسمي لأندرو دونسكوف، وهو دارس روسي في جامعة أوتاوا كي ينتج ترجمة إنكليزية لـ”حياتي” نشرت في عام 2010 من قبل مطبعة جامعة أوتاوا ولكي تنشر مجموع أعمالها الأدبية في روسيا.
حارسة أدب تولستوي
الكسندر بوبوف وهو دارس كندي آخر استفاد بشكل واسع من أرشيفات المتحف من أجل كتاب:”صوفيا تولستوي: سيرة” ( المطبعة الحرة)، المنشورة في عام 2010 وفي السنة نفسها أنتج المتحف، بأسلوب وافر، روايتي صوفيا وقصة ابنها، فكان الدافع لكتاب السيد كاتز. تطور الكاريكاتير بصورة تدريجية إلى صورة شخصية لامرأة مثقفة جداً مع زعم شرعي بالمراهنة على كونها كاتبة قصص ومذكرات.
من الغريب أن صوفيا هي التي جاءت لكي تنقذ “سوناتا كروتزر” حين وقعت بيد الرقابة الحكومية. كونها حارسة لعمل زوجها الأدبي قامت برحلة خاصة إلى سانت بطرسبرغ عام 1891 كي تترافع قضية القصة أمام القيصر الكسندر الثالث وتحصل على الرخصة لكي تضمنها في نسخة جديدة من كتابات تولستوي.
برهنت، باستعمال السحر والمغالطة، بأن “سوناتا كروتزر”، التي صنعت قضية من أجل الطهارة الجنسية، بالتأكيد عمل جيد. وأضافت إلى أنّ تأييداً من القيصر ربما يشجع زوجها كي تسترد كتابات له مثل “أنا كارنينا”.
—