اسلام عادل
اسلام عادل :
حين كان هائما على وجهه, يطرق بقدمية الارض بوجل. ينظر الى خطواته المتعرجة بنظرات مستقيمة. يضع كفيه بجيوب بنطله المثقوب. لم يكن يملك فلسا واحدا كي يبتاع ورق. يحصي تنهيداته, و نسمات الهواء التي تصطدم بأنفاسه. انه رجل “لا ينقصه سوى المال” كما تقول النساء حوله “كي يضفر بأكثر النساء جمالا”. لم يملك مالا كي يقايض به جمالهن, فنأى بنفسه عن عالم النساء. كان ينظر اليهن عن بعد, يستمد من جمالهن, طمعهن و سذاجتهن مواضيع لورقه و فحمه, و لكنه لا يملك هذا و لا ذاك. لم يبارح عالم النساء مهزوما فحسب بل الفى الواقع خلفه يناديه للمصالحة, فأبى ان يعيش في كنف المفارقة. اراد ان يوحد عالمه اما خيال او او واقع. و بما انه لا يملك من ادوات الواقع, ارتأى ان يزج نفسه بين جدران اثيرية تعشق النظرات البعيدة و المشاعر الطاغية.
في احدى الشوارع التي يسير فيها بتوعك, ترجلت امراه من حافلة مليئة بالركاب. كانت تبدو و كأنها ضاقت بهم ذرعا فقررت ان تترجل. رفع نظره ليصطدم بشعاع عينيها. كان وجهها يصرح بالكثير فقد بدت منزعجة غاضبة. كأن الاشياء من حولها لا تعجبها, تبحث عن شئ وراء هذا الجو المغبر و شئ ما في عيون البؤساء. التوت كاحلها و هي تبحث عما وراء المشهد:
– “هل انت بخير سيدتي” قال الرجل بفزع حيث وقعت بالقرب منه بألم.
– “نعم, انا بخير..” تلعثمت ..”
نظر اليها بابتسامة كأنها تقول “هل عرفتني”؟
– اجل عرفتك, كيف حالك؟ لقد مر الكثير من الوقت!
– منذ ان انتقلتم الى حي اخر.
– اجل.
ساعدها في المسير, كان يحمل حقيبتها السوداء الكبيرة. جلسوا على مقعد على جانبي الطريق, ناولها حقيبتها فأخرجت منها ورقة! كانت ورقة بيضاء كتبت على احدى صفحاتها بالحبر الازرق و لكن الصفحة الاخرى بقيت نقية. اخذ الورقة بلهفة دون ان يستأذن منها و ضل محدقا للصفحة البيضاء بلهفة و كأنه يرى اشكال و اخيلة. شخص ناظره فرأت في بؤبؤ عينيه لوحة.
اخرجت قلما و ناولته ورقة اخرى..
***********
يبارح المكان متكئا على امل يجره الى اقرب بركة عطاء. محدبا ينظر الى لوحة في خياله سيعيد رسمها على الورق. مرتبكا ما بين ابتسامة امراه احست بلواعجه و صورة يراها في اديم السماء و يقرع بها اجراس الابداع. كان ملتويا بين ان يرجع اليها و يعترف بصدفة لم يتوقع انها ستحدث في العالم الملموس و بين خيال يراوده, يحثه على ان يدب فيه الروح.
اشباح حبه بدأت تتراقص من حولها, على ايقاع انفاسها. تدندن في خوالجها اغاني و تتعالى في سريرتها صراخ الاماني.. فكانت تجذبه اليها بجاذبية عينيها. احس بطاقة ما تجره اليها. خال الوفاض الا من مشاعر, يقاوم الجوع و الفقر و لكنه خضع لجاذبيتين: الاولى تلك التي اثبتها نيوتن و الاخرى تلك التي لا يعرفها قانون و لا تحدها ظروف انبثقت من عينين احبت تواضعه, حاجته و فنه. فأسرته كما اسرها, و انتقمت لتفكيرها به حين علقته بين فضاء الرجوع اليها و فضاء اخيلته المكبوتة.
أهكذا يؤسر الرجال و يردون الى واقعهم؟
فهم ليسوا بمالكي الارض و لا المستحوذين على ثرواتها, انهم خلقوا ليؤسروا.. ليسجنوا و لان يعفى عنهم برضا منها. و لانهم اسياد خاضعون, فلسن بجوار خانعات.
اعادت الى الطبيعة قوانينها التي افسدها بلحظة انجراره وراء نفسه و تركها وراءه تحدق الى خطواته القصيرة الهاربه.
—