أثبتت تجربة (( الديمقراطية )) لدينا فشلها الذريع في خلق وتهيئة الأجواء المناسبة واللوازم المطلوبة لتهيئة أدارة دولة بشكل صحيح وسليم وادارة شعب ومنظومة أجتماعية نحو (( الخلاص )) الحقيقي من براثن وآثار الهزائم والفشل والأحباط . وذلك لسبب جوهري لايمكن تجاوزه والقفز عليه ، وهو : ان المستلزمات والشروط الواجب توفرها لغرض ممارسة (( التجربة الديمقراطية )) كما ينبغي غير متوافرة لدينا ولو بأدنى نسبة ، ونحن غير مهيئين أبدا للأنطلاق في هذا المدى لأننا ببساطة شديدة لازلنا نرزح تحت مفاهيم السلطة والتسلط التي تم تغذيتنا بها لمئات السنين الماضية . ومازلنا نفتقد الى رسم معالم (( شخصيتنا الوطنية )) ونفتقد لمباديء الشعور بهويتنا – الجمعية – التي تم محوها طيلة قرون من التناحرات الفكرية والعقائدية والمناطقية والعشائرية والتي سعت أنظمة الحكم الأستبدادية والعائلية وسعى السلاطين والولاة والشيوخ والأمراء والغزاة والعملاء الى ترسيخها حيث تم تمت ممارسة كل الوسائل والعمل بكل المقتضيات التي أفضت الى محو وطنيتنا وهدم شخصيتنا الوطنية وولائنا للوطن – كمجموع ووحدة واحدة – وجعلتنا ننوء بأحمال ثقيلة من الذاتية والفردية والطائفية والمناطقية والعشائرية . وهذه أسباب ومسببات قادت بنا الى مانحن عليه من تمزق وشتات وعدم ولاء وعدم شعور بأهمية وطنيتنا وتلمس شخصيتنا وعراقيتنا التي كان يجب أن تكون فوق كل المسميات والأعتبارات والميول ، فقد حولتنا الى أشخاص مشوهين لانعرف الوسيلة لنتحكم بأيقاع حياتنا أو سلوكياتنا .
والتجربة الجارية علينا منذ سقوط الصنم ولحد الآن قد ساهمت بتعزيز الفوضى والتشوه والتردي الذي نعاني منه , لأنها تجربة فاشلة تعاني التمزق والفساد وعدم الأنضباط والتناحر والتوظيف لأجل غايات لاتخدم أبناء العراق بقدر ماتخدم وتتناغم مع غايات ومصالح أخرى . ولم تتمكن هذه التجربة بعد مرور 13 عاما على وجودها من ترسيخ مفهوم (( الدولة )) و (( المفاهيم الوطنية العميقة )) بقدر مارسخت مفاهيم الفوضى والأنحلال الى الحد الذي أصبح الفساد فيها – ثقافة وقيمة أجتماعية – تغذيها في ذلك منظوماتنا الفكرية الفاسدة التي تطفو على السطح .
ان دعاة (( الممارسة الديمقراطية )) متفائلين جدا ولديهم الأمل الكبير في ان (( صناديق الاقتراع )) والانتخابات ستنتج لنا أدارة دولة حقيقية ورجال مخلصين لديهم الحرص والولاء والوطنية ونكران الذات لأدارة هذا البلد بشكل سليم وصحيح وبمايخدم ويراعي مصلحة الكبير والصغير وكل الرعية من كافة شرائح المجتمع العراقي . ولاأرى هذا التفاؤل في محله . وأراه بعيد المنال ولسنين قادمة . ومايسمى بصناديق وانتخابات انما هي (( عمليات مماحكة وضحك على انفسنا بستار حداثوي )) . وقد كانت نتائج ((ممارساتنا الديمقراطية ! ! )) واضحة ! ! ! . . . فقد غذت الفوضى (( المقصودة والمخطط لها وغير المقصودة )) ، وغذى الفساد (( المقصود والمخطط له وغير المقصود )) كل أركان حراكنا وعمليتنا السياسية وطغى على كل توجهاتنا وقد أصبحت منظوماتنا الأدارية والفكرية بما فيها العشائرية والقبلية المنحرفة أعشاش لتفريخ الفاسدين والنفعيين والوصوليين .
أن أول ماكان يجب فعله لخلق (( عملية ديمقراطية صحيحة )) هو : وضع منهاج لتعليمنا وتلقيمنا المفاهيم البناءة السليمة التي ضاعت منا طيلة العقود أو القرون الماضية ، وتوجيهنا تربويا وأخلاقيا وأعلاميا وفنيا وأداريا ودينيا وعشائريا بهذا الأتجاه ، والتركيز على البناء والتوجه التربوي والتعليمي ، وتحشيد كل الطاقات المدنية وقنوات الأتصال لأجل هذا الهدف السامي , تعليمنا مفهوم الديمقراطية وكيفية الممارسة الديمقراطية التي تحولت عندنا الى مجرد فوضى ، ماهي شروطها وحدودها والواجبات المترتبة علينا لأجلها ، وكيفية ممارستها بشكل سليم بما يحقق الغايات العليا للوطن والمواطن .
ولعل أول الخطوات في الطريق الصحيح نحو ذلك الطموح تبدأ من الدرس الأول في الصف الأول حيث نتعلم معاني وأبعاد هذا الطموح الكبير الذي لامناص من تحقيقه , نتهجى طموحنا وأملنا ووطنيتنا وديمقراطيتنا مع تهجي أول حروف القراءة (( دار دور )) . نتعلم ماهو (( وطن )) وماهو (( مواطن )) قبل كل الاعتبارات . من هنا نبدأ الرحلة التي ستستغرق عدة سنوات لتحقيق المواطنة التي بها (( سيوجد )) صندوق انتخابي يتم الأعتماد عليه . وعندها فقط سيبنى الوطن عامرا . . .
—