محمد عبد حسن :
وهما تنقلان أقدامهما الصغيرة إلى الخارج وتسحبان الباب دون أن تطبقاه، تبقى الغرفة فارغة إلا من ظلمة تزحف من الداخل متوقفة قريبًا من الباب الموارب.. جسد مكوّرٍ لامرأة تُدير وجهها ناحية الجدار.. كومة ملابس مبعثرة أمام خزانة مشرعة وصورة؛ صورة كبيرة تتوسط الحائط المواجه للباب لرجل متوسط العمر بملابس مرقّطة مشرعًا بندقيته كأنّه ينتظر أحدًا يفتح الباب ليصطاده، فيما يقف رجل، يرتدي الثياب ذاتها، فوقه في يسار الصورة بنظارة سوداء كأنّه يراقبه.
في الخارج، حيث تقف الفتاتان فيما يشبه صالة صغيرة أو موزّع يفضي لبابين آخرين ونافذة لا ينفذ منها شيء، صورة أخرى، أكبر من تلك، يوجّه فيها الرجل سلاحه إلى باب الدار في حين ينسحب الرجل الآخر، بنظارته السوداء، إلى زاوية الصورة العليا صغيرًا منكمشًا.
تسحب أحدهما الأخرى من يدها مبتعدتين عن باب الغرفة الموارب:
دَرَى الله أنّنا كنّا نسرق نقوده فذهب ليخبئها في مكان آخر.
لم نكن نسرقها.. نأخذ ما نحتاجه فقط. حين كان أبي يذهب ويتركنا؛ كانت تخرج الملابس وتُفتّش فيها. تقول إن الله يحتفظ بنقوده في ملابس الفقراء ليأخذوا منها. وعندما كنت أسألها، وهي تستخرج نقودًا من جيوب بعض الملابس.. أو من تحت الجرائد التي تفرشها على الرفوف واضعةً فوقها الثياب: (ليش فلوس الله معقّجة)؟ لم تكن تجيبني.
قالت لي يومًا أنه يدسّها بسرعة ويذهب (حتى لا نشوفه. الله لم يعد يأتي إلى بيتنا، إنه يخاف من أبي). أنظري إلى صوره! كلّما فتحتُ الباب أراه يوجّه رشاشته إليّ.
الله (ما) يخاف. ربما هناك فقراء آخرون فذهب ليجعل نقوده عندهم. ألا ترين الصور الكثيرة المنتشرة في الشوارع؟! كلّهم مثل أبي.
…………………………..
سيعود ليخبئ نقوده عندنا بعد أن يمرّ عليهم بيتًا بيتًا. تعالي لنعيد الملابس إلى الخزانة حتى إذا جاء الله وجدها مرتبة.
تسحب شقيقتها تجاه الغرفة. تجفلان أمام فوّهة البندقية الموجهة إليهما. وقفتا على الباب قليلًا قبل أن تتجها، حذرتين، إلى كومة الملابس أمام الخزانة المفتوحة وعيونهنّ ساقطة على جسد مكوّرٍ لامرأة تدير وجهها ناحية الجدار.
24/6/2016 م
البصرة
—