رحمة بن مدربل :
الهاتِف كان يرِّنُ صامتاً، تقفِزُ الأضواء منهُ بينما هي لا تسْمعه، تغِطُّ في شبهِ نومٍ تحتَ البطَّانية الزرقاء … لا يبدُو مِنها إلاَّ أنفٌ طويلٌ و عينانِ مُتوَرِمتانِ، مُغمضتان …
هل يُمكِن أن تستيقِظ على خبرٍ جميل ؟ هي كانتْ تحلُمُ بذلك، حُلْمَها المُتكرِّر كان حُلُم يقظةٍ يُراودها ليلاً كذلك …
كم السَّاعة الآن ؟ رُبَّما هي العاشرةُ صباحاً… أو أكثر
سأطلُّ من الشُرفة مُباشرةً لأتبلَّل بالمَطر، قالتْ تلك الفتاةُ شِبه النائمة …
ضجيجُ البيتِ حافلٌ بأصواتِ الملاعِق و الصحون، صريرُ تحريك قِطَعِ الأثاث في الصالون، خشْخَشَة أوراق المُذَاكرة، خواءُ القلْبِ الذي يرُدُ صدى النبضاتِ السريعة في صدري و صوتُ التلفزيون الذي يُذيعُ نشرةً كلُّ أخبارها عن الثلج و الطُرقاتِ المقطوعة… هي لا تأبه بذلك تُسطِّرُ ضجرها اليومي بمسطرةِ المُوسيقى التي تُحبَّها هيّ … ليبقى مستقيماً دونما مَيلانْ …
تجلسُ ساعتين أمام المِرآة عندما يُوقظُها الصوتُ المُرتَفِع لنبضاتِ قلبها، المُنبِّه لا يعني لها شيئاً … كان يرنُّ للمرَّة العشرين من دونِ أن تسمَعَهُ، لم تكنْ نائمةً تماماً لكن عقلها مُخدَّرٌ بلا تخدير تخترِقُه الهلوسة …
“هي قسمة وأنتَ ما ما مقْسُوملي … ذيج دامتْ حتَّى هاي تدُومْلِي … يا الْخَذُوك إدعِيلي برْوِيحَة حَلالْ … الله يسْتُر بَاجِرْ إيشْ مْضمُونْلِي ، مُنُو قالَّكْ أنا راحْ أزعلْ عَلِيكْ لاَ و حَقَّكْ الزَعَلْ مُو ثوبي، حتَّى لو ثُوبِي وَأَرِيدْ أزْعَلْ عليكْ راحْ ألْبِسَهْ لْخَاطْرَكْ مَقْلُوبْي … موْجُوعُ قَلْبِي و التَعَبْ بيَّا … من أبَاوَعْ على رُوحِي ينكِسَرْ قلبي عليّ ”
كانت هذه الأغنيةُ العراقية تدورُ و تُعادُ في أذنِها … البارحة سمِعَتْها ليلاً بينما عيناها تذرِفانِ دمعاً مَجهول الهوِّية، لماذا كانتْ تبكي ؟ التفسيرُ صعب … أحياناً نكتَفِي بالصمّت إجابةً عن كلِّ الأسئلة المُسْتَعْصية …
ماذا يُمْكُنني أنْ أفعلَ اليوْم ؟
أمِّي تُناديني لأصحوا من موتي الجُزئي، لأعيشَ عندما أستيقظُ موتِي التَّامْ … نهارٌ آخرً يمضي كأنَّه منسُوخٌ عن الأمس، لا شيء يختلفُ إلاَّ منشوراتُ فيس بوك التي تتغير في الصفحة الرئيسية و بعضُ الرّسائلِ التي تُريدُ أن تَعْرِف ما الجديد … و اتصالٌ واحدٌ مجهولُ رقمه… فائتٌ لم ترَه لأنَّ الهاتفَ كان على الصَّامتْ… كلُّ شيءٍ في حياتِها مضبُوطٌ على الصَامت …
هل تتصِلُ به ؟ صاحبُ الاتصال الفائتِ الذي لم ترَه البارحة ؟
لا تُريدُ أن تذْكُرَ اسمه حتَّى لا يقفِزَ الشوقُ إليها مُعانِقاً بقسوة و يُجبرها على البكاء و الصراخ و تشكيل الرَّقم من جديد، تضْرِبُ قلبها و تُعيدُ تشغيل الأغنية من جديد … تسمعُها فقط، تُعطِّلُ حواسها و لا تبْكْي … لم يعُدْ هنالكَ دمعٌ في العيون !
“هي قسمة وأنتَ ما ما مَقْسُومْلِي !”
—