النص :
“جُثّتِي تَتَجمّد بِبطء فِي ثلاجَة المَوتى، انتَحَبت قلوبهُم الصَّخريّة التِّي نَسيت أن توارِيني التُّراب.
هَمس أحدهُم : نَنتظِر علّهُم يتذكَّروه … مُتنكِّرا خَرجت أبحَث عَن وَرِيث”
نبذة عن الكاتبة
“من مواليد الثامن من إبريل عام1983
حاصلة على شهادة الماجستير أدب جزائري حديث ومعاصر من جامعة منتوري بقسطنطينة سنة2010
بصدد تحضير مذكرة الدكتوراه في الأدب الجزائري
أستاذة مساعدة بجامعة محمد الصديق بن يحيى جيجل الجزائر
لديها:
مجموعة قصصية مخطوطة .
نشرت عدة قصص قصيرة في الجرائد الجزائرية .
مجموعة الكترونية في القصة القصيرة جدا عن دار كتابات جديدة للنشر الالكتروني بعنوان{غابرون} .
تكتب القجج .
نشرت العديد من النصوص في مجلات وجرائد عربية”
“جُثّتِي تَتَجمّد بِبطء فِي ثلاجَة المَوتى، انتَحَبت قلوبهُم الصَّخريّة التِّي نَسيت أن توارِيني التُّراب.
هَمس أحدهُم : نَنتظِر علّهُم يتذكَّروه … مُتنكِّرا خَرجت أبحَث عَن وَرِيث”
سردت الكاتبة قصتها على لسان أحد المرضى الذي ظنه الأطباء ..ومن يساعدهم في غرفة العمليات..ميتا فوضعوه في ثلاجة الموتى .
وقد وفقت الكاتبة في سرد قصتها على لسان أحد المرضى..
وذلك لغرض التأكيد أنه ما زال حيا .
يحس بالأثر الأليم لوضعه في ثلاجة الموتى دون أدنى رحمة أو شفقة .
{جُثّتِي تَتَجمّد بِبطء فِي ثلاجَة المَوتى}.
حتى مع الوهم الذي اعتقدوه حقيقة وهو ظنهم موته نسوا أن يدفنوه ويواروه التراب .
وقد أبدعت الكاتبة مريم بغيبغ الجزائر حين نعتت ووصفت قلوبهم بهذا الوصف البديع الذي يدل على شدة قسوتهم على بني آدم من المرضى ذوي الحالات الحرجة{الصخرية}
{انتَحَبت قلوبهُم الصَّخريّة التِّي نَسيت أن توارِيني التُّراب} .
ولعل هذا الوصف يذكرنا بقول الله عز وجل في سورة البقرة
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.. [البقرة : 74].
– لماذا ذكر الحق سبحانه وتعالى القلب ووصفه بأنه يقسو ولم يقل نفوسكم لأن القلب هو موضع الرقة والرحمة والعطف.. وإذا ما جعلنا القلب كثير الذكر لله فإنه يمتلئ رحمة وعطفا.. والقلب هو العضو الذي يحسم مشاكل الحياة.. فإذا كان القلب يعمر باليقين والإيمان.. فكل جارحة تكون فيها خميرة الإيمان.
وحتى نعرف قوة وقدرة وسعة القلب على الإيمان واحتوائه أوضح الله تعالى هذا المعنى في كتابه العزيز حيث يقول: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.. [الزمر: 23].
وهكذا نرى أن الجلود تقشعر من هول الوعيد بالنار.. ومجرد قراءة ما ذكره القرآن عنها.. وبعد ذلك تأتي الرحمة، وفي هذه الحالة لا تلين الجلود فقط ولكن لابد أن تلين القلوب لأنها هي التي تعطي اللمحة الإيمانية لكل جوارح الجسد.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
إذن فالقلب هو منبع اليقين ومصب الإيمان، وكما أن الإيمان في القلب فإن القسوة والكفر في القلب.. فالقلب حينما ينسى ذكر الله يقسو.. لماذا؟.. لأنه يعتقد أنه ليس هناك إلا الحياة الدنيا وإلا المادة فيحاول أن يحصل منها على أقصى ما يستطيع وبأية طريقة فلا تأتي إلا بالظلم والطغيان وأخذ حقوق الضعفاء، ثم لا يفرط فيها أبدا لأنها هي منتهى حياته فلا شيء بعدها.
إنه يجد إنساناً يموت أمامه من الجوع ولا يعطيه رغيفا.. وإذا خرج الإيمان من القلب خرجت منه الرحمة وخرج منه كل إيمان الجوارح.. فلمحة الإيمان التي في اليد تخرج فتمتد اليد إلى السرقة والحرام.. ولمحة الإيمان التي في العين تخرج فتنظر العين إلى كل ما حرم الله. ولمحة الإيمان التي في القدم تخرج فلا تمشي القدم إلى المسجد أبدا ولكنها تمشي إلى الخمارة وإلى السرقة.. لأنه كما قلنا القلب مخزن الإيمان في الجسم.
ويشبه الحق تبارك وتعالى قسوة قلوبهم فيقول: {فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}.. الحجارة هي الشيء القاسي الذي تدركه حواسنا ومألوف لنا ومألوف لبني إسرائيل أيضا.. لأن لهم مع الحجارة شوطا كبيرا عندما تاهوا في الصحراء.. وعندما عطشوا وكان موسى يضرب لهم الحجر بعصاه.
الله تبارك وتعالى لفتهم إلى أن المفروض أن تكون قلوبهم لينة ورفيقة حتى ولو كانت في قسوة الحجارة.
ولكن قلوبهم تجاوزت هذه القسوة فلم تصبح في شدة الحجارة وقسوتها بل هي أشد.
ولكن كيف تكون القلوب أشد قسوة من الحجارة.. لا تنظر إلى ليونة مادة القلوب ولكن انظر إلى أدائها لمهمتها.
الجبل قسوته مطلوبة لأن هذه مهمته أن يكون وتداً للأرض صلبا قويا، ولكن هذه القسوة ليست مطلوبة من القلب وليست مهمته.. أما قلوب بني إسرائيل فهي أشد قسوة من الجبل.. والمطلوب في القلوب اللين، وفي الحجارة القسوة.. فكل صفة مخلوقة لمخلوق ومطلوبة لمهمة.. فالخطاف مثلا أعوج.. هذا العوج يجعله يؤدي مهمته على الوجه الأكمل.. فعوج الخطاف استقامة لمهمته.. وحين تفسد القلوب وتخرج عن مهمتها تكون أقسى من الحجارة.. وتكون على العكس تماما من مهمتها.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماء}.. [البقرة: 74].
هنا يذكرهم الله لما رأوه من الرحمة الموجودة في الحجارة.. عندما ضرب موسى الحجر بالعصا فانفجرت منه العيون. وذلك مثل حسي شهدوه. يقول لهم الحق جل جلاله: أن الرحمة تصيب الحجارة فيتفجر منها الأنهار ويخرج منها الماء ويقول سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله}.
إذن فالحجارة يصيبها اللين والرحمة فيخرج منها الماء. ولكن قلوبكم إذا قست لا يصيبها لين ولا رحمة فلا تلين أبدا ولا تخشع أبدا. والله سبحانه وتعالى نزل عليكم التوراة وأعطاكم من فضله ورحمته وستره ومغفرته الكثير.. كان المفروض أن تلين قلوبكم لذكر الله.
ولكن ما الفرق بين تفجر الأنهار من الحجارة وبين تشققها ليخرج منها الماء؟ عندما تتفجر الحجارة يخرج منها الماء. نحن نذهب إلى مكان الماء لنأخذ حاجتنا.. ولكن عندما تتفجر منها الأنهار فالماء هو الذي يأتي إلينا ونحن في أماكننا.. وفرق بين عطاء تذهب إليه وعطاء يأتي إليك.. أما هبوط الحجر من خشية الله فذلك حدث عندما تجلى الله للجبل فجعله دكا. واقرأ قوله تعالى: {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً}.. [الأعراف : 143].
يذكرهم الحق سبحانه كيف أن الجبل حين تجلى الله له هبط وانهار من خشية الله. وهكذا لا يعطيهم الأمثلة مما وقع لغيرهم، ولكن يعطيهم الأمثلة مما وقع لهم.
وقوله تعالى: {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} أي تذكروا أن الله سبحانه وتعالى لا يغيب عنه شيء وأن كل ما تعملونه يعرفه وأنكم ملاقوه يوم القيامة ومحتاجون إلى رحمته ومغفرته، فلا تجعلوا قلوبكم تقسو حتى لا يطردكم الله من رحمته كما خلت قلوبكم من ذكره-
وقد وفقت الأديبة المبدعة مريم بغيبغ الجزائر
حين جعلت المريض الذي وضعوه في ثلاجة الموتى يحس بكل شيء حوله من المهملين في حقه المتواطئين ضد إنسانيته .
فخرج متنكرا يبحث عن وريث .
“هَمس أحدهُم : نَنتظِر علّهُم يتذكَّروه … مُتنكِّرا خَرجت أبحَث عَن وَرِيث”
ولكنها وللأسف لم توفق لغويا في قولها:{ علّهُم يتذكَّروه }..فالصواب أن تقول:{ لعلّهُم يتذكَّرونه}فالفعل{يتذكَّرونه}فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة مرفوع لأنه لم يسبقه ناصب ولا جازم وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة .
ولا يمنع هذا الخطأ اللغوي البسيط أن أشيد بالكاتبة المبدعة الأديبة الراقية مريم بغيبغ الجزائر .
التي فجرت قضايا إنسانية غاية في الأهمية من خلال قصة قصيرة جدا .
—