تعود جذور الكرنفالية الى عام 1954 الا ان الجميع يعزو الى المنظر الروسي ميخائيل باختين في اطروحته في ثلاثينيات القرن الماضي عن روائي عصر النهضة (فرانسوارا بيليه) والتي ظهرت في الستينيات,وتمثل الكرنفالية حياة مقلوبة وعالم معكوس ذو سمات جمالية خاصة به لتزيح كل ما ينظم ويقنن الحياة الاعتيادية، فالقوانين تقع خارج الحياة الكرنفالية وتلغي بالدرجة الاولى نظام الألقاب والمراتب الاجتماعية من أشكال الخوف والتبجيل والخضوع وآداب السلوك فهي تلجأ الى نسف كل الفوارق الاجتماعية وجميع أشكال التمايز الاخرى والغاء كل المسافات الفاصلة بين الناس، حيث تنشد الاتصال الحر البعيد عن الكلفة بين الناس، ليشكل عنصرا من عناصر بناء الموقف الكرنفالي الذي يقيم صلات حرة بين الذوات الامر الذي يتعذر اختراقه في الحياة الواقعية , ويعد سعد الله ونوس من رواد المسرح العربي الذين رفضوا الصيغ المسرحية الجاهزة داعيا إلى مسرح شعبي فعال يشتغل على التجريب والتفاعل اليومي مع الجمهور ,مسرح يعي الصراعات الدائرة حوله ويوضح هذه الصراعات ويكشفها ويحدد طبيعتها وصولا إلى التغير,فضلا عن اهتمامه بالسلطة الشمولية فراح يفكك بنيتها ويشرحها ليكشف عن مكوناتها والية عملها ومراكز اتخاذ القرار فيها والكشف عن سلبية الطبقات الشعبية المسحوقة , فكتب مسرحية ( الملك هو الملك ) وتقوم فرقة الانشاد في هذا النص بما يشبه الاحتفالية الكرنفالية التي تمجد السلطة ظاهرا وتطيح بما تقوم به وتسخر باطنا وبشكل جماعي فهي تنشد بالمولى الكريم الآتي من النسل العظيم وحركتها حركة آلية تعطي انطباعا اجوف مما يبوح بالمسكوت عنه من جفاء بينها والشعب الفقير , الذي تختلط ثقافته وثقافة القصور في مكان واحد, وحينما يفكر الملك ان يتنكر الى رجل عادي ويقابل ذلك الرجل العادي يصبح ملكا لمجرد ان حياته المملة غاصت في وحل الضجر فانها قمة الفوضوية وسحق الحواجز الطبقية التراتبية لتندمج الثقافة الرسمية بالشعبية, ويكون الاحتفال الكرنفالي موسوما بالفوضوية المفرطة التي تجمع المتضادات ( الملك /الرجل العادي المفلس) , ( الوزير/خادم ابي عزة),كي تمارس الاقنعة دورها في خلق (ابو عزة ) ملكا والملك رجلا عاديا ليحدث فاعلية التغيير في الوجود من خلال قلب الاضداد فترسم حياة مقلوبة وعالم معكوس ذو سمات جمالية تزيح كل ماينظم ويقنن الحياة الاعتيادية فابو عزة أزاح كل القوانين والانظمة التي كانت تحكمه واصبح هو الحاكم فالقوانين تقع خارج عالمه الكرنفالي الجديد, اراد الملك من تلك اللعبة التغيير والعبث والسخرية لنهار كامل وحين يأتي المساء يعود كل شيء الى سابقه ليؤكد للناس الفرق الشاسع بين الطبقة الرسمية والشعبية , ففي تصوره ان ابا عزة سيرتبك ويتيه في امساك المملكة, الا ان الذي حصل العكس واثبتت الكرنفالية التحول والتغير وسحق الفوارق الاجتماعية واندماج الثقافات في حكم ابو عزة وزوال حكم الملك الحقيقي , فابو عزة لايحتاج الى الوقت لانه في عالم كرنفالي الزمان فيه حر يجد الانسان فيه ضالته, كما ان شخصية محمود ( الوزير السابق) خرج من ظلمته وافرغ ما بداخله دون أي تكلفة اتجاه الملك , فهي اللحظة الراهنة التي حطمت كل القوانين والحياة المقننة في وجوب الصمت , فصرخ بالمسكوت عنه واعلى صوته ورغبته في زمان ومكان حر , حيث تعامل مع الملك على انه نادل كما هو الحال بالنسبة اليه لتلغى الفوارق التراتبية بين الملك ووزيره بعد ان لبسا اقنعة التنكر كنادلين لتمارس الاقنعة دورها في الخلق والتغيير , وبذلك فانه مارس سخرية من السلطة واعظم رجالها , ليمثل حواره مع الملك عالما يتسم بالتحدي والمشاركة الانسانية التلقائية اذ ثار ضد قيود ملكه وتحدث اليه عما يجول في خاطره بكل بساطة ووضوح , اما عزة فيصدح حلمها بصوت مرتفع حين تأمل انقضاء الشقاء فالامل هنا للجميع تذوب الكرنفالية الانا في النحن مما يجعل الحياة مضطربة الحركة جماعية تتوالى فيها الاصوات وتتعدد وبشكل جمعي فهي دعوة كرنفالية للتغيير والتحرر عن طريق الثورة الجماعية بغية تنسيق القيم الرسمية في مملكتهم بما يتجاوب ورغبتهم في انهاء شقائهم ونيل الزمان والمكان الحر المفتوح حيث يجدوا ضالتهم في اعلاء اصواتهم وامالهم , ولن يتم ذلك الا بالثورة والتغيير كما هو الحال في دعوة (عبيد ) الشرسة , وهنا تكمن السخرية من رجال السلطة , فالشيخ طه هو احد رجال الدين الموالين للسلطة ذو الذمة المتسخة باكل اموال اليتامى ليظهر التضاد بين المقدس ظاهرا والمدنس الخفي , فالشيخ العظيم هو الخائن الوضيع والذمة الواسعة باكل اموال اليتامى مما قضى على البنية العظيمة لذاته وازال طبقيتها بمساواتها مع هكذا بني انسانية وضيعة , ويظهر الاحتقار من رجال السلطة واضحا في اهانة عرقوب للندمان الجديدان ( الملك-مصطفى-والوزير-محمود) بعد ان سأله الملك ابو عزة عن غنائهما , فقد استخدم عرقوب لغة كرنفالية مهينة تمثل الشهوة الجسدية المتجسدة بلفظي المجون والخلاعة والمحاكلة الساخرة المتمثلة بالعاب المهارة والشطارة ليحيل الملك ووزيره الى مهرجان احمقان وجدا لأضحاك الآخرين, فيؤكد على القبيح مع التورية اللفظية وضرب المركزية المتمثلة بالملك, لتمارس الكرنفالية دورها في تنصيب الاقنعة والخلق وتبرز الفاعلية في احداث التغير العميق, اذ يحتار الملك الحقيقي بينه وبين ابي عزة ليتيه الحقيقي بالمزيف , والحلم بالواقع.