لا احد من مثقفي وباحثي العراق، حتى ممن يُعدون من اشد المتحمسين والمناصرين للتجربة الديمقراطية العراقية ونظامها الوليد، يستطيع ان يدعي ان السياسيين في العراق الجديد يطبقون الديمقراطية ومبادئها ومتبنياتها بحذافيرها وكما هي معمول بها في العالم الغربي الذي تنتقل فيه السلطة من شخص الى أخر، عبر صناديق الاقتراع، خلال ايام لاتتعدى الاسبوع ان لم اقل ساعات.
ومع انه لا يغيب عن ذهني ان هؤلاء السياسيين، انصافا لهم، معذورون كل العذر في هذا الامر، فهم قد عاشوا في بيئة عربية غاطسة حتى اذنيها في عفونة الانظمة الشمولية التي تحصي انفاس مواطنيها، وهم لهذا لم يجربوا واقعيا مبادئ الديمقراطية ومفاهيم الانتخاب ومصطلحات التعددية السياسية والانظمة البرلمانية وفصل السلطات وحريات الصحافة والتعبير بل ظل العديد منهم يقرءها في ادبيات الاحزاب او يراها في العالم الغربي من غير ان يجد الفرصة الملائمة لكي يمارسها في بلاده .
وقد تسنى للشعب العراقي سقوط نظام صدام عام 2003 على يد القوات الامريكية الوصول الى تخوم الديمقراطية والتعرف على اشكالها والوقوف على معطياتها وتجسيد تمظهراتها وتجربتها على نحو عملي بعيدا عن التنظير والتحليل والدراسات التي لاتوجد الا في الكتب والابحاث التي كتبها بعض المعارضين لصدام حينما كانوا ينتقدون دكتاتوريته والاشكال والاليات التي كان يقود بواسطتها دفة الحكم .
وقد قام الرئيس جلال طالباني بدعوة الكتل السياسية ” الفائزة” لحضور لقاء في قصر السلام يوم الخميس الفائت من اجل كسر الجليد السياسي في المواقف بين هذه الكتل السياسية و” خلق أرضية ملائمة للحوار وتبادل الآراء في جو يسوده التفاهم والحوار الجدي بين الكتل الفائزة للاتفاق على رؤى مشتركة وإيجاد آلية مناسبة حول تركيبة وطبيعة الحكومة المقبلة ” كما نص على ذلك البيان الرئاسي الذي صدر الثلاثاء 18-5-2010 ، ، وهي خطوة طيبة لــ” تعزيز المصالحة بعد انتخابات البلاد المثيرة للجدل ” على حد تعبير الكاتب ستيفن لي ماير في مقالته المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية في نفس يوم الاجتماع .
وليس من شك في ان مثل هكذا مبادرات يقوم بها قادة كبار بحجم جلال طالباني يمكن ان تساهم في تجسير الهوة السايكولوجية بين الفرقاء السياسيين وازالة الحواجز الحقيقية والوهمية بينها من اجل تشكيل الحكومة الموعود بها الشعب العراقي، لكن لاحظ الكثير من المراقبين حضور العديد من السياسيين للمأدبة ممن خسروا في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل أكثر من شهرين في حين أن اللقاء كان للقوى الفائزة في الانتخابات.
قد يعترض بعض من هؤلاء الخاسرين ليقول لنا بانهم استجابوا الى دعوة الرئيس جلال طالباني، ومن غير المنطقي ولا الاخلاقي ان لايستجيب لها، وعلى الرغم من عدم علمي بحيثيات وتفاصيل الدعوات الموجهة ولمن كانت بالضبط، الا هذا الجواب يتعارض مع البيان الذي صدر من المكتب الاعلامي لرئيس الجمهورية الذي جاء فيه” من المقرر أن يجمع فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني يوم الخميس القادم المصادف 20-5- 2010 قادة الكتل الفائزة ومجموعة من أعضاء هذ الكتل والقوى في قصر السلام ببغداد”، فالدعوة موجهة اصلا لقادة الكتل الفائزة، كما يشير البيان، وليس الى شخصيات سياسية خسرت الانتخابات وخرجت من سباقه ولم تصبح اعضاء في مجلس النواب.
وحتى لو فرضنا جدلا ان الرئيس طالباني قد وجه دعوات مختلفة لشخصيات وكتل سياسية خاسرة لحضور المأدبة، من منطلق كونه السياسي المخضرم المعروف بكياسته واخلاقه ودبلوماسيته العالية حتى مع المخالفين له في الافكار، فكان من الاجدر للكيانات السياسية ان لا تحضر معها بعض من شخصياتها الخاسرة التي لم توفق للحصول على ثقة الشعب العراقي بل تحضر ومعها الشخصيات الفائزة حتى يمكن ان يكون لهم الحق في الحديث عن مستقبل العملية السياسية وعملية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة .
ان مبرر حديثي هذا يكمن في ان العملية السياسية في العراق لاتحتمل ان يكون للجميع رأي في تشكيلها والا لما كان بالامكان حدوث ذلك بعد عدة اشهر خصوصا مع وجود بعض من السياسيين ممن “يجر طول وعرض”. فالانتخابات التي جرت قد افرزت اربعة قوائم كبيرة هي العراقية ودولة القانون والائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني وهي التي لها الحق، دون غيرها، ان تشارك في مشاروات تشكيل الحكومة المقبلة وآليات هذه العملية ومقتضياتها، اما ان ياتي الخاسرون الى الاجتماع من اجل ان يطالبوا بحصة او يكون لهم راي يتعارض مع راي الفائزين، فهذا امر غير مقبول ولامعقول، ولن يقود الى تشكيل الحكومة لا الان ولاغدا ولا بعد غد .
الرغبة في عدم حضور من خسروا في الانتخابات العراقية لا يتأتى من وهم التقليل من قيمتهم الشخصية ولايقع في مجال الاخلاق ومعطياته حتى يجد بعض منهم في مقالي غضاضة او ربما اهانة لهم، بل تنبع هذه الرغبة في حصر قضية تشكيل الحكومة باقل عدد ممكن من العناصر والشخصيات حتى يمكن ان تتكون هذه الحكومة باسرعة وقت وبجهد اقل، وهي حقيقة معروفة لاتحتاج لجدل اذ ” ان الطباخين الكثر يفسدون عملية صنع الحساء ” كما يقول المثل الشهير .
اننا نظن انه لايمكن لاحد الحق في الحديث، باي حال من الاحوال، عن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة ان كان هذا الشخص لم يحصل على مقعد في الانتخابات ولم يستطع ان يمثل مكونا او فئة من مكونات او فئات الشعب العراقي ، فهذه هي قواعد الديمقراطية وهذا هو الحال الذي ينبغي ان يكون الوضع الصحيح في عراق يسير بهداوة، وتحت الغام وتفجيرات الارهابيين، في طريقه نحو بناء دولة ديمقراطية فيدرالية .
مهند حبيب السماوي
alsemawee@gmail.com
ومع انه لا يغيب عن ذهني ان هؤلاء السياسيين، انصافا لهم، معذورون كل العذر في هذا الامر، فهم قد عاشوا في بيئة عربية غاطسة حتى اذنيها في عفونة الانظمة الشمولية التي تحصي انفاس مواطنيها، وهم لهذا لم يجربوا واقعيا مبادئ الديمقراطية ومفاهيم الانتخاب ومصطلحات التعددية السياسية والانظمة البرلمانية وفصل السلطات وحريات الصحافة والتعبير بل ظل العديد منهم يقرءها في ادبيات الاحزاب او يراها في العالم الغربي من غير ان يجد الفرصة الملائمة لكي يمارسها في بلاده .
وقد تسنى للشعب العراقي سقوط نظام صدام عام 2003 على يد القوات الامريكية الوصول الى تخوم الديمقراطية والتعرف على اشكالها والوقوف على معطياتها وتجسيد تمظهراتها وتجربتها على نحو عملي بعيدا عن التنظير والتحليل والدراسات التي لاتوجد الا في الكتب والابحاث التي كتبها بعض المعارضين لصدام حينما كانوا ينتقدون دكتاتوريته والاشكال والاليات التي كان يقود بواسطتها دفة الحكم .
وقد قام الرئيس جلال طالباني بدعوة الكتل السياسية ” الفائزة” لحضور لقاء في قصر السلام يوم الخميس الفائت من اجل كسر الجليد السياسي في المواقف بين هذه الكتل السياسية و” خلق أرضية ملائمة للحوار وتبادل الآراء في جو يسوده التفاهم والحوار الجدي بين الكتل الفائزة للاتفاق على رؤى مشتركة وإيجاد آلية مناسبة حول تركيبة وطبيعة الحكومة المقبلة ” كما نص على ذلك البيان الرئاسي الذي صدر الثلاثاء 18-5-2010 ، ، وهي خطوة طيبة لــ” تعزيز المصالحة بعد انتخابات البلاد المثيرة للجدل ” على حد تعبير الكاتب ستيفن لي ماير في مقالته المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية في نفس يوم الاجتماع .
وليس من شك في ان مثل هكذا مبادرات يقوم بها قادة كبار بحجم جلال طالباني يمكن ان تساهم في تجسير الهوة السايكولوجية بين الفرقاء السياسيين وازالة الحواجز الحقيقية والوهمية بينها من اجل تشكيل الحكومة الموعود بها الشعب العراقي، لكن لاحظ الكثير من المراقبين حضور العديد من السياسيين للمأدبة ممن خسروا في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل أكثر من شهرين في حين أن اللقاء كان للقوى الفائزة في الانتخابات.
قد يعترض بعض من هؤلاء الخاسرين ليقول لنا بانهم استجابوا الى دعوة الرئيس جلال طالباني، ومن غير المنطقي ولا الاخلاقي ان لايستجيب لها، وعلى الرغم من عدم علمي بحيثيات وتفاصيل الدعوات الموجهة ولمن كانت بالضبط، الا هذا الجواب يتعارض مع البيان الذي صدر من المكتب الاعلامي لرئيس الجمهورية الذي جاء فيه” من المقرر أن يجمع فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني يوم الخميس القادم المصادف 20-5- 2010 قادة الكتل الفائزة ومجموعة من أعضاء هذ الكتل والقوى في قصر السلام ببغداد”، فالدعوة موجهة اصلا لقادة الكتل الفائزة، كما يشير البيان، وليس الى شخصيات سياسية خسرت الانتخابات وخرجت من سباقه ولم تصبح اعضاء في مجلس النواب.
وحتى لو فرضنا جدلا ان الرئيس طالباني قد وجه دعوات مختلفة لشخصيات وكتل سياسية خاسرة لحضور المأدبة، من منطلق كونه السياسي المخضرم المعروف بكياسته واخلاقه ودبلوماسيته العالية حتى مع المخالفين له في الافكار، فكان من الاجدر للكيانات السياسية ان لا تحضر معها بعض من شخصياتها الخاسرة التي لم توفق للحصول على ثقة الشعب العراقي بل تحضر ومعها الشخصيات الفائزة حتى يمكن ان يكون لهم الحق في الحديث عن مستقبل العملية السياسية وعملية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة .
ان مبرر حديثي هذا يكمن في ان العملية السياسية في العراق لاتحتمل ان يكون للجميع رأي في تشكيلها والا لما كان بالامكان حدوث ذلك بعد عدة اشهر خصوصا مع وجود بعض من السياسيين ممن “يجر طول وعرض”. فالانتخابات التي جرت قد افرزت اربعة قوائم كبيرة هي العراقية ودولة القانون والائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني وهي التي لها الحق، دون غيرها، ان تشارك في مشاروات تشكيل الحكومة المقبلة وآليات هذه العملية ومقتضياتها، اما ان ياتي الخاسرون الى الاجتماع من اجل ان يطالبوا بحصة او يكون لهم راي يتعارض مع راي الفائزين، فهذا امر غير مقبول ولامعقول، ولن يقود الى تشكيل الحكومة لا الان ولاغدا ولا بعد غد .
الرغبة في عدم حضور من خسروا في الانتخابات العراقية لا يتأتى من وهم التقليل من قيمتهم الشخصية ولايقع في مجال الاخلاق ومعطياته حتى يجد بعض منهم في مقالي غضاضة او ربما اهانة لهم، بل تنبع هذه الرغبة في حصر قضية تشكيل الحكومة باقل عدد ممكن من العناصر والشخصيات حتى يمكن ان تتكون هذه الحكومة باسرعة وقت وبجهد اقل، وهي حقيقة معروفة لاتحتاج لجدل اذ ” ان الطباخين الكثر يفسدون عملية صنع الحساء ” كما يقول المثل الشهير .
اننا نظن انه لايمكن لاحد الحق في الحديث، باي حال من الاحوال، عن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة ان كان هذا الشخص لم يحصل على مقعد في الانتخابات ولم يستطع ان يمثل مكونا او فئة من مكونات او فئات الشعب العراقي ، فهذه هي قواعد الديمقراطية وهذا هو الحال الذي ينبغي ان يكون الوضع الصحيح في عراق يسير بهداوة، وتحت الغام وتفجيرات الارهابيين، في طريقه نحو بناء دولة ديمقراطية فيدرالية .
مهند حبيب السماوي
alsemawee@gmail.com