عبد الزهرة خالد :
الموتى هم الوحيدون
يتنعمون بالصمتِ الرهيب
لا تهزّهم نبرةُ نحيبٍ ولا رشة ماءٍ بارد
يتحسسون نعومةَ الظلام
يتلذذون بعتمةِ اللّيل
يصدّون عن جماجمهم كفوفَ الشمس
لا يقومون في الفّجرِ مبكرين وإن أيقظهم بوقُ الندى
يتعاطون أقراصَ الموتِ الممنوعة
تحت مرأى ومسمع الحرّاس
يهربون من الصحو ألف ميل
ينسجون من ورودِ النعيمِ أحلاماً بلونِ بياض الكفن
لحورياتهم الواقفاتِ أمام أبوابهم
يسعون ألا يصلّون ولا يصومون
لا يراقبون هلالَ الفطر
يحملون كؤوسَ الخمرِ شبه فارغة
يرددون نريد المزيد … نريد الترنح حد سدرة المنتهى
ضاعت عليهم فرصة الراحة
في البحثِ عن الوجوه
بين لوائح التقديم والتعارف من جديد .
هناك ترقوتان ترتديان التراب
تذودان … تنتظران حتى يصدر الرعاع
وعظمهما قوسٌ نحيل
يهدي سواءَ السبيل
لمن يعرف المصير
قلتُ في نفسي
لِمَ لا أحاورهما
وأفوزَ بصفير ظلٍّ طويلٍ عتيق
عرفتُ مؤخراً أنّ ظلّالَ الغيوم
بالكاد تكفي النعيم
عندهم زمهرير شديد ودفءٌ لا يُطاق
والغيث في المدينة
كالسلسبيل ..
على مشارفِ القصيدة
انبلج الظمأ
وارتعشت العروق
الحديث هواءٌ في شباكٍ أو هراءٌ في قفصٍ من حديد
أنّه لا يدرك طينةَ التكوين في زمنٍ لا يعرفه إلا الموتى .