سفيان بوزيد:
لم يكن بيننا الكثير من الزمان للتلاقي ، للمحادثات الروتينيّة ، قابلتها اوّل مرة في مجلس احدى المحاكم بالعاصمة ، كانت لديّ جلسة بعد القبض عليّا بتهمة ترويج المخدرات ، كانت ترافع على احد رجال الامن بعد اتهامه بقتل احد اعضاء عصابة المخدرات التي كنت عضوا فيها …
كنت منهكاَ بسبب حصص الاستجواب ، و المتعب اكثر انّي تركت زوجة شّابة و رضيعة ، في تلك المفاوضات بيني و بينهم طلبت ان يتركوا قلادتي الحاملة لصورهنّ مقابل ان امنحهم معلومات حول تورطّ رجالات من الدولة في تهريب المخدّرات ، تركوا لي صورهنّ في قلادتي و يبدوا انهم ّ اخطئوا في تقدير كم تمنحني تلك الصور من قدرات جسديّة و نفسيّة على التحمّل .
في تلك المحكمة ، كنت جالسا و يديّ مكبلتين بالأصفاد ، فضيّة اللون ، قاسية على معصميّ ، بدوت اجمل هكذا قالت لي زوجتيّ بعد نظرات طويلة الى عينيّ ، ما احلى عيناك الخضراوتين ، كم هما صافيتين عزيزي …قاطع تغزلها بي اعلان المحكمة ، وقف الجميع للقاضي ، كان الحضور رهيبا ، الانفاس منقطعة بانتظار اعلان بداية المحاكمة ، رأيت اعضاء عصابتي مبتسمين لي ، فارتحت ، ” صحيح ان الامور معقدّة بعض الشيء لكنّها ستسير بسلالة ، كالعادة ،” هكذا همس في اذني رئيس فريق المحامين خاّصتنا .
محامية برداء عملها الاسود ، شعرها الاسود الطويل ، غير مرتبّ ، يبدو انّها متعبة من القضيّة ، كما يبدو انّها لم تنم جيّدا البارحة ، من الممكن انّها كانت تعدّ حججها اللازمة و الدلائل لتبرئة ذلك البوليس القاتل ، من الممكن انهّا دخنت الكثير ، و احتست الكثير من القهوة ، كان التعب باديا على وجهها و الاضطراب باديا عليها ، حاولت اخفاء ذلك رغم ان يدها كانت ترتعش الاّ انّها بدت مستعدّة للترافع ، كنت اتابع بتفاصيل تحركاتها و ملامح وجهها …
استاذة نادرة تفضليّ بالمرافعة ، تتقدم الى القاضي ، مسلمّة اياه الكثير من الملفاتّ ، و حاملات التسجيلات من DVD و جهاز حاسوب ،يبدو ان عملها كان صعبا في تجميع القرائن ، تنطلق في المرافعة ، كأنها في احدى مسارح الاغريق القدامى ، وضعت مساحة من الرقص بالكلمات ، متقنة اللغة العربيّة جيّدا ، بدت لي فصيحة اكثر من المحاكمات السابقة، اتابع باهتمام بالغ تحركّاتها ، كيف لا و انا الذي درّست مطولاّ تقنيات التواصل ، كانت تستعرض نفسها امامي ، لم ألاحظ انّها مهتمة بالمرافعة اكثر من اهتمامها باستعراض لغتها الغالبة عليها الشعريّة اكثر من لغة القانون الركيكة ، كانت تهتز بجوارحها امام القاضي و تدور تارة للجمهور و بين الفينة و الاخرى تسترق نظرات الّي مبتسمة ، لم افهم سرّها الاّ بعد الكثير من المرافعات …
رفعت الجلسة ، يستعدّ البوليس لاخراجنا من قاعة المحكمة ، كنّا منهكين ، لم نبق الاّ نحن و محامينا ، آتت الينا المحامية و قد بلغت منها التعب الكثير ، طلبت من رئيس فريق الدفاع ان يمنحها قارورة مياه ، شربت ، كانت قطرات الماء تسقط من شفتيها الحمراويتن نحو رقبتها البيضاء ، كان الامر مثيرا اليّ ، اعادت الى المحامي القارورة شاكرة … التفت الي ّ قائلة سيدّي ارجو لك البراءة بصوتها الرهيب الانثوي الصارم ، تعلق باذني صوتها ، اردت محادثتها اكثر ، لربمّا تحدثت اعيننا اكثر …