تعد المحاور الاساسية المحيطة بتاريخ العولمة الثقافية هي احد الاهتمامات الاساسية بتاريخ الدراسات (الكولونيالية) و (ما بعد الكولونيالية) شأنها في ذلك شأن كل الدراسات الأنثروبولوجية والأثنولوجية والثقافية هو إلقاء الضوء على محاولات ثقافات الحواف والهوامش ونضالها من اجل اعادة تحديدها في المركز وتشكيلها.
إن العولمة تطلع وتوجه ثقافي واقتصادي وسياسي تكنولوجي حضاري وتربوي تذوب فيه الحدود بين الدول , وقد تنوعت اشكال العولمة في عدة انواع منها العولمة الثقافية والفنية والعولمة الاقتصادية والعولمة السياسية والعولمة الاجتماعية حيث العمل على اشاعة التوجه نحو اقتصاد السوق ونشر المفاهيم الثقافية ونشر المعايير والقيم الغربية إن دراسة ما بعد الكولونيالية تعد جزءً من حقل النظرية الثقافية أو الدراسات الثقافية متعددة الفروع، وهو من الدراسات التي تعتمد عليها الدراسات الانثربولوجية والأثنولوجية والسوسيولوجية والنقد الأدبي، والتاريخية، والسياسية، والفلسفية من خلال تفحصه النصوص والممارسات المختلفة، وهي أي تلك الدراسات بأجماعها في (ما بعد الكولونيالية) تشكل تعزيزاً ستراتيجي للنقد.
فوجود الخطابات المختلفة في فترة الكولونيالية لا تصور كلها الشعوب والمجتمعات بطرق سلبية وهذا يعود الى الاختلاف في السياق الذي كتبت فيه نصوص بعينها ، فالثقافات التي قاومت التغلغل الاستعماري نعتت بالهمجية والمتخلفة مثلاً كان ذلك مبرراً للقضاء عليها , أما الثقافة التي رضيت بالحكم الكولونيالي وربما تعاونت مع السلطات الاستعمارية في إقامة المستعمرات فأنها كانت توصف عموماً بالثقافات المتحضرة ، ولا تزال هذه النظرة سائدة الى اليوم عبر ما يسمى بقانون تمجيد الاستعمار في الكثير من الدول والمشترك في كل دراسات ما بعد الكولونيالية هو ذلك الاهتمام لا بإنقضاء الحداثة الادبية بل بإعادة تحديد موقعها الثقافي.
في الدراسات الاثنولوجية يعتبر (الانسان) الخاضع للهيمنة عنصراً من الثقافة أو من المجتمع او من الحضارة ينتمي اليها ويتماهى معها ، كما إنه يعتبر من يراقبه بوصفه ممثلاً لمجموعة اخرى لثقافة اخرى بمسمع آخر حيث تبدو هذه كلها مناهضة له , فالعلوم الأثنولوجية على وجه الخصوص كانت بعضاً منها دراسات ميدانية وقد تتحول في بعض الظروف التاريخية والثقافية مليئة بالصراعات الى نظرة محدودة وهذا ما نلاحظه في ظروف اطار الهيمنة الكولونيالية , فالأثنولوجيا في الشعوب الافريقية او الهنود الحمر الامريكية اذ تحول رمزياً الثقافات التي قبلت عنها كثقافات بدائية الى موضوع فحص ودراسة وتنقيب وقد فسر مثل هذه الثقافات باعتبارها اجتراراً نتيجة الوجه العقلي للسيطرة الكولونيالية. أما في إطار الأثنولوجيا فأن المسافة الثقافية كبيرة جداً ، فالثقافة العلمية والتكنولوجية بين مجتمع يخضع للمراقبة قد حالت دون الجهة المفتوحة والعنيفة بين ثقافة الذات الفاعلة وبين ثقافات لأغراض مواجهة الموقف الاستقصائي بين الثقافات الشفوية البدائية وبين القارة الغربية الحديثة محملة بتقنياتها وتفاعلاتها التكنولوجية وبتفوق قوتها اللامرئية , فالأثنولوجيا كانت تعبيراً عن نظرة غريبة مع وقوعها للنقد من جانب بعض مثقفي العالم الثالث ولأنها كانت من عمل الغرب , فالأثنولوجيا هذه كانت عبارة عن ثقافات هامشية بنظرة القارة الغربية على ثقافات تلك الشعوب بالمعنى الذي أراده الغرب وكانت تدخل دون امل لها بالعودة في مدار هذه الحضارة. فليس التفكير في العلاقات بين الثقافات موضوعاً جديداً على النقاش العلمي والايدولوجي العالمي ، فقد صاغت الأثنولوجيا مفاهيم عديدة وقوية لفهم الآليات التي تحكم صراع الثقافات او تفاعلها ومن هذه المفاهيم العديدة مفهوم ( التثاقف )(Acculturation)الذي سيطر على أبحاث العلماء الاثنولوجيين في الحقبة الماضية ، ومفهوم (الاستلاب) (Alienation) الذي سبقه والذي ارتبط بتحليل الاثار السلبية العميقة التي تركتها الحقبة الكولونيالية ، وفي فترة لاحقة وعلى هامش هذين المفهومين العلميين تكاثرت الابحاث التي تتحدث عن الهيمنة الثقافية والامبريالية الثقافية بل اكثر من ذلك عن الغزو الثقافي ، فهل تدخل الآثار التي ستتركها العولمة على الثقافات البشرية في اطار هذه المفاهيم المتداولة والسابقة عليها ام انها تحتاج الى تطوير مفاهيم جديدة أكثر ملائمة للاوضاع الناشئة عن دمج العالم اعلامياً واتصالياً واكثر فاعلية اجرائية في فهم مستقبل العلاقات بين هذه الثقافات . والى جانب العولمة المعاصرة التي أسهمت في اشكال الصراع الثقافي والبحث بطبيعة الأثنولوجيا الثقافية بهدف الخروج برؤية اكثر وضوحاً من خلال استكشاف قضايا مثل كيفية انتقال الثقافة عبر العالم وتأثيرها على احساسنا بالمكان وكجزء من تقصي الأثنولوجيا من خلال العلاقات المتبادلة بين الثقافة والمكان الذي سيتم تناول عدد من الموضوعات المتعلقة بذلك وبخاصة التدفقات الثقافية والنزوع عن الاقليمية وعبر الحدود الاقليمية والقومية واضافة الى ان الثقافة انها متعددة المركز . ان عولمة الأثنولوجيا تستكشف الشبكات الثقافية التي تتراكم بها وتندمج الثقافات الاخرى مع بعضها مما يؤكد ان الثقافات تختلط دائماً وتمتزج باختراقات مختلفة واشكال ثقافية اخرى تظهر كجزء من عملية بنائية مستمرة للمجتمعات وهذا يساعد في إبراز الأثنولوجيا المشتركة بين الثقافات المختلفة وان التمايز الثقافي يظل موجوداً جزئياً بسبب التواريخ الخاصة للثقافات المختلفة وكذلك بسبب النتائج المتعددة التي ستنجم عن الاختراقات المتبادلة بين الثقافات نتيجة دخول الافراد والجماعات بمواقف وميول ووجهات نظر ثقافية مختلفة. وإن فهمنا للاثنولوجيا باعتبارها ممتدة عبر المسافات في ثقافات اخرى وذلك من خلال ملاحظة كيف ان الثقافات تتغير عندما تنتقل وبالتحديد كيف يتم تبنيها وتكييفها وربما مقاومتها في أماكن مختلفة فمن خلال هذا الاسلوب في وجود تنويعات كثيرة للأثنولوجيا داخل ثقافات الشعوب . ولكي نفهم من خلال الثقافة فلا بد من تقص أوسع لهذا التاريخ .