الورقة المشاركة في جلسة اتحاد أدباء البصرة 25 كانون الثاني 2020
عبد الرزاق حسين : شاعر من البصرة: 1935
- كان من ضمن أدباء البصرة الذين قصدوا بغداد في 1959 للمشاركة في المؤتمر التأسيسي لاتحاد أدباء العراق.
*عمل َ في الصحافة البصرية منذ 1952، لايزال راتبه التقاعدي منذ 1976 (500) دينار عراقي فقط !!
*عن قصيدة( تُريد النوم) المنشورة في 1958، وعن الشاعر عبد الرزاق حسين، كتبَ الدكتور الناقد شجاع العاني: دراسة ً في الموسوعة الحضارية الصادرة عن جامعة البصرة (الموسوعة الحضارية)
*من الأكثر المهتمين بمنجزيه الثقافي : الشاعر والإعلامي محمد صالح عبد الرضا - قبل سنوات أصدرت(ذاكرة البصرة) ملفا خاصا عن الشاعر عبد الرزاق حسين
*في 2009 أجرى مقداد مسعود مع الشاعر عبد الرزاق حسين حوارا ثقافيا في (إذاعة الملتقى) على مدى ساعة كاملة.
*بجهده الشخصي كان الشاعر عبد الرزاق حسين ينشر كراساته الشعرية، وقبل سنوات من خلال اتحاد أدباء البصرة، وعلى نفقة الأستاذ سعود عبد العزيز البابطين
صدرت للشاعر(مختارات قصائد) وفي 2019 بادر الأديب عماد عمران فياض البدران مبادرة طيبة حيث قام بطباعة الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر عبد الرزاق حسين وقد ساهم في تجميع الجهد الشعري وترتيبه الأستاذ محمد صالح عبد الرضا
() قبل كل شيء : من الضروري في هذا العام أن يصدر كتابا نقديا عن المنجز الشعري للشاعر عبد الرزاق حسين من خلال مساهمات النقاد البصريين. اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة الذي عرفناه مبادراً وفياً دائماً.. ()
أن الشعراء الكبار، ومنهم شاعرنا عبد الرزاق حسين، يغوصون في تجربتيّ الحياة والثقافة،ليجترحوا كتابة ً تتجاوز الكم إلى كيف ٍجديد،يمثل طموحهم :في تجاوز المتسيّد الثقافي، فالتجاوز شرط التميّز الإبداعي في كل حقول المعرفيات،وقد أعلنها الفيلسوف كارل ياسبرز* في كتابه الأخير(تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية) : (كان المفكرون السابقون عمالقة بحق،أما أنا، وإن كنتُ مجرد عصفور،فأني أحط على رأس عملاق وأرى أبعد مما رأه).. وهكذا فعلَ شاعرنا البصري الكبير عبد الرزاق حسين، على امتداد تجربته الشعرية الثرة التي تجاوزت نصف قرن من القصيدة والقلق على سلامتها ، في خضم أبواق ٍ لا تمتلك من البوق سوى فضيحة النحاس، وشاعرنا يستنكف أن يكون إعلانا ضوئيا عن شعريته، وعيا منه لا إبداع َ بِلا عزلة ٍ مؤتلفة ٍ مبصرة ٍ، عزلة ٌ ترى وتتماهى في مسرات شعبنا وأوجاعهِ :
(أم
وثلاثة أطفال
تحت البيت المنهار
بيوت الموتى
لا تحتاج إلى أقفال)
هذا الوجيز الشعري: هو السيرة العراقية للألم، ماتزال الأمهات تنجب أطفالها للحكومات التي تحسن التضحية بهم إلى ما لانهاية.
() عزلة الشاعر نلمسها متوهجة ً ماتزال في المعلقتين (قاطع طريق) و(ذكريات شريد) والقصيدتان متأهبتان لقراءة نقدية اتصالية ٍ ،خصوصا أن الشاعر عبد الرزاق حسين، وهنا اقترض ُ من سواي وأقول :(تمكن الشاعر من أدخال العنصر القصصي ثم الدرامي إلى بنية القصيدة، على نحو مختلف كثيراً عما كانت عليه القصة الشعرية…/ 185- غالي شكري- سوسيو لوجيا النقد العربي الحديث) ومن الجدير بالذكر أن (قاطع الطريق) وهي قصيدة طويلة من الشعر الحر، أصبحت صالحة للنشر في 27- 4- 1957 أما الشاعر الكبير محمود البريكان (هواجس عيسى بن أزرق في الطريق إلى الأشغال الشاقة) فهي مذيلة بتاريخ الشتاء أوائل 1958. ()
مِن عزلته الواعية بذاتها نرى الشاعر عبد الرزاق حسين يخاطب رائد قصيدة النثر (ألوزيوس لوي بيرتران) يكاشفهُ ويستعمل المكاشفة جسراً إلى مَن يقتسمون معه الزيت والسراج :
(لأنك إشارة في الطريق إلى الذين أعرفُ
والذين لم أعرف بعد من الشعراء
في هذا العالم؟)
ثم يتسامى التراسل المرآوي بين الشاعرين، فشاعرُنا لا يؤمن بموت المصابيح :
(ميت ؟
سمعتُ بذلك
وقرأت ُ
ولكن
أتراني أصدّق؟)
(إنك حيّ حتى هذه اللحظة
وموجود في أي مكان)
ويرى الشاعرعبد الرزاق حسين إلى الشاعر الفرنسي كما يرى نفسه في مرآة
(..أريد أن أراك
كما لو أنني أرى نفسي)
هكذا نكون أمام معادلة : أنا آخري.. أين هو الآن الشاعر الفرنسي ؟ وهنا يجيبنا الشاعر عبد العراق حسين :
*إنك مثلي
لا تخشى مشرّحي الجثث
*لقد جرّبتَ الغربة أنت قبلي
حياً
وميتاً
ثم يتنقل المنظور نحو المرآة التي تقابلها:
على أنني شاعرٌ مثلك شفاف شفاف حتى التعذر على الرؤية أتوقف هنا وأشهد أن شاعرنا الكبير عبد الرزاق حسين جبله الله من أريجٍ و أثير وكلاهما: الشاعر الفرنسي والشاعر البصري العراقي: يتسمان بنسق المتعدد في الواحد : كلاهما :أبن زريق البغدادي، لوركا، عبد الرزاق الشيخ علي، بدر شاكر السياب، عبد السلام عيون السود، عبد الله النفيسي والشاعر البصري الذي تدفأ ( بنار أوراقه الشعرية حتى الورقة الأخيرة) وبالطبع قلة ٌ من البصريين يعرفون أنه الشاعر عبد الزهرة الجندي: وكلاهما : عبد الرزاق حسين ولويس بيرتران : ينتسبان إلى (..تعب قديم قدم الإنسان على هذه الأرض) ()
حين لا يتصالح المثقف، مع أنظمة الوعي الجمعي، حين يتقاطع المثقف مع القطيع، يظل هذا المثقف سادراً في غيه الجميل، متوارياً عن مطحنة المؤسسة الثقافية زاهدا بكل المغريات متواصلا مع قضيته وقناعاته ..
(*)
نحن بقية معتزلة البصرة وأحفاد الصفا والوفاء وصاحب: كنا نتلقف منه كراساته الشعرية وغير الشعرية بلهفة .
()
هو من مؤسسين اتحاد الادباء العراقيين، لكن الاتحاد العام في بغداد تجاهله حتى بعد 2003، لم يخصه بجلسة ثقافية، أو يقلده درعاً أو تكريما يليق بمسيرته الشعرية الكبيرة التي تجاوزت نصف قرن,لم يمنحه الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين في بغداد، بل منحه مجلس إدارة جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام وسام الجامعة لجهوده الكبيرة في مجال الصحافة الإعلام ولإبداعاته في الأدب وقبلها في 1955 نال تكريما من قبل مدير معارف البصرة، ولم يكن الشاعر عبد الرزاق حسين : طالبا، فقد ترك المدرسة للبحث عن عمل ٍ ليعيل العائلة بعد وفاة والده.
()
الأعمال الشعرية الكاملة: توّثق شعريا في أحدى مجموعاته الشعرية: للغيرية التي تكمتل بها ذات الشاعر عبد الرزاق حسين ومنها قصائده في مجموعته (قصائد بأسمائهم) وتخاطب هذه القصائد : محمود عبد الوهاب، محمد صالح عبد الرضا، عبد الأمير عبد الرضا،عبد الزهرة الجندي،بدر شاكر السياب،لميعة عباس عمارة، محمد راضي عبدالله، كاظم خليفة،حسين عبد اللطيف، عبد العزيز عسير، حامد البازي، محمود البريكان…
(*)
أسلك ُ جهوية ً أخرى للتقرب من المجتمعي في الشعري: حتى أحدد تموضعات عبد الرزاق حسين :إنسانا مشاركا في رفض سلطة الضبط وهي (سلطة تنتج خطابا خاصّا يحدد المسافات ويضبط الحدود ويرسم صورة لعالم يكون فيه الكل مرتبا ومصنّفا حسب نظام الثنائيات المتضادة/953آمال قرامي – الأختلاف في الثقافة العربية الإسلامية) شخصيا أعتبر هكذا تأثيل يقوم بعسكرة حياتنا، بمخملية وهمية
وينقلنا من رحاب الفضاء إلى عتمة ولزوجة ضيق الحيز، وخطاب سلطة الضبط وهنا الخطورة أن يسكن اللغة وينصب نفسه قيماً عليها فيحدد أقامتها في غبار المعاجم وخلف أقفال النص، وهكذا يكون لسلطة الضبط حق تأبيد النسخة الأولى من الترتبيات الثلاث : المجتمعي- الديني – الميثي .. وسلطة الضبط تمحق الغيرية من خلال تبئيرها في حيزٍ مفهومي متوارث وتقوم هذه السلطة بتكرار منتوجها الرث من الرأسمال الرمزي، وهذا النكوص المعرفي جعل المفكر الشهيد مهدي عامل يوّسع قوس اشتغاله في مقولته (الموت في التماثل والحياة في الاختلاف)..هنا تتشكل المسؤولية الشعرية، كيف يكون الشاعرُ شاعراً إيقاظيا بجمالياته الشعرية، وهذه عينات جمالية قصائد الشاعر زاخرة بها :
أصرخ ُ
لا لكي تسمعني
بل لكي تجيبني
……………
بما يخفى في الأرض
لا
بما يعلو من السماء
تصمد الشجرة
في العاصفة
……………..
يظهر الرسل في زمن الشياطين
…………………………
أيتها اللحظة
مم أنت ِ
من زمن يمضي
أم من شيء يبقى ؟
…………………..
قال الدخان
هذا الجبل يشبهني لكنه لايرتفع مثلي
………………………………….
أبت فحمةٌ أن لاتمسها النار
فبقيت فحمة ٌ
بلا خوف
تطن الذبابة
في أذن الأسد
…………
نعم.. هناك من يمارس الدعارة
بأجساد الآخرين
(*)
أيها الشاعر البصري الكبير الذي أحببت قصائده وحضوراته الشفيفة، الشاعر الذي أقعده المرض عن حضور الجلسة النقدية والأحتفائية بمناسبة صدور الاعمال الشعرية الكاملة أيها الشاعر، ها أنا أغنيّ نصك الشعري الوجيز:
(تبقى الأغاني بألوانها
والينابيع.. في سعة الأرض ..تبقى
ولا تنتهي .. الكلمات )