فيلسوف فرنسي، يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، تأثر بالبنيويين ودرس وحلل تاريخ الجنون في كتابه “تاريخ الجنون”, وعالج مواضيع مثل الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون. ابتكر مصطلح “أركيولوجية المعرفة “. أرّخ للجنس أيضاً من “حب الغلمان عند اليونان” وصولاً إلى معالجاته الجدلية المعاصرة كما في “تاريخ الجنسانية”. فهو مفكر وفيلسوف فرنسي، يعد أحد أهم المفكرين الغربيين في النصف الثاني من القرن العشرين، كما يوصف بأنه الفيلسوف الأكثر تأثيرا في فلاسفة ما بعد الحداثة وعرف فوكو بدراساته الناقدة والدقيقة لمجموعة من المؤسسات الاجتماعية، منها على وجه الخصوص: المصحات النفسية، المشافي، السجون، وكذلك أعماله فيما يخص تاريخ الجنسانية. اذ لقيت دراساته وأعماله في مجال السلطة والعلاقة بينها وبين المعرفة، إضافة إلى أفكاره عن “الخطاب” وعلاقته بتاريخ الفكر الغربي، لقي كل ذلك صدى واسعاً في ساحات الفكر والنقاش كما توصف أعمال فوكو من قبل المعلقين والنقاد بأنها تنتمي إلى “ما بعد الحداثة” أو “ما بعد البنيوية”، على أنه في الستينيات من القرن الماضي كان اسمه غالباً ما يرتبط بالحركة البنيوية. وبالرغم من سعادته بهذا الوصف إلا أنه أكد فيما بعد بُعده عن البنيوية أو الاتجاه البنيوي في التفكير. إضافة إلى أنه رفض تصنيفه بـ”بعد البنيويين” و”ما بعد الحداثيين”.كما يعد ذو اسلوب نيتشوي بركاني، متفجر. ولذلك يعتبرونه احد كبار الكتاب في اللغة الفرنسية وهو ليس فقط فيلسوفاً او مفكراً كبيرا.
ومن أهم سمات فوكو هي انه جمع بين تيارين متناقضين في الفكر: التيار النيتشوي الرومانطيقي، والتيار المنطقي العقلاني لقد جمع بين نيتشه من جهة، وباشلار واليكسندر توليري وكبار علماء المنطق من جهة اخرى، بمعنى آخر لقد جمع بين الحار والبارد، او بين الماء والنار. وهذا شيء قل ان يتوصل اليه مفكر.
ثم هناك ميزة اخرى له: وهي انه كان ذا ثقافة ادبية وفنية واسعة، وفي ذات الوقت ذا ثقافة علمية وابستمولوجية واسعة، ايضا، وبالتالي فقد استفاد من العلوم الطبيعية او الفيزيائية وطبق منهجيتها على العلوم الانسانية. وهذا ما فعله كبار الفلاسفة من قبله من أمثال أوغست كونت صاحب الفلسفة الوضعية، ولا ينبغي ان ننسى ان فوكو كان ابن طبيب مشهور في مدينة بواتييه وبالتالي فعلاقته بعلم الطب والتشريح وثيقة، وفي ذات الوقت كان من أكبر المعجبين برامبو، ومالارميه، وانطونين آرثو، وسواهم. ولكن المنطق الاساسي لفلسفة فوكو يكمن في مكان آخر، انه يعود الى تقنية شخصية بحتة، وينبغي العلم بأن فوكو كان شاذا من الناحية الجنسية، هذه المسألة اثرت عليه كثيرا منذ شبابه الاول، وقد عانى الأمرين بسبب هذه العاهة التي لا يستطيع منها فكاكا ولهذا السبب فإن كل فلسفة ما هي إلا دفاع عن المنبوذين في المجتمع : سواء كانوا مجانين، ام مساجين، ام فقراء مهمشين، ام شاذين، ام منبوذين لسبب أو لآخر.
والميزة الاساسية لفلسفته هو انه عكس التطور الفكري السابق عليه، فمعظم الفلاسفة كانوا ينظرون الى الامور من زاوية العقل والمركز اما هو فراح ينظر اليها من زاوية الجنون والهامش او الهامشية، وهكذا اكتشف اشياء جديدة لم يرها الآخرون من قبله، لقد نظر الى الاشياء من بابها الآخر.
يضاف الى ذلك ان الرجل عانى من مرض نفسي رهيب في شبابه الاول بسبب شذوذه، وعرض نفسه على اطباء عديدين لكي يشفوه، بل ووصل به الامر الى حد انهم سجنوه فترة في احدى المصحات العقلية، ولذلك اهتم بظاهرة الجنون فيما بعد وكرس لها أطروحته الجامعية الكبيرة، وليس عبثا انه فهم مشكلة الجنون اكثر من غيره وعندما توصل الى اكتشافه الكبير عن الحدود الفاصلة بين الجنون والعقل استطاع ان يشفى من جنونه، وهذا ما عبر عنه صديقه التوسير عنه ما قال: انا وميشيل فوكو كنا نمشي على حافة الهاوية، اما هو فقد نجا واما انا فقد سقطت فيها!
ومعلوم ان التوسير انتهى به الامر الى خنق زوجته والسقوط في الجنون الكامل وفقدان العقل.وبالتالي فكل فكر ميشيل فوكو ناتج عن تجربة شخصية حادة، تجربة كادت ان تودي به.ولكنه بعد ان استطاع تجاوزها اصبح اقوى رجل في عصره، واكبر فيلسوف في جيله، فالانسان الذي ينتصر على نفسه يستطيع ان ينتصر على كل شيء.
كما تعقب فوكو العقل الغربي بدءا من نشأته (عصر النهضة) إلى القرن التاسع عشر (عصر الحداثة) مرورا بالعصر الكلاسيكي، باحثا عن أسس المعرفة وعن النظام المعرفي الخفي الذي تشكلت بحسبه العلوم وأشكال القول العقلي. فأكد أن عصر النهضة طغى عليه التفكير بحسب مبدأ التماثل، وأن العصر الكلاسيكي استبد به منهج التحليل، أما العصر الحديث فقد هيمن عليه البعد التاريخي كما ان ميشيل فوكو فيلسوف ما بعد حداثى (اى يمثل ردة الفعل الثالثة ) فى معظم التصنيفات ، بل ويرجع له الريادة لما بعد الحداثة ، وان كان التعبير عن ما بعد الحداثة فى فرنسا قبل كتاب ليوتار ” الشرط ما بعد الحداثى ” هو ما بعد البنيوية ، ويعد فوكو رائدا لهذا الاتجاه ، حيث اصبح فيلسوف اللاعقلانية المعاصر او نيتشه ( على اعتباره نيتشه رائد اللاعقلانية فى القرن العشرين ) القرن الواحد والعشرين . فالفيلسوف الاشهر والابرز للتعبير عن حالة ما بعد الحداثة هو ميشيل فوكو ، فهو قد استطاع من خلال كتابه “تاريخ الجنون فى العصر الكلاسيكى ” ان يطيح باخر فلول العقلانية الكلاسيكية ويدمرها تدميرا لصالح الارادة الحرة للفرد ، وهى – أى العقلانية – المقولة الاكثر تعبيرا عن الحداثة ، فهو بذلك الكتاب يخرص الفلسفة العقلية ويبدأ فى اعلان عصر الفلسفة الارادية النيتشوية المارقة ، كما شكل اسلوب حياة ونمط معيشة ميشيل فوكو اصدق تعبير عن ثقافة عصره ؛ ثقافة اختلاط الحابل بالنابل ، فهو كان شاذا بأكثر من معنى – ، يعتبر حبوب الهلوسة اعمق تجربة فلسفية عاشها فى حياته. كما انه قد عبر عن الارادة والرغبة فى الجميل واللذة كأخلاق ما بعد حداثية متميزة