حين تقتادك الأقدار لمشاهدة عرض مسرحي أسباني فأول ما يتبادر إلي ذهنك من تسأولات هو هل هناك ترجمة باللغة العربيه تصاحب العرض ام لا ؟ وإن نما إلي علمك مسبقا عدم وجود ترجمة فإن ذلك يقلل من فرص مشاهدتك له .
فما بالك يا عزيزي المتلقي إن كان عنوان هذا العرض المسرحي “مهرجون”ولك أن تبني أفق توقعك الخاص انك ستشاهد عرضا كوميديا .فإرثنا التاريخي عن المهرجين أنهم مضحكين وبالتالي أفق توقعك كمتلقي انك أمام ملهاة ولكن سيقدمها مؤدون اسبان .فكيف تتواصل مع لغتهم الأجنبيه وانت لا تجيدها ؟
بل حين تجلس علي مقعدك في صالة العرض ومع أول ضوء يبسط اشعته لتنعكس علي عينيك بصورة بطلتي العرض (الأم، الأبنه) وتشغف أذنيك بالموسيقي الرائعه المتسقه مع الحالة التصويريه للمشهد .ستدرك انك لن تستطيع أن تبرح مقعدك وتغادر لأنك اصبحت بؤرة الحدث ومركزه علي المسرح .واصبحت متعتك كمتلق في تفسير كل حركة تقوما بأدائها الممثلتين البارعتين علي خشبة المسرح .
ثم تتابع في كثب وإهتمام المشاهد الصوريه المتلاحقه ويصاحبك شغف السؤال أليس هذا ما أحياه في واقعي اليومي ؟ أليست قضية العرض هي ذاتها قضيتي اليوميه ؟
إن الفريق المسرحي الأسباني قدم لنا عرض مسرحي صوري يعتمد في لغته الخطابيه علي اللغة الجسديه والتي هي لغة عالميه تكسر عوائق اللغات وتتواصل مع متلقيها بسلاسة ويسر دون حاجة إلي ترجمة إلي لغة وسيط بين المتلقي ورسائل العرض
لقد نجحتا الممثلتين (“اليزابيث كوفيدو”(الأم) و “اريادنا دي فيلار”(الأبنه)في إيصال رسائل العرض الأسباني “مهرجون”بيسر ودون تقعير ومن خلال براعة وتحكم في الجسد لتتسيد اللغة الجسديه كلغة تواصليه تعين المتلقي علي فك شفرات العرض الذي يصور لنا حياة ام وابنتها وطريقة تربيتها والتي تحذر نجلتها من الولع بباقة الزهور البريئة في دلالة صريحه نافية لأي علاقات عاطفيه مع الجنس الآخر وكيف لهذه الأبنة الصغيره أن تتصور الحياة بدون الأم فتحزن وتبكي لتستيقظ الأم النائمه وتستقلان معا قطار الحياة في دلالة علي التقدم الزمني ومرور الأيام لتصبح الصغيره فتاة تذهب إلي المدرسة وتذهب مع امها للتسوق وتعتمد علي نفسها فتخرج وحدها وتعود إلي المنزل لتحدث حادثة إقتحام لهذا البيت التي تقيم فيه مع امها دون ذكر او رجل لتنتهي بمقتل الأم وفقد الأبنه لعذريتها في محاولة إغتصاب جسدتها ببراعة علي خشبة المسرح فكسبت تعاطف جمهور المتلقيين الذكوري المتواجد داخل قاعة العرض.ليبلغ المتلقي الغايات الدلاليه من للخطاب الصوري الذي اودي بحياة الخير وإنتهك عرض البراءة فكانت الإستجابة التي حققت هدف الإتصال المتوقع مع رسائل الفريق الأسباني للمتلقي.
إن العرض الأسباني الذي أخرجه (توني كاسلا)تميز بالوعي الجمالي الذي تجلي في التشكيل الصوري للمخرج والسينوجرافيا والإكسسوارات البسيطه والإضاءة التي عبرت عن الحالة النفسيه للشخصيات والعزلة التي تحياها المرأة في هذا الواقع الديستوبي الذكوري .
ليبلغ المتلقي الصرخة التشككيه الموجهه للمؤسسات المالكه للخطاب والقوة والمعرفه في العالم نحو إعادة إمعان النظر في حقوق المرأه وتمكينها في المجتمعات الذكوريه .
وإلا ستصبح هذه المؤسسات “مهرجون” عابثون في حقوق المرأه .
قدم هذا العرض علي مسرح قصر ثقافة الأقصر ضمن فعاليات الدورة السادسة من المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب .وحصد المركز الأول في التمثيل النسائي للممثله “اليزابيث كوفيدو” كما حصد المركز الثاني في التمثيل النسائي للمثله “اريادنا دي فيلار”
وفاز المخرج “توني كاسلا” بجائزة المركز الأول في الإخراج ليؤكد ان اللغة لا تقف عائق امام رسائل وخطاب العرض المسرحي