مسرحية (نخاسة) من تأليف الكاتب سعد هدابي إعداد وإخراج علي الأحمد تمثيل (احمد محمد – احمد حميد – احمد الغانمي – علي الأحمد – مصطفى مكي ) قدمت من فرقة محمود ابو العباس في مهرجان نظران المسرحي الأول الذي نظمته نقابة الفنانين في البصرة
• النــــص ….
سعى هدابي في مدونته أن يرسم صورا أباحة بصوتها عاليا عن إذلالها وآلامها وتهميشها ليفصح صداها كل فضاءات الإنسانية بسعتها الامتناهيه لتحدث شروخا تكبرها لينفذ منها إلى صياغات مفتوحة في صراعاتها مع السلوكيات الرعناء بامتعاض نفسي وسلوكي لتابوات متحكمة بمصائرنا لإحداث الفارق الطبقي والنفسي والمادي بين الآخرين ….. (ومن لم يكن معنا فهو ضدنا ). لاتمييز بين الحقيقة والواقع والوهم والخيال الكل سيان لذا حتى من يريد ان يحبو لحلم فان حلمه هذا ميت قبل الأوان. هذه الهالة لا يمكن ان تتلاشى خطوط عتمتها كما جاء على لسان شخصيات هدابي (الا…؟ لمن يقسم ان كل الاتجاهات وطن – ويبصق في وجه الباطل – ويعلن للعالم انه ثوري )
عرض مسرحية نخاسة مابين هيمنة النص وافتراضات العرض
نصا أم إعدادا … لم أجد هناك أي إعداد للنص بل على العكس اعتمد المخرج على النص الأصلي كركيزة أساسية للعرض إذ نجد أن جميع حواراته هي نفسها ما تحدث به الممثلون أثناء العرض دون زيادة او نقصان . كما ان إعداد نصا مسرحيا يتطلب اقتباسا عن مجموعه من نصوصا مسرحية او فصائدا شعرية او نثريه … الخ تتماها بإعلان فكرة موحده ينطلق من أرضيتها المخرج . او نصا مسرحيا يعمل على تفكيكه لاستخراج ثيمه يجدها متطابقة مع افكاره او ما يريد البوح به .
في حين ما عمل عليه المخرج هو تغير زمكانية النص وتقليص عدد الممثلين من مجموع عشرة الى خمسة وكذلك المجاميع من اثنين الى واحده . وهذا ما أوقعه في إشكالية تناقض الشخصيه وازدواجيتها الأدائية في سياق العرض فتارة نجدها ساعية الى الخير وفي لحظة اخرى كان سعيها مغايرا وهذا ما انسحب على بقية شخصيات المجموعة . من خلال استعاضته عن المجموعة الأخرى وحواراتها بشخصية (المايسترو او المهيمن ) وكما دون في النص والتي تعتبر هي القوة الأخرى في الصراع . مثالا على ذلك ما جاء على لسان احدى الشخصيات
ممثل(2): انا السابل في ارض الله … تهمتي أني اسمع كثيرا … اسمع أنين الجوعى … وبكاء الموجوعين .. واستغاثات المحرومين .
ممثل(2): الكل صار يذعن لي حتى شياطين الأرض … سأمنحكم الحرية على طبق مما تشتهون .. عيثوا في الأرض فسادا … فانا أحب المارقين … سأغزو بكم العالم .. فانا الفاتح لكل الرغبات..هلموا إلى مملكتي .
وهذا ما قد أوقع المتلقي في حيرة من خلال هذا الانقلاب في الشخصية دون مبرر او سبب لذا كان يستوجب ان يكون هناك مغايرة وتمايز ممكن تحقيقها من خلال وسائل العرض المتاحة
يبدأ العرض بظهور شخصية تتوسط المسرح تقف في مكان مرتفع تعتلي برميلا من النفط يلتصق بجانبه سلم (وهذا ما أثار حفيضتي بان هل يكون هناك قصديه في الأمر) تمسك بيديها سكاكين مستخدما حركة أشبه بقائد الاوركسترا أثناء العزف وهي ما أضافها المخرج للعرض ؟ ومجموعة تتكون من اربع شخصيات ساقطة على ارض المسرح تقوم بالزحف تكشف لنا من اللحظة الاولى الهيمنة والتحكم بقدراتها ومن خلال سير واستمرار وتواصل الأحداث .
• استطاع المخرج من اللحظات الأولى ان يمسك بخيوط أللعبه وسحب المتلقي وعدم فقدان التواصلية معه حتى نهاية العرض وذلك من خلال حضور الشخصيات والتنوع في ادائهم والدقه والانضباط الحركي مع مساهمات التقنايات والتي اختيرت بشكل مدروس . وهذا ما ساعد على عدم الوقوع في هاوية الرتابه والايقاع المترهل والانفلات .
• سعى المخرج على خلق فضاءً واسعا سعت من خلاله الشخصيات ان تحقق ثيمات متعددة حلميه وواقعية من خلال حضورها العاياني في زمنها الحاضر وازمنه افتراضية تجاوزت كل الأشكال المادية .
• لم نجد هناك عائق او مانع في إيصال المعنى التام الى المتلقي لما يحمله النص من متن حكائي واضح لا التباس فيه او غموض . وهذا ما يتيح للمتلقي ان يستنهض بفكرة العرض وإعطائه المساحة الواسعة للتلقي والتفسير والتأويل .
• أما بالنسبة للتمثيل … فكان للمثلين حضورا ذهنيا وجسديا واعيا استطاعوا من خلاله السيطرة والمسك بإيقاع العمل من اللحظات الأولى حتى ختام العرض اذ لم نشاهد هناك أرباك او هبوط في مستوى الأداء وبحضور واضح للتركيز مما جعل الأداء انسيابيا
و كان هناك توزيع متوازن في الجهد الجسدي مما خلق مساحة واسعة للعب الشخصية وبشكل مقنع استطاعت توصيل ثيمة العرض،
• لم يكن هناك شعور بفقدان التواصل مع الممثل بسبب توازن الإيقاع ضمن معطيات الحدث فتارة نجده يتسارع وأخرى بطيء لما يقترحه النص من دلالات وتوظيف المخرج المناسب مع هكذا نص
• الإلية التي كتبت بها مفردة النص ساعدت على ان يكون الملفوظ واضحا وبقاء الاداء متوازنا بإيقاعه وانفعالاته طيلة العرض
• لحظات الصمت أفصحت عن دلالاتها في بناء العرض وكانت داعما مهما للحوار وكذالك محفزا ايجابيا لاستفزاز المتلقي .
• اما مايتعلق بالتقنيات فان الفضاء الذي اثث له المخرج من خلال استعاراته جعل من المتلقي ان يؤسس فضاءات مختلفة حسب مدركاته وتأويلاته للإحداث
• الموسيقى توافقت مع العرض المسرحي ومفرداته وثيمة ولم نجدها مقحمه الا في جزئيات قليليه مع ظهور حالة إرباك او قطع .
• الإضاءة كانت ساندة ومؤكده لمجريات الإحداث وقيمها الفكرية وخصوصا في المشهد الختامي
• أفصح العرض عن واقع بات يندى له الجبين لتحديد مصائر الفرد والشعوب من هيمنة الدخلاء الذين يبعدون عنا في الانتماء الجغرافي او الإنساني او العرقي او الديني .. ليجعلونا نعيش واقعا محتدما مقهورا لا ينتهي الا في الثورة .
وفي الختام نطمح لكل العروض المسرحي ان تكون لها قابلية على خلق متفرج مغاير بوعيه خالق للمعنى اعتماداً على العلامات المتحققه امامه محولا عالم الواقع المسرحي الى عالمه الخارجي من خلال خوض غمار جدلية المعطيات وفك شفراتها.. لانتاج متلقي يدرك جدوى المسرح للتغير.
ابارك للمخرج الشاب علي الاحمد في في تقديمه لهذا العرض . كما ابارك لبقية الكادر لما قدموه من جهد .