عبد الغفار العطوي : ناقد عراقي متفرد ، يستعمل الفهم والتأويل منهجا، وفي قراءاته النقدية يخطو بوعي مقتدرٍ بحثا ً عما وراء النص، في حيازته بوصلة مؤتمنة هي من صنع خبراته العميقة في المعرفيات. رأى في النسوية والنظرية النسوية والنسويات فضاءه الرحب في الكتابة والتقصي، ومن خلال إبداع المرأة اكتشف فرصته الذهبية في تجسيد ما يمتلك من رؤى ومعالجات، الناقد العطوي يرى أن الإشكالات الثقافية المختلفة التي وضعت المرأة في مأزق الاختيار، وهي تسير بها قدما نحو فهم ما يمكن تحقيقه بالنسبة لمنظور الشكل الثقافي الذي تعتقده صالحا للتعبير عن مصالحها وغاياتها.. هذه الرؤية وسواها سنجدها متجلية بشفافية معرفية واسعة من خلال أجوبة الناقد العطوي في هذا الحوار…
س1|الاستاذ عبد الغفار العطوي، مؤلفاتك تكشف عن ثقافتك الموسوعية لماذا اقتصرت كتاباتك على الدراسات النقدية، ولم تجرب الشعر؟ الرواية؟ القصة القصيرة؟
ج1 – هذا شيء يتعلق بمزاجي الكتابي ، في مقتبل العمر عندما كانت الكتابة تغري لأول مرة بطعمها السحري التلقائي ، كعالم مخيف لكنه حلو، كتبت محاولات شعرية و قصصية و مسرحية، حتى إني كتبت رواية لازالت مخطوطة بين أوراقي القديمة، إلا أن الكتابة الأدبية تعتمد على خاصيتي التفسير و الشرح، و أنا أميل نحو مفهومي الفهم و التأويل، لهذا اخترت الكتابة النقدية، لأنها تتماشى مع مزاجي الثقافي و الفكري، ومطالعاتي الواسعة دفعت بذلك نحو النقد، لهذا اقتصرت كتاباتي على الممارسة النقدية، لكن تلك الممارسة النقدية لا تجعلني أميل لأن أكون ناقداً بالمعنى الدقيق للمصطلح، أنا ناقد، لأني استخدم الامكانيات الاجرائية للممارسة النقدية، استخدام المناهج النقدية، المنهجيات في الحداثة و ما بعد الحداثة، كالهرمانيوطيقا و السيميولوجيا ونظريات القراءة واللسانيات الخ كما ألتزم بالجهاز المصطلحي و الاستعمالات المرجعية، لأن ذلك يجعل كتاباتي تتسم بالمنهجية العلمية، و لا اتعامل مع القراءة الانطباعية أو الانشائية في الممارسة النقدية، بيد إني لا أحبذ مصطلح الناقد، بل أتصور تفضيل صفة الكاتب ( التي تقابل في الثقافة الغربية بالمفكر أو المنظر أو الفيلسوف ، مع التحفظ على هذا التقويس)
إذ أنا كاتب يحلل أو يفكك ما وراء النص الذي بين يديه ولا يكتفي بدراسة الظاهرة الأدبية، بل الذهاب إلى تعميق فينومينولوجيا، الكتابة التي تخزنها الذات ( ذات الكاتب ) وأحشد في مؤلفاتي
( وقد بلغت 17 إصداراً و مئات المقالات في الصحف )
الأساليب و التقنيات الفكرية واللغوية والثقافية، من هنا يطلق على كتابتي لمن يقرأها بالكتابة الموسوعة.
س2|أوليت اهتماماً كبيراً لمفهوم النسوية في كل كتاباتك، كيف تبرر ذلك معرفياً؟
ج2| أولاً أود تصحيح ما في السؤال ( مفهوم النسوية )أنت تقصدين النظرية النسوية، أو النظريات النسوية أو النسويات، الاهتمام بالنسبة لهذا الحقل المعرفي بدأ أولاً في كتابي المهم:
( ثقافة الجسد قراءة في السرد النسوي العربي الذي صدر عام 2014 عن مؤسسة السياب للنشر لندن) متأثراً بموجة التقليد الذي شاع عن الكتابة حول المرأة، ثم صدر لي كتابي الثاني حول: ( صناعة القارئ في السرد النسوي العربي المعاصر عن دار ضفاف في الشارقة عام 2015) و كانت قراءاتي تتجه نحو إبراز العلاقة بين نظريات القراءة و النظرية النسوية، بما يتعلق بالرواية النسوية، من خلال فكرة المحكي الشهرزادي، فاستعنت بنقاد الأدب الألمان كبرنس و اسكاربيت و آيزر و فيش الخ وفي هذه المرحلة كنت أكتب عن النظريات النسوية لإدراكي، إن هذا الحقل المعرفي يشكل بؤرة تمركز معرفي و مفهومي مهم، فالكتابة عن المرأة هي محور يمتلك مقومات التأمل الفكري الإنساني، تكون فيه المرأة الآخر، المبعد والمغيب، والمقصي، واكتشفت إن أشكلة الصراع الجنساني بين المرأة و الرجل في هذا العالم قائم على هذا الفهم، أي إن هناك تفاوتاً في المعرفة التي تنظر فيها القضية النسائية، يدخل ضمن علائق المراتب والتصانيف والدرجات التي تقاس بها التعالقات بينهما، كانت خافية عني، لقد عرفنا بعد مخاض إن الجانب الثاني من عالمنا محروم، و محرم، بل منتهك بتعبير الفيلسوف الفرنسي المعاصر جورج بتاي، بينته كتابات المرأة في الغرب بعد عام 1792 على يد ماريا ولستنكرافت، في كتابها الشهير ( دفاع عن حقوق المرأة) الجانب المظلم المقهور و المباح و الدوني و المزدرى: عالم النساء، و أيقنا لم كانت الفلسفة اليونانية عند إفلاطون و أرسطو و سقراط لا تحمل المرأة و وجودها الإنساني سوى بعين حمأة، ظل القهر الذكوري يكرس قروناً من التسلط و التهميش و التغييب الثقافي و اللغوي ضد المرأة، إلى أن استطاعت المرأة في الغرب الحصول على حقوقها المدنية و الحقوقية، في المشاركة في التصويت و الاستقلال المدني و تربية الاطفال و الطلاق، والميراث، بعد أن ذاقت الأمرين في النظرة الدونية والاحتقار الإنساني و الازدراء الاجتماعي و الثقافي على يد الرجل ومؤسساته السياسية والدينية والثقافية، كانت نظرة إفلاطون للمرأة قاسية في فلسفته التي بحثها في كتابه ( جمهورية إفلاطون) و تبعه الفلاسفة ارسطو و بيكون و ديكارت و روسو و كانط، بيد إن الفيلسوف البريطاني جون استيوارت مل قلب المعادلة في مناصرته للمرأة، و بدأت الموجة الأولى للحركة النسوية في القرن الثامن عشر سياسية، و توزعت وفق المذاهب الفكرية الغربية آنذاك الحركة الاشتراكية و الحركة الراديكالية والإيكولوجية الخ، ثم في منتصف القرن العشرين بدأت الموجة النسوية الثانية التي كانت ثقافية تزامنت مع مرحلة ما بعد الحداثة، و تمخضت عن ظهور النقد النسوي و الرواية النسوية في الأدب تحت رعاية فلاسفة ما بعد البنيوية فوكو و دريدا و بارت و جوليا كريستيفا و تودوروف و بورديو، و من ناحية الحركة النسوية السسيو ثقافية جاءت ما بعد النسوية و النسوية العالمثالثية، أنا بدوري تعرفت على أشهر أقطاب الحركية النسوية في الغرب أمثال سيمون دو بوفوار، فرجينيا وولف، سارة جامبل جوليا كريستيفا، جيرمين غرير، بيتي فريدان، وشولاميتفايرستون، و شارلوت بيريكنز جليمان، و أخرياتفي، تاريخ الحركة النسوية العالمية، و اطلعت على نضالات النساء في العالم خارج الغرب، في الهند و بنغلاديش و تركيا و إيران، والوطن العربي، و تابعت المنهجيات النسوية و الجندرية، وتعرفت إلى النسوية الإسلامية، فكانت النقطة المركزية في معرفتي أن أفهم التاريخ القمعي و القهري و الاستبدادي للمرأة العربية و المسلمة، و وجدت إن هذا التاريخ استطاع تغييبها ثقافياً و لغوياً و حضارياً، و الأسباب التي أدت لهذا التاريخ البشع في سحق المرأة كثيرة، من أهمها الحالة الاجتماعية و الدينية، وبالتالي الحالة السياسية و الثقافية، فأصدرت مؤلفاتي التي تهتم بالحركة النسوية و محاولاتي في تفكيك و تحليل المؤثرات المعرفية التي ساهمت في قمع المرأة و تخلفها، و المؤلفات هي إرساء ملامح النسوية – هرمانيوطيقا القرآن ( صورة المرأة في القرآن) المرأة صورة مختلفة ج2 كتابات في النسوية –النسوية الشيعية – الدراسات النسوية من وجهة نظر الرجل – الكتاب الذي كرست فيه مشروعي النقدي الثقافي في قراءة الكتابة النسوية باعتباري رجلاً منفصل في ذاتي الرجالية عن أي ميل أو تعاطف مع محنة المرأة، تاركاً لها حرية التعبير عن ذاتها الثقافية بكل حرية، و الكلام يطول في ذلك.
س3|هناك من يرى في الكتابة عن النسوية جهداً منشغلاً في المضمون الروائي أوالقصصي بعيداً عن أسلوبية الكتابة ؟ ماذا يقول الناقد العطوي ؟
جج3-أعتقد إن سؤالك هذا أستاذة بلقيس مرتبك ،في العرض، أتصور إنك تقصدين إن الكتابة النسوية أو في النسوية، و هو فرق مضيعة للوقت و الجهد، و الأفضل توجيهها نحو الكتابة النقدية حول الرواية أو ما شابهها ، الأمر ليس هكذا في الغرب، حقل النسوية هناك عريض و واسع ، و هو حقل معرفي يشمل حقول العلوم الإنسانية كافة، نجده في السايكولوجيا و السسيولوجيا و الانثربولوجيا و علم الجمال و اللسانيات و اللغويات و الفلسفة و العلم و تطبيقاته، النسويات في الغرب يرتاده عشرات الآلاف من النسويات بمختلف الاختصاصات ، لكنه يمتاز بسمتين ، الالتزام الأكاديمي للعاملين به ، و انتشاره في مساحات الدراسات الجامعية و المؤسسات المختصة بشؤون النساء، و لديه المجلات النسوية المتخصصة و الدوريات المنهجية ، إلى توفر دور نشر خاصة للكتابات النسوية و المؤتمرات المتعددة ، إذا أردت معرفة المزيد حاولي مراجعة أية جامعة غربية ، في الولايات الأمريكية أو فرنسا أو غيرها في الغرب ، ستجدين ذلك ، في ثقافة الغرب أن لا تداخل بين الكتابات العلمية المنهجية و الأدبيات و الثقافات التي تحتضنها مجتمعاته إلا في انتشار قراءتها عبر الميديا ، و وسائل التواصل الاجتماعي و المكتبات و المؤتمرات و المحافل و الجوائز التي تهتم بكل هذه الروافد، لأنها تشكل مقومات الحضارة الغربية و تعزز تقدمها ، و أتصور إن اتهامك للكتابة النسوية ، بأنها مضيعة للجهد هو صحيح عندنا نحن في العالم العربي ( و العراق حصراً) لأن اللمثقفين عندنا يسرقون الثقافة الغربية ( اعتذر عن هذا النعت السرقة ، و أعتقد ستفهمين حضرتك و يفهم قراؤك المعنى المجازي للسرقة هنا) الثقافة الغربية الميتة ، بسبب سعيهم وراء الموضة و المثاقفة ، يقطعونها من سيقانها دون جلب الجذور ، و الثقافة لها جذور مختلفة ، و يضعون هذه الثقافة في آنية و يعتقدون إنها ثقافة حية كالطفل العابث الذي يقطف الزهور واضعاً إياها في آنية دون جذور ، معتقداً إنها ستنمو ، بيد إني أختلف في كتاباتي عن النسوية ، فهي كتابات جادة متنوعة ، نقدية في الأدب النسوي ، و تنظيرية في الفكر النسوي ،أي إن النسوية حقل معرفي له سمات منهجية اكاديمية ، و له تمظهراته ، و يضرب في أعماق الفكر الفلسفي الغربي ، و نقل مفاهيمه و مصطلحاته و معايناته و فلسفته و صراعاته الابستمولوجية الكولونيالية و ما بعد الكولنيالية ، من ضمنها فهم الآخر و هوياته و مأزقه في مركزياته حول ذاته هو الأساس في تبني النسوية الرجالية التي أؤمن بها ، في الحركة ما بعد النسوية التي تبنتها سارة جامبل و سوزان فالودي ، و النسوية المتأثرة باسهامات عالم النفس الفرنسي جاك لاكان الخ.
س4| منذ سنوات عرفت أنك في منتصف التسعينيات أنجزت مخطوطة عن المفكر الشهيد محمد محمد الصدر ما هو الدافع وراء هذا الموقف الشجاع الذي من المحتمل في وقتها أن يكلفك حياتك و حياة أسرتك؟
ج4| آه فعلاً، كان ذلك في الماضي ، شكراً لك ، لكن الأعمار بيد الله ، شخصية محمد محمد الصدر برزت في ذروة الاحتقان الشعبي في العراق ضد نظام سياسي استبدادي أدخل العراق في الحروب المتتالية منذ عام 1980، مما جعل شعور الجماهير يغلي و يستعر، و كان الصدر ظاهرة راديكالية عبرت الحالة الدينية إلى مساحات أخرى تشغل اهتمامات الجميع، إضافة إلى امتلاكه كارزما جذبت كل شرائح المجتمع ، بما فيها نحن المثقفين، كان حماسي و اندفاعي عاليين ؛ فألفن كتاباً ، الحمد لله لم ير النور، لأنه لو طبع بعد تغيير عام 2003م لعرقل منجزي الفكري و الثقافي ، لأن مقتل الصدر عام 1998 فجر الوضع لكي يدخل العراق في التمزق و الفوضى توج بالاحتلال الأمريكي ، أنا كتبت في الظاهرة الدينية 4 كتب هي – نحن و المهدي – الإمام المهدي و تحديات العصر – التأمل و التمرد قراءة في خطاب الهزيمة في الإسلام—البعد الثقافي في الإسلام في المفاهيم الرئيسية ، اتفقت هذه الاصدارات مع منهجي العقلي التواصلي في نقد الظواهر الدينية التي تعتمد على تفسير النص الديني ، و بما إن كل ما يكتب في النصوص الدينية من كتابات هي ذات صبغة فيلولوجية و إيديولوجية لا تؤسس لمنظومة تفكير تواصلية ، مادامت النصوص الدينية متعالية يساورها الشك أو النقص ، في بداية الأمر كنت أبحث في الدين عن العدالة ، في شخصية المهدي المخلص، و في شخصية الصدر أيضاً ، لكني وجدت فشل المنظومة الدينية في تحقيق العدل الإلهي ، فكان الاستياء نصيبي الأوفر ، مما دفعني إلى التشكيك بالكتابات الدينية التي تفسر النص الديني ( القرآني) دون منهج علمي معرفي ، لهذا كان كتابي البعد الثقافي في الإسلام قد أخذ صداه في مدى دائرة أوسع في العالم العربي ( صدر عن دار سطور – بغداد) و تظل ظاهرة الصدر وسام شرف لي و لمختلف الذين آمنوا برسالته الثورية التي اراد بها تحقيق العدالة الإلهية في المجتمع العراقي ، و وقفنا مع تجربته نحن الشباب آنذاك الإسلاميين و الماركسيين و الوطنيين.
س5| تقول في كتابك (كتابات في النسوية) (المأزق يظل موجودا في رؤية المرأة وهي تدور في حلقة التساؤلات التي تدرجها في إطار العلائق التي تنشؤها وهي تقاوم رغباتها بالثأر من الرجل أو إلحاق الضرر في المفاهيم التي يواجهها بها/ ص7)..هل النسوية من خلال قولك هي مجرد رد فعل بين أنوثة وذكورة؟ أم النسوية تدعو القطبين لبناء عالم يشعر الكل بالطمأنينة فيه؟
ج5| أولاً كلمة الثأر كما سيتبادر للقارئ العنف أبداً، إن الإنسان في عصر الحداثة و ما بعد الحداثة و ما بعد بعد الحداثة ( التيار المضاد لما بعد الحداثة ) قد تحول من كينونة في الوجود إلى كائنية في اللغة ، نحن كائنات لغوية منذ ثورة فريدناند دي سوسير الألسنية ، صعوداً إلى التداولية و تحليل الخطاب و نظريات الحجاج و القيم الإيتيقية التي تتحكم بالعالم الاخلاقي بتعبير يورغن هابرماس و كارل اوتو آبل يواجه الرجل و المرأة التساؤلات المتلاحقة ، و ما قصدته بهذه العبارة في مقدمة ( كتابات في النسوية) هو فهم منهجي عن العلاقة بين المرأة و اللغة التي تعتبرها جوليا كريستيفا ، أي اللغة من أكبر المآزق التي تثير التساؤلات حول القمع اللغوي الذكوري للمرأة ، فاللغة هي ملك الرجل ، و الغة هي المعرفة و وعي العالم هي الكرونوتبي العالم ،و سيمياء المرئيفي تعبير جاك فونتاني.
أستاذة بلقيس النسوية حركة تحرر سياسية تقودها المرأة ، أما ما تقولينه عن البناء المشترك بين المرأة و الرجل فهو مجرد وهم ، هناك ثورة صامتة للاستحواذ على العالم في إطار الثأر الوجودي الذي ستنتصر فيه المرأة في نهاية المطاف كما يتنبأ علماء الاجتماع ما بعد الحداثيين.
س6| في كتابك (المرأة صورة مختلفة) تقول (يظل النظر إلى المرأة على أنها إشكالية أنثوية من وجهة نظر الرجل) ؟! هذا يحتاج توضيحا مِن الناقد المتخصص بالنسوية الاستاذعبد الغفار العطوي؟.
ج6|أحب أن يكون السؤال في الإيضاح( و ليس التوضح) فالإيضاح أهم من التوضيح ، لأنه يتعلق بالتمييز المفهومي ، ففعل – أوضح أدق تعبيراً من الفعل – وضح ( بتشديد الضاد) فعلاً أنا أدركت هذا الغموض في هذه العبارة ، و كان الخطاب موجهاً نحو إيجاد منهجية ، تفهم القارئ ما هي الإشكالية ، و ما المقصود بها تماماً في هذا الموضع ، لهذا قمت بإعادة قراءة ثانية لما طرحته في هذا الكتاب، و سيصدر عن دار كيوان في سوريا ، من منشورات اتحاد الأدباء في البصرة بمساهمة شركة آسياسيل للإتصالات كتابي ( المرأة صورة مختلفة إعادة انتاج الإشكالية الأنثوية – قراءة ثانية) المسألة متعلقة بالإنتاج المفهومي للإشكال أكثر مما هو قائم في دراسة المقاربات التي تناولت الإشكالية الأنثوية ، و قمت بالإيضاح المسهب في إشكاليات في صورة المرأة و هي ترتبط كما في منظور بورديو في الانتاج المفهومي للمسألة الأنثوية ، وساعدني في ذلك التحديد الابستمولوجي في أشكلة الأنوثة بوصفها جملة تحولات ثقافية و جمالية منهجي التأويلي ( الهامانيوطيقي) و المنهج القرآئي ( نظرية القراءة و أفق التوقعات و الفروض المسبقة ، في فهم العلاقة بين المرأة كذات و الأنثوية كغيرية ذاتوية ، و لعل الفيلسوف الفرنسي المحبب إلي بول ريكور (1913-2005) في كتابه المذهل ( الذات عينها كآخر ) قد جعل القضية مفهومة لذوي الاختصاص ( سأهديك نسخة من كتابي الذي هو عن كتابين معاً دمجتهما بما يسميه الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر بالإضافات).
س7|لى أين وصل الناقد العطوي في كتابه الذي تراه ضرورياً( إرساء الملامح النسوية )
ج7| هذا الكتاب طبعته دار أمل الجديدة على نفقتها الخاصة ، هو ( إرساء الملامح النسوية ) و التحدث مع الرواية و هرمانيوطيقا القرآن و المرأة صورة مختلفة ( طبعته الأولى) و أهمية الكتاب إنه جمع بين النقد النصي (( المنهج القائم على تحليل النص بالاستعانة بالمقاربات وحدها ) للشعر و الرواية مع الكتابة النظرية التي تهتم بالنص الشعري النسوي و النص السردي النسوي ، و النص النقدي النسوي ، في التعويل على بعض المحددات التي تعرقل عملية إنتاج النقد النسوي و الكتابة النسوية ، إضافة إلى إني في هذا الكتاب تركت النقد النصي ( تحليل النص بوصفه منتجاً علائقياً في البنات اللغوية و الدلالية و البناية للنص ، و اتجهت نحو تحليل الخطاب ) الخ.
س8| انتشار الكتابة الروائية بهذا الشكل اللافت للنظر، هل هو عصر الرواية حقا؟ أم يتحكم بذلك سوق الثقافة من ناحية العرض والطلب؟ وإغراءات الجوائز الممنوحة للروايات؟ .
ج8| عصر الرواية هو مقولة قالها الناقد الألماني ياوس و هو من مدرسة فرانكفورت أو كونستانس ، لا أتذكر بالضبط في كتابه ( في الرواية ) في منتصف القرن العشرين ، إن ذاك العصر عصر الرواية ، لأن الرواية قد وصلت إلى ذروتها ، و كان تيار الرواية الجديدة في فرنسا و ألمانيا آخذ في الاتساع بعد فرجينيا وولف و ساروت و كلود سيمون و روب غرييه الخ ، نحن الآن نعيش عصر السرديات و سقوط الحواجز و زال الإجناسية كما كتب تودوروف ، إنتشار الرواية في العالم العربي ( و في العراق) بسبب الحمم البركانية التي قذفت بنيرانها من الرواية الكولونيالية و ما بعد الكولونيالية في ما وصفه إدور سعيد و هومي بابا ، خاصة في كتابي الأول ( الاستشراق – و الثقافة و الامبريالية ) و في الرواية الفنطازية لماركيز و كتاب أمريكا اللاتينية ، و كذلك الروائيون في اليابان و الصين ، نحن في عالمنا العربي نأتي في آخر الطابور بعد انتهاء العرس أو الزفة ، أعتقد إن ما قلتيه فيه جانب من الصحة ، فمادمنا لم ندخل الحداثة الغربية معرفياً ، فنحن عرضة لكل تيارات الثقافة التي تروج لها ور النسر و ستراتيجيتها الخبيثة ( فلا ثقافة بريئة في عالمنا هذا ) و تلعب الترجمة و المترجمون الدور الحساس في الترويج لثقافة هي في الغرب خفتت أو مالت للصمت ، و وصفها بالعصرنة أو الحداثية أو ما بعد حداثية.
س9| العالم الافتراضي و الكم الهائل من الكتابات ( الثقافية ) و من خلال تنشيط ثقافة النص المرئي هل نجح في إزاحة الكتابات الثقافية الجادة ؟
ج9| من وجهة المقارنة بيننا و العالم الغربي ، ندرك إن العالمين الواقعي ( المعيشي ) و العالم الافتراضي ( الأزرق أو المخملي) فوارق في العالم الغربي العالمان يعملان باستقلالية ، أو معاً في بعض النقاط التصنيفية ( السوقية )لأن العالم الافتراضي في الغرب لما حل في البيئة الغربية وجد إن هناك بنى تحتية في الثقافة و الآداب و الفنون ، و إن هناك تقاليد تراعى و قراء يتابعون أجيالاً بعد أجيال ، و مؤسسات راعية للثقافة و مدافعة عن حقوقها بضمان حقوقي قانوني ، الدول الغربية سنت القوانين للحماية الثقافية المقروءة ورقيا ، و المجتمعات نشأت على احترام هذه الثقافة ، و لما حلت الثقافة الرقمية و الافتراضية لم تنتج أزمة بالمعنى الجينالوجي ، بل ذهبت إلى الوعي المزاجي للجيل الجديد ، لكن المصيبة عندنا كلما دخلت أمة لعنت أختها ، أو مثل تاريخ الشرق حضارات ناشئة تمحو حضارة سالفة ، و السبب القرون المتراكمة من الجهل و الأمية و الاستبداد الفكري و الثقافي والديني و السياسي و الاجتماعي الخ.
س10| هل هناك أزمة نقد أدبي ؟ خصوصاً و إن الكتابات التي تتناول كتباً لم تخرج عن باب المجاملات التي تفضح من جانب آخر إن من يكتبها لم يطلع شخصياً على الكتب التي يكتب عنها ، بل سمع عنها ، و أحياناً يتبع رؤية ما كتبه سواه من باب المجاملة أو الذم؟
ج10 | هذا السؤال غامض ، و إسهابك في شرح ما تريدين إيضاحه عن الأزمة ، كان يكفيك القول معذرة : هل هناك أزمة نقد أدبي ؟ فيكون الجواب شافياً كافياً في إن الأزمة أعقد ، فميزان الأزمات لا يقف عند النقد الأدبي ، الأزمة تبدأ في العالم العربي ( و العراق بالذات ) في أزمة الوجود و الماهية و الهوية و غياب الحرية بأنواعها ، و العنف بأنواعه، و كذلك القمع و القهر الخ أزمة النقد الأدبي جزء منظومة أزمات في الخطاب و النص و النسق و النظرية و المنهج ، لا شيء في ثقافتنا و أدبنا حقيقي، مادمنا نعيش خارج الحداثة الفكرية ، في العشوائيات الثقافية حيث يمكن لأي جاهل أن يكون ناقداً أو شاعراً أو روائياً أو قاصاً، لأن هذه لا تتطلب المهنية، فلا يستطيع شخص ما أن يكون طبيباً أو مهندساً أو مدرساً إذا لم يحمل شهادة جامعية أولية على الأقل ، أما الشاعر و الروائي و القاص و حتى ( الناقد) يمكن لأي شخص يصبح بين عشية و ضحاها أديباً مفوهاً، الأزمة في النقد في العراق معقدة تتركز في غياب وعي الناس ( و ليس المثقفين فحسب) إن الناقد يمتلك مستوى المفكر و الفيلسوف ، أو يتبنى منهجاً فكرياً أو فلسفياً، و يعتمد على قائمة عريضة من الثقافة المفاهيمية و المصطلحية ، و الموسوعية قدر الامكان في الفلسفة و اللغة و التاريخ والمنهجيات والعلوم الإنسانية ، و أن تكون دراساته النقدية ذات تخصص منهجي اكاديمي ، فالنقد علم في تعبير رومان ياكوبسن، أما ما ينشر في صحفنا العراقية و العربية تحت نقد فهو ما يسمى في الغرب عرضاً للكتب.
س11|النسوية العراقية إلى أين وصلت ثقافياً من خلال مؤلفاتها الأدبية و الاجتماعية مقارنة بالنسوية العربية؟
ج11| قبل الإجابة على هذا السؤال ، علي أن أبين إن النسوية ( الفيمنيزم) هي مصطلح يطلق على الواجهة السياسية لحركة المرأة ، نضالاتها و كفاحها ضد التمييز الذكوري الذي يستخدمه الرجل عبر مؤسساته الاجتماعية و السلطوية و السياسية ، و تمظهراتها اللغوية و الثقافية و الفكرية ، لكن شيوع هذا المصطلح عندنا في اللغة العربية من جذر ( نساء مفردها إمرأة ) وضع التباساً و غموضا ً في نسبته إلى كل ما له صلة بالمرأة ، ما إن هناك الدوال المتعددة ( نسائي – انثوي – مؤنث- نسوي) لها مداليلها الاستعمالية و المصطلحية التي تفرق بينها ، بيد إن دال ( نسوي ) هو الذي فاز و كسب الجولة و حاز على رضا الجميع ، في أن يعد المعبر عن كل ما له صلة بالنساء من الحيض والولادة إلى الفكر و الثقافة و النقد و الأدب ، المتخصص أو القريب من نظريات النسوية وحده يدرك هذا الارتباك ، أنا في مقالاتي الشهرية التي تنشرها جريدة الصباح الرسمية العراقية ، بمؤازرة الشاعرة و الكاتبة النسوية العراقية السيدة ابتهال بليبل ( مشكورة ) نشرت مقالة بعنوان ( النسوية العراقية هل ماتت سريرياً ؟ بينت فيها إن النسوية العراقية تعاني سكرات الموت ، رغم وجود قوانين في الدولة العراقية منذ نشأتها في بداية القرن العشرين ، و نموها في بحبوحة الدولة العراقية الملكية ، لكن بعد عام 1958 اي في الدولة الجمهورية انحدرت إلى التدهور و الاضمحلال ، على الرغم إن العساكر الذين حكموا العراق شرعوا بعض القوانين لصالح المرأة والأسرة و الطفولة ، لكن ما نشهده الآن هو تغييب المرأة العراقية سياسياً و دينياً ، مع إعطاء مساحة لها للتعبير عن بعض قضاياها الهامشية التي تمثلها النساء المثقفات ؟ اللواتي يعتقدن في قدرتهن على نصرة المرأة و حقوقها بالكلمات و الشعر و الخطابات الفارغة ، لكنها في الحقيقة هي مقموعة و مستباحة في هويتها و ذاتها من قبل رجال الدين ، و من قادة الميلشيات السياسية و المنظمات الدعوية السلفية الإسلامية ، لكن الغالبية منهن بدافع الوهم أو الخوف أو التزييف يغمضن أعينهن عن حقيقة أن لا نسوية في العراق ، نصر حامد ابو زيد في كتابه ( دوائر الخوف عند المرأة ) أشار لبعض الإشكالات و التابوات التي تقصي المرأة عن نيل حريتها ، هنا أسأل هل تقدر المرأة العراقية الآن أن تتقلد رئاسة الوزراء أو البرلمان ؟أكيد لا و ألف لا ، في عام 2003 في الاحتلال الأمريكي للعراق جاء نظام الحكم بامرأة ، أذكر كان اسمها كذا ( الهاشمي ) تف اغتيالها ، و تم الغاء وزارة المرأة الخ هناك من يعارض كلامي هذا ، و قد تكونين أنت أستاذة غير متفقة معي ، لأنك شاعرة مبدعة حقاً و كتبت رواية ، و تعتقدين كغالبية الادباء إن كل ما تسجله الكاتبات نسوي (مئة بالمة) و أنا أتحفظ عليه.
س12| في الاونة الاخيرة نلاحظ ظهور الكثير من الكاتبات الشابات اصدرن روايات كيف تفسر ذلك؟
ج12| هذا شيء جيد، لكن هذا لا يعني إنها ظاهرة صحية ، و ليس صحيحاً أن نوقع ظهور كاتبات شابات في مجال الرواية مثلاً، فالوضع العراقي العام مزر، ناهيك عن الثقافة العراقية الضحلة ، مع الأسف الجميع يكتب ، لكن لا أحد يقرأ ، و تعافي الرواية بكثرة قرائها ، قبل سنوات أصدرت كتابي الأكثر شعبية كما تقول بعض الجهات الثقافية العربية ( و ليس العراقية ، فأنا أعاني من ثقافة اللاقراءة لأسباب يطول شرحها) و هو التحدث مع الرواية بينت فيه إن الرواية مثل كائن حي تعيش أو تموت بعدد من يقرأها ؟ من يكتب الروايات ؟كاتبات شابات ، هذا دليل على إن الرواية العراقية تريد الحياة ، لكنها تبحث عن القراء، و القراء في العراق ليس لديهم حب للرواية العراقية منذ السبعينيات من القرن الماضي ، حينما قام نظام صدام حسين بوأد المشروع الروائي العراقي الذي رعاه اليسار العراقي ( الشيوعيون) جيل الرواد من الروائيين الماركسين دفعوا بالرواية إلى أمام، غائب طعمة فرمان ، فؤاد التكرلي و سواهما ، بيد إن الحرب بين العراق و ايران لثماني سنوات كانت إحدى ضحاياها الرواية التي تحولت إلى جندي و ساتر و قنبلة ، بعد عام 2003م كانت الرواية تلفظ أنفاسها الأخيرة ، لا ثقافة حقيقية بعد الاحتلال الأمريكي لا فلسفة و لا فكر وفنون سوى الحرب الطائفية و النهب و السلب و القتل على الهوية في بلد ممزق خرج للتو من ثلاثة حروب دامية ، و تأتي ثقافة الكتابة المجانية بلا ضابط و لا رقيب ، الجميع يكتب الجميع ، و لأن الرواية كتابة مغرية لكنها خطرة ، و كما تعرفين نحن العراقيين نسنعذب المخاطرة و الحروب منذ نبوخذ نصر وأدنا الرواية ، مستقبل الرواية العراقية أقولها بملء الفم مظلم ، الرواية ليست عملاً هيناً ، و أكتفي هنا.
س13| انتشار الرواية القصيرة جدا والتشجيع على كتابتها هل يعني ذلك ان الرواية الطويلة صارت بسبب العالم الافتراضي عبئا على القارئ؟
ج13| أعتقد إنك تقصدين القصة القصيرة جدا ، لأنها الأكثر انتشاراً و جدلاً و استخداماً لدى الجيل الجديد ( و حتى القديم المتحفظ) الآن ، إن كنت تقولين بالرواية القصيرة ( النوفيلا) فليس المهم القصر أو الطول في العمل الروائي ، كتب مارسيل بروست روايته الطويلة جدا ( البحث عن الزمن المفقود) فقامت الثورة السردية في السيميوطيقيات عن جيرار جنيت و غريماس و تودوروف و جوليا كريستيفا على أعقابها ، بالمقابل كتب إرنست همنغواي روايته القصيرة ( الشيخ و البحر) و هي نموذج للكتابة الروائية الباهرة ، لغة و سرداً و تقنية ، و أصبحت تدرس في كلية اللغات الانجليزية خارج العالم الأنجلساكسوني ، الرواية القصيرة أكيد جيدة ؛ هي تتناغم مع إيقاع العصر لكن بشرط أن تعتمد على علم السرديات الذي تطور اليوم بعد الثورة السيميولوجية و البنيوية و الألسنية ، و مساهمات النقاد الألمان في مدرستي فرنكفورت و كونستاس( نظريات القراة) و لو تعنين بالاقصوصة و الومضة و الفيسبوكية و المدونات اللوحية و الهشتاكات و التفاعلية و الرقمية و الاسكيجات و رواية الخيال العلمي فالأمر يطول.
س14| من خلال الروايات التي أصدرها الجيل الجديد من كلا الجنسين كيف يرى الناقد مستقبل الرواية؟
ج1| لا أحد يتوقع ما يحدث بالمستقبل البعيد، و أنا بدوري لست خبيراً في سوق الكتب ، لكني محلل للظواهر الثقافية و الفكرية ، نحن الآن في العراق نعيش أسوأ حالات التدهور و الانهيار في الثقافة و الأدب لجملة اعتبارات يمكنك تصورها ، المستقبل المنظور غائم و باعث على التشاؤم.
س15| لماذا لا نرى الاهتمام من الجهات الخاصة بضرورة اقامة ملتقى الرواية سنويا كما هو الاصرار على اقامة مهرجان المربد، هل ذلك يعني ان الشعر أهم من السرد في عالم الأدب؟
ج15| من اللافت للنظر في الثقافة العراقية اليوم الضحالة التي تعيشها ، و الأزمة العامة التي تضرب العراق تعصف بالثقافة و لا تذر شيئاً، من أين يأتي الاهتمام للثقافة من أعداء الثقافة التي يعتقدون إنها كافرة و شيطانية و إباحية و ماكرة و داعرة الخكانت الثقافة تحت رعاية اليسار العراقي ، و الآن تمزق و تحول إلى هباء منثور ، فلا تستغربي بعدم إقامة ملتقى الرواية ، و هو ملتقى يمكن إقامته ، و لم نطلب رعاية الفلسفة أو الفكر الخ و لأن الثقافة العراقية تعيش عصر الجاهلية حيث كان الشعر ديوان العرب ، و الشعراء فرسان غزاة ينهبون و يغتصبون و يشربون الخمر و يأكلون ما لذ وطاب ، فالمهرجانات على قدم و ساق ، لا يكلف المهرجان الشعري سوى شعراء أنصاف متعلمين و منصة للهذيان و اعتذر عن كلامي لك و للقراء.
س16| كيف ترى الأدب النسوي في محافظة البصرة ؟ وهل عاضد النقد الأدبي هذا الجهد النسوي البصري؟
ج16| البصرة مدينتي ، كانت جميلة مثل المدن الأوربية في الستينيات من القرن الماضي، كنت صغيراً عندما كان يصطحبني أبي رحمه الله معه إلى الكورنيش حيث شط العرب و اشجار الصفصاف تحفه و قوارب البلم عشاري التي دخلتها المكننة تنهب مويجاته ، و أسراب السنونو تملأ فضاء البصرة ، البصرة اليوم غريبة عني ، و عن الكثير ممن يعشقون الجمال و سحر الهدوء، البصرة هرمت ، و هي بشعة قبيحة بسبب الحروب العبثية لنظام وأد جمالها و طيبتها، و نزوح الغرباء من الارياف و طغيان عاداتهم على الحياة البصرية ، و في أول المرأة البصرية التي كانت أكثر حرية و انفتاحاً، و لو بقيت البصرة سليمة لكانت من أروع المدن في الشرق الأوسط ، كيف ترين استاذة بلقيس الحركة النسوية في البصرة ؟ تلمسي حجم الخوف لدى المرأة البصرية من صراعات العشائر و حروبهم الطائشة التي تضيق الخناق على حياتها أم المشاهدات الدينية التي تخنق طموحها في التطور ، المرأة البصرية مهمشة مقموعة ، و الحمد لله في وجود حركة ادبية للمرأة تفتح نافذة للأمل ، الكتابة الادبية للمرأة الآن تبشر بخير.
س17| الناقد الاستاذ عبد الغفار العطوي هل حقق ما يطمح اليه في عالم النقد؟
ج17| منذ عرفت الكتابة و عرفت الفلسفة و الأدب و النقد فهمت إني أغامر في بحر لجي ، منذ البداية اصدقائي الأدباء و المثقفون من البصرة ، الذين أحبهم كثيراً جميعهم بلا استثناء ، و اختلف معهم بلا استثناء يعرفون حبي للتفرد و توقي في أن أضع الكلمات أمام الأشياء بتعبير ميشيل فوكو، و أن أفسر العالم بطريقة مختلفة في قول كارل ماركس، ما حققته إني نجاوز النص نحو ميتانص، إلى تحليل الخطاب و تفكيك الانساق و التفكير بما يخص التفكير برأي مارتن هيدجر ، أن أضع التفكير بعبد الغفار العطوي بواسطة عبد الغفار العطوي.
س18| هل هناك امنية لم تحققها في عالم الادب؟
ج18| كانت أمنية ليس في الأدب ، بل باللغة الأجنبية التي لم أطور قدراتي في إتقان اللغة الإنجليزية ، إنشغلت أو أهملت تطوير فهمي للغة الانجليزية ترجمة و معرفة دقيقة ، أنا أحاول قراءة المصادر الأجنبية في النقد و الفكر و الأدب ، و أعاني صعوبة فيها ، تمنيت دراسة الانجليزية كلغة مساعدة، و بذلك استغني عن الكتب المترجمة التي تخضع لمزاج المترجمين و سياسات دور النشر المشبوهة ، شجعت أولادي الثلاثة بنت و ولدان على الاهتمام بالانجليزية و نجحت لدرجة إنهم ما عادوا يقرؤن بالعربية و هذا خطأ فادح، على النقاد تعلم اللغة العالمية الانجليزية ليطلع على كل ما يحدث في ثقافة العالم.
س19|كلمة تختم بها حوارنا؟
ج19| الكلمة التي أود قولها لحضرتك و للقراء من ورائك : شكرأ لذوقك و لطفك ، لقد كان الحوار شاقاً مثمراً، و كنت على مستوى المسؤولية و الوعي و الذكاء.
عبد الغفار العطوي : ناقد عراقي متفرد ، يستعمل الفهم والتأويل منهجا، وفي قراءاته النقدية يخطو بوعي مقتدرٍ بحثا ً عما وراء النص، في حيازته بوصلة مؤتمنة هي من صنع خبراته العميقة في المعرفيات. رأى في النسوية والنظرية النسوية والنسويات فضاءه الرحب في الكتابة والتقصي، ومن خلال إبداع المرأة اكتشف فرصته الذهبية في تجسيد ما يمتلك من رؤى ومعالجات، الناقد العطوي يرى أن الإشكالات الثقافية المختلفة التي وضعت المرأة في مأزق الاختيار، وهي تسير بها قدما نحو فهم ما يمكن تحقيقه بالنسبة لمنظور الشكل الثقافي الذي تعتقده صالحا للتعبير عن مصالحها وغاياتها.. هذه الرؤية وسواها سنجدها متجلية بشفافية معرفية واسعة من خلال أجوبة الناقد العطوي في هذا الحوار…
س1|الاستاذ عبد الغفار العطوي، مؤلفاتك تكشف عن ثقافتك الموسوعية لماذا اقتصرت كتاباتك على الدراسات النقدية، ولم تجرب الشعر؟ الرواية؟ القصة القصيرة؟
ج1 – هذا شيء يتعلق بمزاجي الكتابي ، في مقتبل العمر عندما كانت الكتابة تغري لأول مرة بطعمها السحري التلقائي ، كعالم مخيف لكنه حلو، كتبت محاولات شعرية و قصصية و مسرحية، حتى إني كتبت رواية لازالت مخطوطة بين أوراقي القديمة، إلا أن الكتابة الأدبية تعتمد على خاصيتي التفسير و الشرح، و أنا أميل نحو مفهومي الفهم و التأويل، لهذا اخترت الكتابة النقدية، لأنها تتماشى مع مزاجي الثقافي و الفكري، ومطالعاتي الواسعة دفعت بذلك نحو النقد، لهذا اقتصرت كتاباتي على الممارسة النقدية، لكن تلك الممارسة النقدية لا تجعلني أميل لأن أكون ناقداً بالمعنى الدقيق للمصطلح، أنا ناقد، لأني استخدم الامكانيات الاجرائية للممارسة النقدية، استخدام المناهج النقدية، المنهجيات في الحداثة و ما بعد الحداثة، كالهرمانيوطيقا و السيميولوجيا ونظريات القراءة واللسانيات الخ كما ألتزم بالجهاز المصطلحي و الاستعمالات المرجعية، لأن ذلك يجعل كتاباتي تتسم بالمنهجية العلمية، و لا اتعامل مع القراءة الانطباعية أو الانشائية في الممارسة النقدية، بيد إني لا أحبذ مصطلح الناقد، بل أتصور تفضيل صفة الكاتب ( التي تقابل في الثقافة الغربية بالمفكر أو المنظر أو الفيلسوف ، مع التحفظ على هذا التقويس)
إذ أنا كاتب يحلل أو يفكك ما وراء النص الذي بين يديه ولا يكتفي بدراسة الظاهرة الأدبية، بل الذهاب إلى تعميق فينومينولوجيا، الكتابة التي تخزنها الذات ( ذات الكاتب ) وأحشد في مؤلفاتي
( وقد بلغت 17 إصداراً و مئات المقالات في الصحف )
الأساليب و التقنيات الفكرية واللغوية والثقافية، من هنا يطلق على كتابتي لمن يقرأها بالكتابة الموسوعة.
س2|أوليت اهتماماً كبيراً لمفهوم النسوية في كل كتاباتك، كيف تبرر ذلك معرفياً؟
ج2| أولاً أود تصحيح ما في السؤال ( مفهوم النسوية )أنت تقصدين النظرية النسوية، أو النظريات النسوية أو النسويات، الاهتمام بالنسبة لهذا الحقل المعرفي بدأ أولاً في كتابي المهم:
( ثقافة الجسد قراءة في السرد النسوي العربي الذي صدر عام 2014 عن مؤسسة السياب للنشر لندن) متأثراً بموجة التقليد الذي شاع عن الكتابة حول المرأة، ثم صدر لي كتابي الثاني حول: ( صناعة القارئ في السرد النسوي العربي المعاصر عن دار ضفاف في الشارقة عام 2015) و كانت قراءاتي تتجه نحو إبراز العلاقة بين نظريات القراءة و النظرية النسوية، بما يتعلق بالرواية النسوية، من خلال فكرة المحكي الشهرزادي، فاستعنت بنقاد الأدب الألمان كبرنس و اسكاربيت و آيزر و فيش الخ وفي هذه المرحلة كنت أكتب عن النظريات النسوية لإدراكي، إن هذا الحقل المعرفي يشكل بؤرة تمركز معرفي و مفهومي مهم، فالكتابة عن المرأة هي محور يمتلك مقومات التأمل الفكري الإنساني، تكون فيه المرأة الآخر، المبعد والمغيب، والمقصي، واكتشفت إن أشكلة الصراع الجنساني بين المرأة و الرجل في هذا العالم قائم على هذا الفهم، أي إن هناك تفاوتاً في المعرفة التي تنظر فيها القضية النسائية، يدخل ضمن علائق المراتب والتصانيف والدرجات التي تقاس بها التعالقات بينهما، كانت خافية عني، لقد عرفنا بعد مخاض إن الجانب الثاني من عالمنا محروم، و محرم، بل منتهك بتعبير الفيلسوف الفرنسي المعاصر جورج بتاي، بينته كتابات المرأة في الغرب بعد عام 1792 على يد ماريا ولستنكرافت، في كتابها الشهير ( دفاع عن حقوق المرأة) الجانب المظلم المقهور و المباح و الدوني و المزدرى: عالم النساء، و أيقنا لم كانت الفلسفة اليونانية عند إفلاطون و أرسطو و سقراط لا تحمل المرأة و وجودها الإنساني سوى بعين حمأة، ظل القهر الذكوري يكرس قروناً من التسلط و التهميش و التغييب الثقافي و اللغوي ضد المرأة، إلى أن استطاعت المرأة في الغرب الحصول على حقوقها المدنية و الحقوقية، في المشاركة في التصويت و الاستقلال المدني و تربية الاطفال و الطلاق، والميراث، بعد أن ذاقت الأمرين في النظرة الدونية والاحتقار الإنساني و الازدراء الاجتماعي و الثقافي على يد الرجل ومؤسساته السياسية والدينية والثقافية، كانت نظرة إفلاطون للمرأة قاسية في فلسفته التي بحثها في كتابه ( جمهورية إفلاطون) و تبعه الفلاسفة ارسطو و بيكون و ديكارت و روسو و كانط، بيد إن الفيلسوف البريطاني جون استيوارت مل قلب المعادلة في مناصرته للمرأة، و بدأت الموجة الأولى للحركة النسوية في القرن الثامن عشر سياسية، و توزعت وفق المذاهب الفكرية الغربية آنذاك الحركة الاشتراكية و الحركة الراديكالية والإيكولوجية الخ، ثم في منتصف القرن العشرين بدأت الموجة النسوية الثانية التي كانت ثقافية تزامنت مع مرحلة ما بعد الحداثة، و تمخضت عن ظهور النقد النسوي و الرواية النسوية في الأدب تحت رعاية فلاسفة ما بعد البنيوية فوكو و دريدا و بارت و جوليا كريستيفا و تودوروف و بورديو، و من ناحية الحركة النسوية السسيو ثقافية جاءت ما بعد النسوية و النسوية العالمثالثية، أنا بدوري تعرفت على أشهر أقطاب الحركية النسوية في الغرب أمثال سيمون دو بوفوار، فرجينيا وولف، سارة جامبل جوليا كريستيفا، جيرمين غرير، بيتي فريدان، وشولاميتفايرستون، و شارلوت بيريكنز جليمان، و أخرياتفي، تاريخ الحركة النسوية العالمية، و اطلعت على نضالات النساء في العالم خارج الغرب، في الهند و بنغلاديش و تركيا و إيران، والوطن العربي، و تابعت المنهجيات النسوية و الجندرية، وتعرفت إلى النسوية الإسلامية، فكانت النقطة المركزية في معرفتي أن أفهم التاريخ القمعي و القهري و الاستبدادي للمرأة العربية و المسلمة، و وجدت إن هذا التاريخ استطاع تغييبها ثقافياً و لغوياً و حضارياً، و الأسباب التي أدت لهذا التاريخ البشع في سحق المرأة كثيرة، من أهمها الحالة الاجتماعية و الدينية، وبالتالي الحالة السياسية و الثقافية، فأصدرت مؤلفاتي التي تهتم بالحركة النسوية و محاولاتي في تفكيك و تحليل المؤثرات المعرفية التي ساهمت في قمع المرأة و تخلفها، و المؤلفات هي إرساء ملامح النسوية – هرمانيوطيقا القرآن ( صورة المرأة في القرآن) المرأة صورة مختلفة ج2 كتابات في النسوية –النسوية الشيعية – الدراسات النسوية من وجهة نظر الرجل – الكتاب الذي كرست فيه مشروعي النقدي الثقافي في قراءة الكتابة النسوية باعتباري رجلاً منفصل في ذاتي الرجالية عن أي ميل أو تعاطف مع محنة المرأة، تاركاً لها حرية التعبير عن ذاتها الثقافية بكل حرية، و الكلام يطول في ذلك.
س3|هناك من يرى في الكتابة عن النسوية جهداً منشغلاً في المضمون الروائي أوالقصصي بعيداً عن أسلوبية الكتابة ؟ ماذا يقول الناقد العطوي ؟
جج3-أعتقد إن سؤالك هذا أستاذة بلقيس مرتبك ،في العرض، أتصور إنك تقصدين إن الكتابة النسوية أو في النسوية، و هو فرق مضيعة للوقت و الجهد، و الأفضل توجيهها نحو الكتابة النقدية حول الرواية أو ما شابهها ، الأمر ليس هكذا في الغرب، حقل النسوية هناك عريض و واسع ، و هو حقل معرفي يشمل حقول العلوم الإنسانية كافة، نجده في السايكولوجيا و السسيولوجيا و الانثربولوجيا و علم الجمال و اللسانيات و اللغويات و الفلسفة و العلم و تطبيقاته، النسويات في الغرب يرتاده عشرات الآلاف من النسويات بمختلف الاختصاصات ، لكنه يمتاز بسمتين ، الالتزام الأكاديمي للعاملين به ، و انتشاره في مساحات الدراسات الجامعية و المؤسسات المختصة بشؤون النساء، و لديه المجلات النسوية المتخصصة و الدوريات المنهجية ، إلى توفر دور نشر خاصة للكتابات النسوية و المؤتمرات المتعددة ، إذا أردت معرفة المزيد حاولي مراجعة أية جامعة غربية ، في الولايات الأمريكية أو فرنسا أو غيرها في الغرب ، ستجدين ذلك ، في ثقافة الغرب أن لا تداخل بين الكتابات العلمية المنهجية و الأدبيات و الثقافات التي تحتضنها مجتمعاته إلا في انتشار قراءتها عبر الميديا ، و وسائل التواصل الاجتماعي و المكتبات و المؤتمرات و المحافل و الجوائز التي تهتم بكل هذه الروافد، لأنها تشكل مقومات الحضارة الغربية و تعزز تقدمها ، و أتصور إن اتهامك للكتابة النسوية ، بأنها مضيعة للجهد هو صحيح عندنا نحن في العالم العربي ( و العراق حصراً) لأن اللمثقفين عندنا يسرقون الثقافة الغربية ( اعتذر عن هذا النعت السرقة ، و أعتقد ستفهمين حضرتك و يفهم قراؤك المعنى المجازي للسرقة هنا) الثقافة الغربية الميتة ، بسبب سعيهم وراء الموضة و المثاقفة ، يقطعونها من سيقانها دون جلب الجذور ، و الثقافة لها جذور مختلفة ، و يضعون هذه الثقافة في آنية و يعتقدون إنها ثقافة حية كالطفل العابث الذي يقطف الزهور واضعاً إياها في آنية دون جذور ، معتقداً إنها ستنمو ، بيد إني أختلف في كتاباتي عن النسوية ، فهي كتابات جادة متنوعة ، نقدية في الأدب النسوي ، و تنظيرية في الفكر النسوي ،أي إن النسوية حقل معرفي له سمات منهجية اكاديمية ، و له تمظهراته ، و يضرب في أعماق الفكر الفلسفي الغربي ، و نقل مفاهيمه و مصطلحاته و معايناته و فلسفته و صراعاته الابستمولوجية الكولونيالية و ما بعد الكولنيالية ، من ضمنها فهم الآخر و هوياته و مأزقه في مركزياته حول ذاته هو الأساس في تبني النسوية الرجالية التي أؤمن بها ، في الحركة ما بعد النسوية التي تبنتها سارة جامبل و سوزان فالودي ، و النسوية المتأثرة باسهامات عالم النفس الفرنسي جاك لاكان الخ.
س4| منذ سنوات عرفت أنك في منتصف التسعينيات أنجزت مخطوطة عن المفكر الشهيد محمد محمد الصدر ما هو الدافع وراء هذا الموقف الشجاع الذي من المحتمل في وقتها أن يكلفك حياتك و حياة أسرتك؟
ج4| آه فعلاً، كان ذلك في الماضي ، شكراً لك ، لكن الأعمار بيد الله ، شخصية محمد محمد الصدر برزت في ذروة الاحتقان الشعبي في العراق ضد نظام سياسي استبدادي أدخل العراق في الحروب المتتالية منذ عام 1980، مما جعل شعور الجماهير يغلي و يستعر، و كان الصدر ظاهرة راديكالية عبرت الحالة الدينية إلى مساحات أخرى تشغل اهتمامات الجميع، إضافة إلى امتلاكه كارزما جذبت كل شرائح المجتمع ، بما فيها نحن المثقفين، كان حماسي و اندفاعي عاليين ؛ فألفن كتاباً ، الحمد لله لم ير النور، لأنه لو طبع بعد تغيير عام 2003م لعرقل منجزي الفكري و الثقافي ، لأن مقتل الصدر عام 1998 فجر الوضع لكي يدخل العراق في التمزق و الفوضى توج بالاحتلال الأمريكي ، أنا كتبت في الظاهرة الدينية 4 كتب هي – نحن و المهدي – الإمام المهدي و تحديات العصر – التأمل و التمرد قراءة في خطاب الهزيمة في الإسلام—البعد الثقافي في الإسلام في المفاهيم الرئيسية ، اتفقت هذه الاصدارات مع منهجي العقلي التواصلي في نقد الظواهر الدينية التي تعتمد على تفسير النص الديني ، و بما إن كل ما يكتب في النصوص الدينية من كتابات هي ذات صبغة فيلولوجية و إيديولوجية لا تؤسس لمنظومة تفكير تواصلية ، مادامت النصوص الدينية متعالية يساورها الشك أو النقص ، في بداية الأمر كنت أبحث في الدين عن العدالة ، في شخصية المهدي المخلص، و في شخصية الصدر أيضاً ، لكني وجدت فشل المنظومة الدينية في تحقيق العدل الإلهي ، فكان الاستياء نصيبي الأوفر ، مما دفعني إلى التشكيك بالكتابات الدينية التي تفسر النص الديني ( القرآني) دون منهج علمي معرفي ، لهذا كان كتابي البعد الثقافي في الإسلام قد أخذ صداه في مدى دائرة أوسع في العالم العربي ( صدر عن دار سطور – بغداد) و تظل ظاهرة الصدر وسام شرف لي و لمختلف الذين آمنوا برسالته الثورية التي اراد بها تحقيق العدالة الإلهية في المجتمع العراقي ، و وقفنا مع تجربته نحن الشباب آنذاك الإسلاميين و الماركسيين و الوطنيين.
س5| تقول في كتابك (كتابات في النسوية) (المأزق يظل موجودا في رؤية المرأة وهي تدور في حلقة التساؤلات التي تدرجها في إطار العلائق التي تنشؤها وهي تقاوم رغباتها بالثأر من الرجل أو إلحاق الضرر في المفاهيم التي يواجهها بها/ ص7)..هل النسوية من خلال قولك هي مجرد رد فعل بين أنوثة وذكورة؟ أم النسوية تدعو القطبين لبناء عالم يشعر الكل بالطمأنينة فيه؟
ج5| أولاً كلمة الثأر كما سيتبادر للقارئ العنف أبداً، إن الإنسان في عصر الحداثة و ما بعد الحداثة و ما بعد بعد الحداثة ( التيار المضاد لما بعد الحداثة ) قد تحول من كينونة في الوجود إلى كائنية في اللغة ، نحن كائنات لغوية منذ ثورة فريدناند دي سوسير الألسنية ، صعوداً إلى التداولية و تحليل الخطاب و نظريات الحجاج و القيم الإيتيقية التي تتحكم بالعالم الاخلاقي بتعبير يورغن هابرماس و كارل اوتو آبل يواجه الرجل و المرأة التساؤلات المتلاحقة ، و ما قصدته بهذه العبارة في مقدمة ( كتابات في النسوية) هو فهم منهجي عن العلاقة بين المرأة و اللغة التي تعتبرها جوليا كريستيفا ، أي اللغة من أكبر المآزق التي تثير التساؤلات حول القمع اللغوي الذكوري للمرأة ، فاللغة هي ملك الرجل ، و الغة هي المعرفة و وعي العالم هي الكرونوتبي العالم ،و سيمياء المرئيفي تعبير جاك فونتاني.
أستاذة بلقيس النسوية حركة تحرر سياسية تقودها المرأة ، أما ما تقولينه عن البناء المشترك بين المرأة و الرجل فهو مجرد وهم ، هناك ثورة صامتة للاستحواذ على العالم في إطار الثأر الوجودي الذي ستنتصر فيه المرأة في نهاية المطاف كما يتنبأ علماء الاجتماع ما بعد الحداثيين.
س6| في كتابك (المرأة صورة مختلفة) تقول (يظل النظر إلى المرأة على أنها إشكالية أنثوية من وجهة نظر الرجل) ؟! هذا يحتاج توضيحا مِن الناقد المتخصص بالنسوية الاستاذعبد الغفار العطوي؟.
ج6|أحب أن يكون السؤال في الإيضاح( و ليس التوضح) فالإيضاح أهم من التوضيح ، لأنه يتعلق بالتمييز المفهومي ، ففعل – أوضح أدق تعبيراً من الفعل – وضح ( بتشديد الضاد) فعلاً أنا أدركت هذا الغموض في هذه العبارة ، و كان الخطاب موجهاً نحو إيجاد منهجية ، تفهم القارئ ما هي الإشكالية ، و ما المقصود بها تماماً في هذا الموضع ، لهذا قمت بإعادة قراءة ثانية لما طرحته في هذا الكتاب، و سيصدر عن دار كيوان في سوريا ، من منشورات اتحاد الأدباء في البصرة بمساهمة شركة آسياسيل للإتصالات كتابي ( المرأة صورة مختلفة إعادة انتاج الإشكالية الأنثوية – قراءة ثانية) المسألة متعلقة بالإنتاج المفهومي للإشكال أكثر مما هو قائم في دراسة المقاربات التي تناولت الإشكالية الأنثوية ، و قمت بالإيضاح المسهب في إشكاليات في صورة المرأة و هي ترتبط كما في منظور بورديو في الانتاج المفهومي للمسألة الأنثوية ، وساعدني في ذلك التحديد الابستمولوجي في أشكلة الأنوثة بوصفها جملة تحولات ثقافية و جمالية منهجي التأويلي ( الهامانيوطيقي) و المنهج القرآئي ( نظرية القراءة و أفق التوقعات و الفروض المسبقة ، في فهم العلاقة بين المرأة كذات و الأنثوية كغيرية ذاتوية ، و لعل الفيلسوف الفرنسي المحبب إلي بول ريكور (1913-2005) في كتابه المذهل ( الذات عينها كآخر ) قد جعل القضية مفهومة لذوي الاختصاص ( سأهديك نسخة من كتابي الذي هو عن كتابين معاً دمجتهما بما يسميه الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر بالإضافات).
س7|لى أين وصل الناقد العطوي في كتابه الذي تراه ضرورياً( إرساء الملامح النسوية )
ج7| هذا الكتاب طبعته دار أمل الجديدة على نفقتها الخاصة ، هو ( إرساء الملامح النسوية ) و التحدث مع الرواية و هرمانيوطيقا القرآن و المرأة صورة مختلفة ( طبعته الأولى) و أهمية الكتاب إنه جمع بين النقد النصي (( المنهج القائم على تحليل النص بالاستعانة بالمقاربات وحدها ) للشعر و الرواية مع الكتابة النظرية التي تهتم بالنص الشعري النسوي و النص السردي النسوي ، و النص النقدي النسوي ، في التعويل على بعض المحددات التي تعرقل عملية إنتاج النقد النسوي و الكتابة النسوية ، إضافة إلى إني في هذا الكتاب تركت النقد النصي ( تحليل النص بوصفه منتجاً علائقياً في البنات اللغوية و الدلالية و البناية للنص ، و اتجهت نحو تحليل الخطاب ) الخ.
س8| انتشار الكتابة الروائية بهذا الشكل اللافت للنظر، هل هو عصر الرواية حقا؟ أم يتحكم بذلك سوق الثقافة من ناحية العرض والطلب؟ وإغراءات الجوائز الممنوحة للروايات؟ .
ج8| عصر الرواية هو مقولة قالها الناقد الألماني ياوس و هو من مدرسة فرانكفورت أو كونستانس ، لا أتذكر بالضبط في كتابه ( في الرواية ) في منتصف القرن العشرين ، إن ذاك العصر عصر الرواية ، لأن الرواية قد وصلت إلى ذروتها ، و كان تيار الرواية الجديدة في فرنسا و ألمانيا آخذ في الاتساع بعد فرجينيا وولف و ساروت و كلود سيمون و روب غرييه الخ ، نحن الآن نعيش عصر السرديات و سقوط الحواجز و زال الإجناسية كما كتب تودوروف ، إنتشار الرواية في العالم العربي ( و في العراق) بسبب الحمم البركانية التي قذفت بنيرانها من الرواية الكولونيالية و ما بعد الكولونيالية في ما وصفه إدور سعيد و هومي بابا ، خاصة في كتابي الأول ( الاستشراق – و الثقافة و الامبريالية ) و في الرواية الفنطازية لماركيز و كتاب أمريكا اللاتينية ، و كذلك الروائيون في اليابان و الصين ، نحن في عالمنا العربي نأتي في آخر الطابور بعد انتهاء العرس أو الزفة ، أعتقد إن ما قلتيه فيه جانب من الصحة ، فمادمنا لم ندخل الحداثة الغربية معرفياً ، فنحن عرضة لكل تيارات الثقافة التي تروج لها ور النسر و ستراتيجيتها الخبيثة ( فلا ثقافة بريئة في عالمنا هذا ) و تلعب الترجمة و المترجمون الدور الحساس في الترويج لثقافة هي في الغرب خفتت أو مالت للصمت ، و وصفها بالعصرنة أو الحداثية أو ما بعد حداثية.
س9| العالم الافتراضي و الكم الهائل من الكتابات ( الثقافية ) و من خلال تنشيط ثقافة النص المرئي هل نجح في إزاحة الكتابات الثقافية الجادة ؟
ج9| من وجهة المقارنة بيننا و العالم الغربي ، ندرك إن العالمين الواقعي ( المعيشي ) و العالم الافتراضي ( الأزرق أو المخملي) فوارق في العالم الغربي العالمان يعملان باستقلالية ، أو معاً في بعض النقاط التصنيفية ( السوقية )لأن العالم الافتراضي في الغرب لما حل في البيئة الغربية وجد إن هناك بنى تحتية في الثقافة و الآداب و الفنون ، و إن هناك تقاليد تراعى و قراء يتابعون أجيالاً بعد أجيال ، و مؤسسات راعية للثقافة و مدافعة عن حقوقها بضمان حقوقي قانوني ، الدول الغربية سنت القوانين للحماية الثقافية المقروءة ورقيا ، و المجتمعات نشأت على احترام هذه الثقافة ، و لما حلت الثقافة الرقمية و الافتراضية لم تنتج أزمة بالمعنى الجينالوجي ، بل ذهبت إلى الوعي المزاجي للجيل الجديد ، لكن المصيبة عندنا كلما دخلت أمة لعنت أختها ، أو مثل تاريخ الشرق حضارات ناشئة تمحو حضارة سالفة ، و السبب القرون المتراكمة من الجهل و الأمية و الاستبداد الفكري و الثقافي والديني و السياسي و الاجتماعي الخ.
س10| هل هناك أزمة نقد أدبي ؟ خصوصاً و إن الكتابات التي تتناول كتباً لم تخرج عن باب المجاملات التي تفضح من جانب آخر إن من يكتبها لم يطلع شخصياً على الكتب التي يكتب عنها ، بل سمع عنها ، و أحياناً يتبع رؤية ما كتبه سواه من باب المجاملة أو الذم؟
ج10 | هذا السؤال غامض ، و إسهابك في شرح ما تريدين إيضاحه عن الأزمة ، كان يكفيك القول معذرة : هل هناك أزمة نقد أدبي ؟ فيكون الجواب شافياً كافياً في إن الأزمة أعقد ، فميزان الأزمات لا يقف عند النقد الأدبي ، الأزمة تبدأ في العالم العربي ( و العراق بالذات ) في أزمة الوجود و الماهية و الهوية و غياب الحرية بأنواعها ، و العنف بأنواعه، و كذلك القمع و القهر الخ أزمة النقد الأدبي جزء منظومة أزمات في الخطاب و النص و النسق و النظرية و المنهج ، لا شيء في ثقافتنا و أدبنا حقيقي، مادمنا نعيش خارج الحداثة الفكرية ، في العشوائيات الثقافية حيث يمكن لأي جاهل أن يكون ناقداً أو شاعراً أو روائياً أو قاصاً، لأن هذه لا تتطلب المهنية، فلا يستطيع شخص ما أن يكون طبيباً أو مهندساً أو مدرساً إذا لم يحمل شهادة جامعية أولية على الأقل ، أما الشاعر و الروائي و القاص و حتى ( الناقد) يمكن لأي شخص يصبح بين عشية و ضحاها أديباً مفوهاً، الأزمة في النقد في العراق معقدة تتركز في غياب وعي الناس ( و ليس المثقفين فحسب) إن الناقد يمتلك مستوى المفكر و الفيلسوف ، أو يتبنى منهجاً فكرياً أو فلسفياً، و يعتمد على قائمة عريضة من الثقافة المفاهيمية و المصطلحية ، و الموسوعية قدر الامكان في الفلسفة و اللغة و التاريخ والمنهجيات والعلوم الإنسانية ، و أن تكون دراساته النقدية ذات تخصص منهجي اكاديمي ، فالنقد علم في تعبير رومان ياكوبسن، أما ما ينشر في صحفنا العراقية و العربية تحت نقد فهو ما يسمى في الغرب عرضاً للكتب.
س11|النسوية العراقية إلى أين وصلت ثقافياً من خلال مؤلفاتها الأدبية و الاجتماعية مقارنة بالنسوية العربية؟
ج11| قبل الإجابة على هذا السؤال ، علي أن أبين إن النسوية ( الفيمنيزم) هي مصطلح يطلق على الواجهة السياسية لحركة المرأة ، نضالاتها و كفاحها ضد التمييز الذكوري الذي يستخدمه الرجل عبر مؤسساته الاجتماعية و السلطوية و السياسية ، و تمظهراتها اللغوية و الثقافية و الفكرية ، لكن شيوع هذا المصطلح عندنا في اللغة العربية من جذر ( نساء مفردها إمرأة ) وضع التباساً و غموضا ً في نسبته إلى كل ما له صلة بالمرأة ، ما إن هناك الدوال المتعددة ( نسائي – انثوي – مؤنث- نسوي) لها مداليلها الاستعمالية و المصطلحية التي تفرق بينها ، بيد إن دال ( نسوي ) هو الذي فاز و كسب الجولة و حاز على رضا الجميع ، في أن يعد المعبر عن كل ما له صلة بالنساء من الحيض والولادة إلى الفكر و الثقافة و النقد و الأدب ، المتخصص أو القريب من نظريات النسوية وحده يدرك هذا الارتباك ، أنا في مقالاتي الشهرية التي تنشرها جريدة الصباح الرسمية العراقية ، بمؤازرة الشاعرة و الكاتبة النسوية العراقية السيدة ابتهال بليبل ( مشكورة ) نشرت مقالة بعنوان ( النسوية العراقية هل ماتت سريرياً ؟ بينت فيها إن النسوية العراقية تعاني سكرات الموت ، رغم وجود قوانين في الدولة العراقية منذ نشأتها في بداية القرن العشرين ، و نموها في بحبوحة الدولة العراقية الملكية ، لكن بعد عام 1958 اي في الدولة الجمهورية انحدرت إلى التدهور و الاضمحلال ، على الرغم إن العساكر الذين حكموا العراق شرعوا بعض القوانين لصالح المرأة والأسرة و الطفولة ، لكن ما نشهده الآن هو تغييب المرأة العراقية سياسياً و دينياً ، مع إعطاء مساحة لها للتعبير عن بعض قضاياها الهامشية التي تمثلها النساء المثقفات ؟ اللواتي يعتقدن في قدرتهن على نصرة المرأة و حقوقها بالكلمات و الشعر و الخطابات الفارغة ، لكنها في الحقيقة هي مقموعة و مستباحة في هويتها و ذاتها من قبل رجال الدين ، و من قادة الميلشيات السياسية و المنظمات الدعوية السلفية الإسلامية ، لكن الغالبية منهن بدافع الوهم أو الخوف أو التزييف يغمضن أعينهن عن حقيقة أن لا نسوية في العراق ، نصر حامد ابو زيد في كتابه ( دوائر الخوف عند المرأة ) أشار لبعض الإشكالات و التابوات التي تقصي المرأة عن نيل حريتها ، هنا أسأل هل تقدر المرأة العراقية الآن أن تتقلد رئاسة الوزراء أو البرلمان ؟أكيد لا و ألف لا ، في عام 2003 في الاحتلال الأمريكي للعراق جاء نظام الحكم بامرأة ، أذكر كان اسمها كذا ( الهاشمي ) تف اغتيالها ، و تم الغاء وزارة المرأة الخ هناك من يعارض كلامي هذا ، و قد تكونين أنت أستاذة غير متفقة معي ، لأنك شاعرة مبدعة حقاً و كتبت رواية ، و تعتقدين كغالبية الادباء إن كل ما تسجله الكاتبات نسوي (مئة بالمة) و أنا أتحفظ عليه.
س12| في الاونة الاخيرة نلاحظ ظهور الكثير من الكاتبات الشابات اصدرن روايات كيف تفسر ذلك؟
ج12| هذا شيء جيد، لكن هذا لا يعني إنها ظاهرة صحية ، و ليس صحيحاً أن نوقع ظهور كاتبات شابات في مجال الرواية مثلاً، فالوضع العراقي العام مزر، ناهيك عن الثقافة العراقية الضحلة ، مع الأسف الجميع يكتب ، لكن لا أحد يقرأ ، و تعافي الرواية بكثرة قرائها ، قبل سنوات أصدرت كتابي الأكثر شعبية كما تقول بعض الجهات الثقافية العربية ( و ليس العراقية ، فأنا أعاني من ثقافة اللاقراءة لأسباب يطول شرحها) و هو التحدث مع الرواية بينت فيه إن الرواية مثل كائن حي تعيش أو تموت بعدد من يقرأها ؟ من يكتب الروايات ؟كاتبات شابات ، هذا دليل على إن الرواية العراقية تريد الحياة ، لكنها تبحث عن القراء، و القراء في العراق ليس لديهم حب للرواية العراقية منذ السبعينيات من القرن الماضي ، حينما قام نظام صدام حسين بوأد المشروع الروائي العراقي الذي رعاه اليسار العراقي ( الشيوعيون) جيل الرواد من الروائيين الماركسين دفعوا بالرواية إلى أمام، غائب طعمة فرمان ، فؤاد التكرلي و سواهما ، بيد إن الحرب بين العراق و ايران لثماني سنوات كانت إحدى ضحاياها الرواية التي تحولت إلى جندي و ساتر و قنبلة ، بعد عام 2003م كانت الرواية تلفظ أنفاسها الأخيرة ، لا ثقافة حقيقية بعد الاحتلال الأمريكي لا فلسفة و لا فكر وفنون سوى الحرب الطائفية و النهب و السلب و القتل على الهوية في بلد ممزق خرج للتو من ثلاثة حروب دامية ، و تأتي ثقافة الكتابة المجانية بلا ضابط و لا رقيب ، الجميع يكتب الجميع ، و لأن الرواية كتابة مغرية لكنها خطرة ، و كما تعرفين نحن العراقيين نسنعذب المخاطرة و الحروب منذ نبوخذ نصر وأدنا الرواية ، مستقبل الرواية العراقية أقولها بملء الفم مظلم ، الرواية ليست عملاً هيناً ، و أكتفي هنا.
س13| انتشار الرواية القصيرة جدا والتشجيع على كتابتها هل يعني ذلك ان الرواية الطويلة صارت بسبب العالم الافتراضي عبئا على القارئ؟
ج13| أعتقد إنك تقصدين القصة القصيرة جدا ، لأنها الأكثر انتشاراً و جدلاً و استخداماً لدى الجيل الجديد ( و حتى القديم المتحفظ) الآن ، إن كنت تقولين بالرواية القصيرة ( النوفيلا) فليس المهم القصر أو الطول في العمل الروائي ، كتب مارسيل بروست روايته الطويلة جدا ( البحث عن الزمن المفقود) فقامت الثورة السردية في السيميوطيقيات عن جيرار جنيت و غريماس و تودوروف و جوليا كريستيفا على أعقابها ، بالمقابل كتب إرنست همنغواي روايته القصيرة ( الشيخ و البحر) و هي نموذج للكتابة الروائية الباهرة ، لغة و سرداً و تقنية ، و أصبحت تدرس في كلية اللغات الانجليزية خارج العالم الأنجلساكسوني ، الرواية القصيرة أكيد جيدة ؛ هي تتناغم مع إيقاع العصر لكن بشرط أن تعتمد على علم السرديات الذي تطور اليوم بعد الثورة السيميولوجية و البنيوية و الألسنية ، و مساهمات النقاد الألمان في مدرستي فرنكفورت و كونستاس( نظريات القراة) و لو تعنين بالاقصوصة و الومضة و الفيسبوكية و المدونات اللوحية و الهشتاكات و التفاعلية و الرقمية و الاسكيجات و رواية الخيال العلمي فالأمر يطول.
س14| من خلال الروايات التي أصدرها الجيل الجديد من كلا الجنسين كيف يرى الناقد مستقبل الرواية؟
ج1| لا أحد يتوقع ما يحدث بالمستقبل البعيد، و أنا بدوري لست خبيراً في سوق الكتب ، لكني محلل للظواهر الثقافية و الفكرية ، نحن الآن في العراق نعيش أسوأ حالات التدهور و الانهيار في الثقافة و الأدب لجملة اعتبارات يمكنك تصورها ، المستقبل المنظور غائم و باعث على التشاؤم.
س15| لماذا لا نرى الاهتمام من الجهات الخاصة بضرورة اقامة ملتقى الرواية سنويا كما هو الاصرار على اقامة مهرجان المربد، هل ذلك يعني ان الشعر أهم من السرد في عالم الأدب؟
ج15| من اللافت للنظر في الثقافة العراقية اليوم الضحالة التي تعيشها ، و الأزمة العامة التي تضرب العراق تعصف بالثقافة و لا تذر شيئاً، من أين يأتي الاهتمام للثقافة من أعداء الثقافة التي يعتقدون إنها كافرة و شيطانية و إباحية و ماكرة و داعرة الخكانت الثقافة تحت رعاية اليسار العراقي ، و الآن تمزق و تحول إلى هباء منثور ، فلا تستغربي بعدم إقامة ملتقى الرواية ، و هو ملتقى يمكن إقامته ، و لم نطلب رعاية الفلسفة أو الفكر الخ و لأن الثقافة العراقية تعيش عصر الجاهلية حيث كان الشعر ديوان العرب ، و الشعراء فرسان غزاة ينهبون و يغتصبون و يشربون الخمر و يأكلون ما لذ وطاب ، فالمهرجانات على قدم و ساق ، لا يكلف المهرجان الشعري سوى شعراء أنصاف متعلمين و منصة للهذيان و اعتذر عن كلامي لك و للقراء.
س16| كيف ترى الأدب النسوي في محافظة البصرة ؟ وهل عاضد النقد الأدبي هذا الجهد النسوي البصري؟
ج16| البصرة مدينتي ، كانت جميلة مثل المدن الأوربية في الستينيات من القرن الماضي، كنت صغيراً عندما كان يصطحبني أبي رحمه الله معه إلى الكورنيش حيث شط العرب و اشجار الصفصاف تحفه و قوارب البلم عشاري التي دخلتها المكننة تنهب مويجاته ، و أسراب السنونو تملأ فضاء البصرة ، البصرة اليوم غريبة عني ، و عن الكثير ممن يعشقون الجمال و سحر الهدوء، البصرة هرمت ، و هي بشعة قبيحة بسبب الحروب العبثية لنظام وأد جمالها و طيبتها، و نزوح الغرباء من الارياف و طغيان عاداتهم على الحياة البصرية ، و في أول المرأة البصرية التي كانت أكثر حرية و انفتاحاً، و لو بقيت البصرة سليمة لكانت من أروع المدن في الشرق الأوسط ، كيف ترين استاذة بلقيس الحركة النسوية في البصرة ؟ تلمسي حجم الخوف لدى المرأة البصرية من صراعات العشائر و حروبهم الطائشة التي تضيق الخناق على حياتها أم المشاهدات الدينية التي تخنق طموحها في التطور ، المرأة البصرية مهمشة مقموعة ، و الحمد لله في وجود حركة ادبية للمرأة تفتح نافذة للأمل ، الكتابة الادبية للمرأة الآن تبشر بخير.
س17| الناقد الاستاذ عبد الغفار العطوي هل حقق ما يطمح اليه في عالم النقد؟
ج17| منذ عرفت الكتابة و عرفت الفلسفة و الأدب و النقد فهمت إني أغامر في بحر لجي ، منذ البداية اصدقائي الأدباء و المثقفون من البصرة ، الذين أحبهم كثيراً جميعهم بلا استثناء ، و اختلف معهم بلا استثناء يعرفون حبي للتفرد و توقي في أن أضع الكلمات أمام الأشياء بتعبير ميشيل فوكو، و أن أفسر العالم بطريقة مختلفة في قول كارل ماركس، ما حققته إني نجاوز النص نحو ميتانص، إلى تحليل الخطاب و تفكيك الانساق و التفكير بما يخص التفكير برأي مارتن هيدجر ، أن أضع التفكير بعبد الغفار العطوي بواسطة عبد الغفار العطوي.
س18| هل هناك امنية لم تحققها في عالم الادب؟
ج18| كانت أمنية ليس في الأدب ، بل باللغة الأجنبية التي لم أطور قدراتي في إتقان اللغة الإنجليزية ، إنشغلت أو أهملت تطوير فهمي للغة الانجليزية ترجمة و معرفة دقيقة ، أنا أحاول قراءة المصادر الأجنبية في النقد و الفكر و الأدب ، و أعاني صعوبة فيها ، تمنيت دراسة الانجليزية كلغة مساعدة، و بذلك استغني عن الكتب المترجمة التي تخضع لمزاج المترجمين و سياسات دور النشر المشبوهة ، شجعت أولادي الثلاثة بنت و ولدان على الاهتمام بالانجليزية و نجحت لدرجة إنهم ما عادوا يقرؤن بالعربية و هذا خطأ فادح، على النقاد تعلم اللغة العالمية الانجليزية ليطلع على كل ما يحدث في ثقافة العالم.
س19|كلمة تختم بها حوارنا؟
ج19| الكلمة التي أود قولها لحضرتك و للقراء من ورائك : شكرأ لذوقك و لطفك ، لقد كان الحوار شاقاً مثمراً، و كنت على مستوى المسؤولية و الوعي و الذكاء.