إلى: منى مسعود:
الفضاء الروائي في (هم ونحن والقادمون) بسعة ثلث قرن عراقي: مسرحهُ بغداد الملاكين الزراعيين وعبيدهم، ثلث قرن من نهاية الاحتلال العثماني إلى بداية الاحتلال البريطاني: والمشترك بين العدوين والشعب العراقي هو الحرية التي سرعان ما تتحول وهما وماتزال لحد هذه الساعة من الزمن 2022 إذن الشخصية الرئيسة هي الحرية العراقية التي كلما عبدّنا الطريق لها بالدم كلما انتبذت/ نبذتها القوة المدججة على مدار الوقت. الحرية تواصل المسير نكاية بنزيفها وحركة المجتمع بين نكوص وخطوات ضئيلة للأمام.
(*)
ستكون بؤرة قراءتي: الكينونة المهمشة المتجسدة في شخصية العبدة خيرية التي هربت من بيت أسيادها نحو الحرية وهذا الهروب الجماعي من العبيد والعبدات واللجوء إلى مقر الحاكم البريطاني يجسد مرحلة اجتماعية جديدة: إلغاء الرق والدخول في أعلى مراحل الرأسمالية وهي الامبريالية
(*)
سؤال الحرية مازال مقفلا للان (الشعب كله اليوم.. الناس كلها تصيح نريد حريتنه يريدون حريتهم من أشخاص(الباريوز) أنفسهم الذين احتضنوا منذ أكثر من ربع قرن عبيدا آبقين.. فكيف انقلبت الدنيا ودارت كيف اشترينا واستعبدنا من قبل أولئك الذين كانوا يطالبون بالحرية للعبيد/ 287).. سؤال قراءتي: أليس هكذا حرية هي من أقنعة الحداثة الأوربية المعولمة؟!
(*)
الحرية العراقية في الرواية استعيرُ لها من الاشكال الهندسية: شكل الدائرة والبينة على ما أقول هي شهود العدل روائيا وهم حسب تنضيد قراءتي
- السطر السابع من الفصل الأوّل يخبرنا السارد (وكان الجميع في الحقيقة مبهورين قد أخذهم الاستغراب أو العجب إذ لم يحصل قبل ذلك ان هربت منهم خادمة أو تمردت عليهم أمة وكانت هذه الأمة خيرية بالذات تبدو وكأنها لا تفهم من أمور حياتها شيئا ولا تكاد تعيها.. / 11).. وسوف يكون العبيد آبقين والأصح أن بريطانيا كقوى عظمى قررت إلغاء الرق وتحريم تجارته. القرار البريطاني كلمة حق أريدها بها باطل فهي ستقبض على الشرق بقناع التحرير، وتستعبد كنوز الشرق الثري. لكن هناك متغيرات على الشعوب أن تعيها لتستقوي بها، أعني أفكار التحرر والتجديد المتجسد في شخصية الشاب سليمان قارئ الكتب والصحف والمجلات شقيق الملاّك الزراعي الكبير (بابا الحجي) كما تطلق عليه العائلة.
(*)
هذا الملاّك أصيب بعدوى التجديد من خلال شقيقه فيرى أن الكل يتحدث عن ذلك ويعود السرد إلى نقطة البداية: العبدة خيرية (حتى الأمة خيرية قد سبقته إلى هذا النمو والتغير.. تذكرها.. حينما هربت من البيت تنشد حريتها/ 79) ويحاول فعل السرد أن ينصف الدادي خيرية حين يركز على وجهها الذي لا يحسن التعبير، إلا من خلال حاسة واحدة (لم يتكلم في وجهها سوى عينيها الحمراوين الواسعتين الجاحظتين وأن تبقيا أبدا مفتوحتين كانت تلكما العينان كل شيء عندها تسمع فيهما وتتكلم فيهما وأخيرا ترى فيهما ما يجب أن يريده غيرها فقط، أما ما تريد هي أن تراه فهو نظرات اختلاس قد تشعر بعدها بتأنيب الضمير ثم الصمت المطبق كان ذلك أرث العبودية الطويل الذي مازال يسري في دمها.. / 131).
(*)
بتوقيت الحرب العالمية الأولى، صارت خيرية موضوعا بصيغة علامة فارقة في هدأة سيرورة التاريخ المحلي (وأصبحت الحادثة منذ ذلك اليوم القصة التي لا تنسى ولا يفتر الحديث عنها بين النسوة حول المناقل، بين الرجال في أديوخانات وفي كل مكان ومن ذلك اليوم كانت خيرية تمشي متبخترة في الحوش وان لم تقلل من احترامها لأسيادها../ 16)..وكما يخبرنا السارد المطلق عن حسيبة حين يدور حديث العائلة حول الحرب (الله يستر! رددتها حسيبة وهي ما زلت جزعة. كانت تعرف الانكليز في حادثة هروب الأمة خيرية وهي حادثة لا يمكنها نسيانها أبداً فقد أثرت عميقا في نفوس الجميع/ 137) هنا يبرز الوعي الجمعي المجروح جرحا نرجسيا لا يغفر للعبدة تمردها على أسيادها، تأسيسا على هذا ترى قراءتي أن محوّر الرواية: العبدة خيرية: المرأة الميتة في حياتها والتي ايقظتها حداثة بريطانيا المستعمر الثاني الذي أسقط المستعمر الأول: الدولة العثمانية. مع كل متغير مجتمعي العبدة خيرية: تبزغ موضوعا وليس شخصا، أعني موضوعة التحرر والحرية وكلاهما ينطلقان من منصة الاستعمار!! هل هكذا يتدفق الديالكتيك في وحدة وصراع الأضداد؟ ها هو السارد المطلق يندس في الزمن النفسي لحسيبة الثكلى / المفجوعة بأبنتها سعودة ويدور السارد مع (الأفكار التي في رأسها تدور تقلبها على مختلف جوانبها فتنفي واحدة وتقبل الأخرى.. لقد كانت التجربة الأكثر عمقا في حياتهم هي هروب العبدة خيرية، وكانت حقا تجربة لها أعماقها هزت الجميع ومازالوا يتحدثون عنها، لقد تلاحقت التغيرات منذ تلك الأيام فكانت كجمرة قذفت بين ركام من الفحم وظل الريح يسعرها حتى اشتعلت وإلى اليوم مازالت تشتعل.. لماذا تغيرت دولة وجاءت دولة/ 175) حسيبة ترى وتشعر بالمتغيرات وهذه حدود ملامسة للواقع اليومي، أعني أنها لا تملك وعيا مثل زوجها التاجر أو شقيقها المثقف سيلمان إذن حسيبة المثال النموذجي لجنس الحريم.
(*)
الشكل الهندسي للرواية يكاد يكملُ الدائرة، حيث يتقابلان حد التلاصق: السطر الأول من الرواية مع السطر الذي يجعلنا على مشارف نهاية الرواية حين يصيح عباس طالب الثانوية ابن ضامن الأرض، المشارك في تظاهرات بغداد ضد المستعمر البريطاني أمام عائلة حسيبة وعائلتها (أنريد حريتنه.. منريد الانتداب! / 286) هنا يحدث تداعي كلمات في ذاكرة حسيبة: (حريتي.. طرقت هذه الكلمة سمع حسيبة في حادثة صغيرة كامنة في أغوار ذاكرتها، سافرت إليها في هذه الدقيقة بالذات.. عبر السنوات ذات يوم في ليلة باردة كانت تصيح تبكي لا تريد أن تنام إلاّ والعبدة معها، وفتشوا عن العبدة كانت قد هربت لاجئة إلى سفارة (الباريوز) وفي تلك الليلة ذهبت إليها مع أبيها الحاج وعمها سليمان وجدتها قابعة في البهو مع عبيد كثيرين آبقين مثلها يرتجفون يلتسمون عبير الحرية وركضت إليها واحتضنتها وكانت العبدة تصيح: أحبهم.. أريد هم.. بس ما ريد أرجع عبدة.. أريد حريتي!! /287).. هنا التراسل المرآوي المستعمر البريطاني الذي حرر عبيد بيوت الأثرياء، كان قد خطط لجعل العراق كله راسخا في عبودية بعيدة الأمد هنا نتلمس شعورا متسائلا من قبل حسيبة البسيطة: الاستعمار الذي قبل أكثر من ربع قرر إلغاء الرق كيف الآن يستعبد وطنا بحجم العراق(كيف انقلبت الدنيا ودارت كيف اشترينا واستعبدنا؟) أليس المستعمر الابن الشرعي لأمير ميكافللي ؟
(*)
ما قبل النص إعلان عن مكونات النص الروائي
- مدونة التاريخ/ عصملي / انكليزي
- ترميم التاريخ بالمخيلة
- ايديولوجية النص / ص6 / س الاخيرة
- تحويل الشفاهي مدونة ً/ ص8/ س5 أهلونا
- تدوير الذاتي سرديا / حسيبة/ 8
- تغذية النص بنصوص مآزرة / فخري الزبيدي/9
ما بعد النص
ملحقان
الأول معنون: تواريخ وصول أوائل التكنولوجيا إلى العراق
الثاني: بِلا عنونة ويمكن اعتباره بمثابة قاموس مصغّر يقوم
بتعريب المفردات التركية للقارئ.