مؤلفة رواية(صمت الفتيات) بات باركر ولدت في 1943 في شمال بريطانية، تلقت تعليمها في مدرسة لندن للاقتصاد ثم عملت مدّرسة للتاريخ والعلوم السياسية
نالت جائزة الغارديان على ثلاثية (التجدد) وروايتها(طريق الاشباح) حازت جائزة البوكر ولديها سبع روايات أخرى.
روايتها(صمت الفتيات) تتكون من ثلاثة أجزاء، كل جزء يتكون من عدة أرقام، الجزء الأول من (15) قسم ينتهي في الصفحة (127) الجزء الثاني يبدأ في ص131 ويبدأ من القسم(16) وينتهي عند القسم (34) في ص253 أما الفصل الثالث/ الأخير فيبدأ من ص257 بالقسم (36) وينتهي بالقسم (47)..
بات باركر في روايتها صمت الفتيات، اشتغلت تدوير السرد على نصوص تاريخية أسطورية، تنسب إلى هوميرس : الأوذيسية والألياذة والأنياذة، بالنسبة لي أطلعت على هذه الثلاثية، قبل سنوات: ترجمة الدكتورة عنبرة سلاّم الخالدي مع مقدمة بقلم الدكتور طه حسين.
في رواية بات باركر، تسطع سيادة المرأة الساردة، وليس الرجل السارد . إذا كان المؤرخ هوميروس جذلا بسفك الدماء، فأن المؤلفة في هذه الرواية تسقط أقنعة الالهة عن الابطال وتراهم مصاصي للدم والارواح البريئة.
وتبدأ بارت باركر بمشهد من أحدى روايات فيليب روث
(أتعرفون كيف بدأ الأدب الاوربي؟) ويبادر الاستاذ قائلا (..أنبثق بمجمله من قتال) ثم يختزل الحرب بشخصين أسطوريين (أجاممنون ملِك الرجال، وأخيل العظيم )، ومن اجل التوضيح.. ينقلهما من الاسطوري إلى الواقع اليومي قائلا مثل (شجارات حانات، إنهما يتنازعان على امرأة، بل فتاة سُلِبت من أبيها، فتاة اختُطفت في حرب) وبهذه النصيحة
استعملت الروائية بارت باركر بدءاً من السطر الاول في روايتها
(أخيل العظيم، أخيل المتقد، أخيل اللامع، أخيل الإلهي). وستخلع عن أخيل ما خلعوه عليه وتصفه بصفة واحدة حادة (لم ننعته يوماً بأي من هذه الأسماء، كنا نسميه (الجزار)/ ص11 وحين يقتل أخيل، عدوه البطل الأسطوري هكتور ويمثل بجثته وقد انتصر الاغريق على الطرواديين . رغم الانتصار فأن أخيل (بدا خاويا /258) رغم كل أكداس القتلى بسيف أخيل فالخواء تسيّد على روحه !!
فلا ينتشي بخمرة الانتصار وهو يتناولها كؤوسا من محبيه
بل يفر منها إلى برودة مياه النهر( وكل موجة ترفعه ثم تتركه يسقط، وتحيطه موجة أكبر من سواها.. يتركها تسحبه ُ إلى أسفل، أسفل وأسفل إلى داخل العالم الاخضر الصامت../ ص263)
الساردة هي من العائلة الملكية التي تحكم طراودة. الحرب تحول النساء جوائز للمقاتلين المنتصرين، ويتم توزيع النساء كثواب على أرواح المقاتلين أخيل يقدم الجوائز في ذكرى صديقه الحميم (فطرقل) وزع الدروع والمناصب ثلاثية القوائم (والخيول والكلاب والنساء/ ص268) !! وكانت صدمة الساردة حين تحولت صديقتها الحميمة الوحيدة (إيفيس) جائزة ً أولى للفائز الأول في سباق العربات!! ونساء عامة الناس (يزحفن إلى تحت الأكواخ ويمتن إلى جانب الكلاب/ص 104)..
توقفت قراءتي هنا وسطعت أسماء الفلاسفة والحكماء آنذاك وجماعات الجدل البيزنطي والمشائين والرواقيين
هل كل هذا العقل اليوناني كان يعتبر المرأة مجرد بضاعة ؟ أين ذهب دور امرأة فيثاغورس وهي من الفلاسفة؟ هل استرجل عقلها أيضا؟ ولأن مؤلفة الرواية امرأة فهي ترصد مالا يتوقف عنده أي مؤلف، اذ تعيد اوتصحح صياغة التأريخ الذي اعتدنا ان نراه بعين الرجل فقط، حين تتكلم على لسان الساردة الأسيرة : عن أخيل (لم يكن لديه أي فضول تجاهي ولا شعور بي كشخص منفصل عن ذاته، حين أضع الطعام أو الشراب أمامه في العشاء، لم أكن مرئية إلا في السرير، ولستُ واثقة في الحقيقة إلى أي حد كنتُ مرئية هناك /ص49) لكن أخيل يعرف قيمتها الثمينة ،في لحظة توزيع الغنائم
(شعرت أن المرة الوحيدة التي رآني فيها بالفعل كانت لحظة عُرِضت ُ أمامه ُ، نظر إليّ فقط بما يكفي ليتأكد أن الجيش يكافئه بجائزة تتناسب مع منجزاته)..
من جهة أخرى حين ينتصر الاغريق ويحرقون طراودة ويأخذون النساء سبايا ومن ضمنهن الملكة بريزيس.. سرعان ما تمنح هذه المرأة نفسها طاقة موجبة ، بتحفيز ذاكرتها واستعادة مدينتها قبل تدميرها (أطبقت يدي على أذني، واستجمعتُ آخر شراذم القوة في لأعيد نفسي.. دخلتُ من البوابة التي لم تتحطم بعد، ومرة أخرى رأيتُ القصور والمعابد التي لم تحترق. والشوارع مزدحمة والنساء يغسلن الملابس عند البئر، وأعدتُ تأهيل شوارعها بالناس واعدتُ زوجي واخوتي إلى الحياة…/ ص30) الحروب تكسر النساء لكنها تفشل في قتل الامل فيهن، هكذا تتعامل المرأة المتمكنة وتذلل كل التعسف الذي يجتاح مدينتها واهلها ، وعليها واجب مقدس احتواء ما يجري من أجل غد أجمل. صمت الفتيات: رواية، تستحق القراءة والتأمل.
(1) بات باركر/ صمت الفتيات/ عصير الكتب للنشر والتوزيع/ القاهرة/ ط1/ 2022/ ترجمة علاء عودة