الحضارة الأغريقية؛ اذ لم تكن جدلية العلاقة بين المسرح والمدينة عند الأغريق قضية إعتباطية إنما كانت وسيلة للتقرب من الألهة في أعياد ديونيسوس خلال تقديم الطقوس واداء الأناشيد الدينية تمجيداً للالهة؛ فتطورت الدراما على يد أسخليوس ويوربيدس وسوفوكلس، وعرفوا الفراعنة أشكال الفرجة والأحتفال، من خلال مقومات أساسية مدعومة من قوى اقتربت من الدراما على اعتبارها
وسيلة دينية مجتمعية ترفيهية تجمع بين العبادة الأدب والفنون.
ان دور المدينة الاغريقية، في تطور المسرح، حدث خلق علاقة ديمقراطية بين الإنسان والالهة
في المعبد الذي يعد مكاناً للعبادة؛ فكانت لاحتفالات أعياد ديونيسوس، أنذاك، تأثيرها على المدينة من حيث التأثير في المدينة والعكس، فيقول شيلر هنا بإن المأساة الأغريقية عملت على تهذيب، وتربية الشعب الأغريقي في خلق روح توازن عاطفي بين الذات والإيمان بالقوى العليا؛ فجعلت منه شعباً مدنياً واعياً مفكراً منتجاً للفنون ومجدداً لها.
ان تأثر العرب بالمسرح والثقافة الغربيين بعد نقل مارون النقاش مسرحية البخيل كتجربة مسرحية جديدة للمدينة من بلاد الشام الى مصر مما ادى الى ظهور فرق مسرحية تمثيلية رفدت الشارع العربي
بالمسرحيات المقتبسة او المنقولة او المترجمة الى العربية.
فأنشأ إنتماء نوعي للتشكيل الجماعي في تأليف المسرحيات إنتماء تعطش المدينة الإجتماعي للمسرح
وقد أسس ذلك الى ظاهرة التوحد مع الجماعة في فنيا ومسرحيا داخل المدينة ما جعل الدول العربية
تضع في أولوياتها اهتمامها بالمسرح.
ان العلاقة بين المسرح والمدينة علاقة جدلية، كما اتفق على ذلك كل من هيجل ولوكاش وماركس، فصنفها ماركس على انها علاقة جدلية قائمة على الصراع الطبقي، علاقة متبادلة، كعلاقات إنتاج وقوى إنتاج، وبنى فوقية تؤسسها: الثقافة والفنون والفلسفة، وتنطلق من منظومة الواقع داخل صراعات المدينة، وعلاقة قائمة على تأثير المدينة في المجتمع والعكس.
ان علاقة المسرح العراقي الخمسيني بالمدينة علاقة صراع سياسية وطنية شعبية بعيدة عن الايديولوجيا السياسية انما اتبعت منهج حاجة المدينة للمسرح والكلمة؛ وإن كان التوجه السياسي مؤثرا بالشارع، كما في مسرحيات يوسف العاني: انا أمك يا شاكر، والخرابة.
ان صراع المدينة صراع نفسي في تحريك القوى الإجتماعية داخل المدينة تجاه المسرح، بينما كان تراجع المسرح العراقي في المدينة خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي انما كان بفعل دخول المسرح التجاري كوسيلة ترفيهية اساءت الى الرسالة الإنسانية التي يحملها المسرح للمدينة وجمهورها؛ فاصبح للسلطة رقيبها على الفنون والأدب والثقافة، فصارت تضيق الخناق على العروض الفنية الجادة، ولكن رغم ذلك بقي المسرح في المدينة شاخصاً مشاكساً للسلطة.
خلاصة القول انه مهما تغيرت اشكال الأنظمة، والسياسات، فسيبقى المسرح في المدينة رسالة إنسانية في كل المجتمعات سواء كانت مجتمعات يتوفر فيها فضاء من الحرية او لم يكن.
شكراً للاستاذ الدكتور كريم عبود في انشاء مشروع المسرح والمدينة على اعتبارها قضية مفصلية مهمة تشمل المسرح العراقي ومسرح المحافظات والاقضية والنواحي.