كأس من الزجاج الثخين..تستقر في قاعه بقايا شاي وسكر.. مقبضه علامة استفهام تجنح نحو اليسار.. نحتت وسطه زهرة نجمية ناتئة.. ينبثق منها غصن متوج بحبيبات متكورة بشكل دائرة مشيرا نحو الافق. الزجاج ليس شفافا تماما.. يتصلب في القاعدة الدائرية.. يتدرج هذا الكأس من شكل دائري وينفرج من الاعلى. مثل قوسين متعاكسين.. رأس الملعقة مغمور بالبثل الساكن.. انه في انتظار شاي ساخن.. ليتمدد. وترن الملعقة..
لا صديق اشد حنانا منه في هذا الشتاء المتثلج..
الدائرة صممت كمركز ثقافي… وما اكثرها… تنتشر على كل مساحات البلد كمرض خناس، مواقع تسرطنت، دمى مشوهة للثقافة، موقع لغسل ادمغة الجيل وعسكرته.. سيبقى يتخثر فيها الشاي في اقداح يقدمها مهمشون لمروضين دهاة… ستجري فيها حكايا لم تسجل، ستتخمها الشعارات التي ستضيع مثلها، وتطويها قوة النسيان.
حين كان مديرا بلا دائرة او اثاث، وجه كولاجي لوظيفة، غرفته بلا ستائر، باب بلا قفل …
بعد ان قدم اليه العامل المسن الصامت كأس الشاي ومضى لمخبئه خلف الدائرة , اتت متانقة.. تجاوزت الدروس ووصلت.. شعرها الناعم الاسود يسرح حرا شاغلا كل ظهرها.. جسد غريزي ناضج.. فجأة القت رأسها في حجره، فاحتج.. قالت :
ـ الا تحب هذا
ـ المشكلة بالستائر المسلوبة , وباب الغرفة الذي لا يوصد… ونهضا …كانت هناك باحة محاطة بمتوازي مستطيلات من الكونكريت, ثبتت فيها الواح زجاج عمودية مستطيلة مرتفعة بين كل خمسة امتار … اخذا يتجولان حولها , ولما اكملا الدورة , مدت يدها بشكل عفوي الى جيب قميصه وخطفت ورقة مرمزة تختزن اشارات سياسية، فانتفض قابضا على يدها .. تصارعت الايدي حتى استعادها بعد عناء.. لكنها , لحظة اسلمت الورقة , اخذت تداعب يده ولم تمنحه فرصة للتفكير او رد فعل وجذبته الى الحائط .. وهزت ركوده بحركات متزامنة .. من يدين وساقين وفخذين وبطن وشفة.. وقبل ان يخطو دماغه نحو التفسير تناولت كرسيا، رفعته عاليا وضربت به البلاط بعنف، والتفتت اليه بنظرة جامدة (كلكم هكذا).. لم يجبها.. حاول ان يبقيها ولو للحظات ليضيء الامر، لكنها غادرت ببروود.
من (مجهر على القاع ).