تمهيد :
وكيف تَهدأ وأنت مسكونٌ بالوجع!
لستُ هنا بصدد الادعاء بأنني أمتلك مفاتيح ومغاليق نصوص القصة القصيرة بكل تعقيداتها وماوراءياتها ..واشكالياتها المعقدة ولا أزعم بأنني من رواد السرد الإبداعي فأنا أجد نفسي أقرب إلى القصيدة منه إلى القصة.. ولكن كقاريء لدود للقصة القصيرة تحديداً أرى شهادتي مجروحة بدم العرفان لصديقي وأخي القاص المبدع دكتور ناظم علاوي وانا اسلط بعض الضوء على مجموعته القصصية التي وصلتني مؤخراً والموسومة
لن تهدأ..
حاولت أن احتسي جرعة من الهدوء.. ولكن حقا لن تهدأ وأنت تسافر في تلك القصص.. في ازقة تلك المدينة..تمر عبر جدرانها وتشم عطر الماضي السحيق وترى في كل زقاق حكاية.
شخصيات القصة هم بقايا ظلال أحيانا.. وأحياناً هم ذلك الصوت فينا..وذلك الهاجس المدهش.
نعم هو الزمن الذي تسرب قبل أوانه وكسر ذراع كرسي العم أحمد في دهاليز ذلك المقهى وأحدث ثقوب في الذاكرة.
وفي قصة العودة يعود بنا القاص إلى ذات الشارع الذي احتضن طفولته وصباه ليرسم لنا بأتقان وتمرس ذلك الحلم الذي لم يكتمل.. بل ظل مثل بُقع داكنة تجرح وجه المرايا.. أو انعكاسات زمكانية أندثرت في دهاليز النسيان.. كل ذلك بلغة ثرية مدهشة وخصبة المعاني.. فيها مافيها من الشغف اللجوج الذي جعلني اتعكز عُكاز الوجع متعرجا بين السطور.
وليس ببعيد في قصة دفء الثلوج ذلك الليل الذي مزقته هُتافات الحرب وهو يسقط من قمة جبل ماوت بعد أن اخترقت ساقه شظية لعينة ظلت مثل وشم أسود.. وشمٌ يشع سواداً.
وفي قصة ريح لن تهدأ.. تلك الأحلام التي انهكتها براهين الوعي هي مثل أجراس منسية تَقرع طبول الحزن.. والمسافة هنا كما يصفها القاص هي قصة أُخرى يترنم بها قلبه فقط.. وهكذا بقية القصص الثماني.. كلها
حكايات اختزلت واقع مدينة وتارة أجابت وبطريقة ما عن تساؤلات كثيره عصفت بي وأنا اتجول في هذه العوالم الصغيره.
اللغة في هذه المجموعة القصصية مفعمة بالياسمين.. وأحياناً بالطفولة.. إنها على بساطتها هي اللغة ألتي أبدع بها صديقي أيما إبداع في أن يحرك بركة السكون في اللاوعي ويطرح تساؤلات موجِعة إن صحَ القول أو حتى عَبثية إلى حد ما.. مثل الحب والحرب والموت والميلاد والحزن والفرح.
هناك(لماذا) كبيرة تصفع القاريء في رحلته عبر هذهِ الاقاصيص كلها.
ختاماَ أتمنى أن أكون قد وفِقت في أن اسلط حزمة صغيرة من النور على تلك العوالم المظلمة والمنسية.