في قصيدة ” همسات على شواطئ النيل ” للشاعر السعودى الجميل صالح سعيد الهنيدي إيــه يــا مـصـر والـمنى مـورقاتُ ومـــن الـشـوق تــورق الأمـنـياتُ يـتـلـهـّى هـــذا الـحـنـين بـقـلـبي وتـــغــذّي جــنــونَـه الــذكــريـاتُ كـيف أحـتال إن أفـاق اشـتياقي واسـتـفـاقت أحــلامـه الـوالـهات احـمليني فـي الـنيل زورق عشق تـتـسـامـى أخـشـابـه الـحـالـمات واسـكبيني فـي مـائه ألـف معنى لـلـعـطاشى فـأحـرفـي ظـامـئـات. بهذا المقطع البديع للمحب العاشق لمصرنا الحبيبة يطالعنا الشاعر السعودى الشاهق / صالح سعيد الهنيدى بقصيدته الباسقة : ” همسات على شواطىء النيل “، فهو يعزف بحروفه الهامسة سيمفونية عشق لمصر النيل؛ التاريخ والحب المهراق على جدول الروح، من شاعر يدفعه الشوق والحنين إلى مصر المحروسة ونيلها الخالد الجميل، وهو الشاعر الذى أقام جسراً للحب بين السعودية والقاهرة، وأصبح شعره علامة تسطع مع أنوار القاهرة في المساء، وعند الليل تتهادى موسيقا كلماته نهراً لعشق ممتد، لعروس يعشقها، وفتاة يتشهاها اسمها القاهرة، وهى تهفو إليه تحتضنه بشوق، فهى تحب وتعشق من يحبها، وهو هنا – عبر صوره الباذخة – يختال كزورق في ليل القاهرة ليتهادى في قلوبنا ..
يتذكر أياماً قضاها بمصر، ويتبدى لديه الحنين شجواً، وشجناً وهياماً بمعشوقة السحر التى افتتن به، وهى مثله تماماً تضمه إلى صدرها النيلى بحنان ممتدن وعشق عروبى يربط بين المكى والقاهرى عبر سيمفونية الخلود،
يقول : حـين يـجتاحني الـشتاء يـشظّي دفءَ قـلبي ومـا جـمعتُ الشتاتُ وعــلــى مـقـلـتـيّ يــقـفـز بــــوحٌ لــــم تـسـطّـره هـاهـنـا الـكـلـماتُ ومـــداه اسـتـبـاح واحــةَ عـمـري شــعــرتْ بـارتـجـافها الـنـبـضاتُ رغــم أن الـحـقول تـرقـص فـيها ســنـبـلاتُ الــفــؤاد والــشـتـلاتُ والــقـلاعُ الــتـي بـنـيـتُ بـقـلـبي هـدّمـتها رغــم الأســى الـسنواتُ كـنت أخـطو سـاحاتها فـي ثباتٍ ومـــع الـعـمـر تـاهـتِ الـخـطواتُ.
إن الشاعر – هنا – يتذكر أياماً له في مصر، جميلاتٍ، في فصل الشتاء، وعبر صوره السامقة الأثيرة التى تخش إلى القلب – دون استئذان – نراه يراقص عصافير أرواحنا بموسيقا هسيس كلماته التى تفيض بالعشق؛ إلا أن العمر يمتد، فرأينا السنبلات تتراقص بالروح على ايقاع تمايلها بهواء الحقول العليل الذى لازال أريجه بروحه رغم مرور السنوات والخطوات التى تاهت إلا أن الذكريات نُقشت في قلبه إلى الأبد .
إنه يصور مصر بمحبوبة / عاشقة يستميحها أن تمنحه فضاء شاعرياً ليبتن له؛ولها حصناً ، قلعة؛ قصراً شيفونياً باذخاً، ليحتويهما، حيث يحلو المُقام له في رمش عينيها، وهو بذلك يرتق كصوفى عاشق إلى درجات ممتدة، عبر رحلة الحب السيموطيقى الرامز، والمخيال اللامتناه لجماليات الصورة وعمقها، ودفئها عبر لغة صافية، وموسيقا لا زحاف بها أو علل، بل حب وسمو، وسموق إلى المشتهى الروحى لفاتنة الحسن الجميلة؛ عاشقته المشتهاة ” مصر” ، يقول : امـنـحيني مــن مـقـلتيك فـضـاءً شـاعـــريا يغيـــب عنه الـوشـــاة سوف أبني فوق الجفون حصونا لاحـتـوائـي فــقـد يـمـوت الـبُـناةُ ومقامي في رمش عينيك أسمى حـيـن نـسـمو تـتسامق الـدرجاتُ وإذا ازدان فــي الـشـفاه حـديـث ســوف تـخبو بـطبعها الـصرخات. إنه الشاعر الثمل بحبها، يريدها لذة مشتهاة، وعاشقة تتجسد عبر تاريخها، وجمالها، يقول الحكمة، ويلهج بالجمال السيمولوجى الدال عبر مدلولات اللغة الرامزة، وعبر اقتصاديات اللغة الرامزة التى تشف، وتَرِفَّ ، وتتوق لشاعر يغزل من صوف روحه رهق النور، ليربط الحب الموثق في قلبه، بقلوبنا، فتنابعه بوجد، ومحبة، عبر سيمفونية الجمال المتلألىْ بأصداف محاراته، وجمال عباراته، وسبكه اللغوى والتصويرى الأثير، .
يقول : امـلـئـي كـــأس خـافـقي رغـبـات ومــــن الــحـب تــولـد الـرغـبـاتُ الــهــدايـا مــاسـنـهـا الـــحــب إلا حـيـن بـاتـت لا تـفـصح الـكلمات وردة مـــن يــديـك تـنـبت حـقـلا كــيـف لـــو كــان فـيـهما بـاقـات وإذا جـــفــت الــمـشـاعـر يــومًــا لــن تــروّي صـحـراءها الـقطراتُ والـحـكايا مــن دون أن تـتخميها فـهي مـن مـعجم الـهوى فارغات سـوف تبقى رهينة الصمت حتى تـتـلـظّـى أطـرافُـهـا الـمـوحـشاتُ.
وشاعرنا الجميل/ صالح سعيد الهنيدي، ليسعاشقاً فحسب،بل شعره يمكيج الروح، عبر لغة غلالتها جمال شفيف، إذ يختار حروف الهسيس، وكأنه يهمس طوال الوقت – في حديث غزلى مهيب -، كى تسمعه وحدها؛ لذا رأيناه عند الرحيل، ووداع المعشوشة يصدح في برارى العالم بفعل المر حيناً ، وبالمضارع حيناً ن وبالماضى كذلك ليجمع كل الأزمنة على شراشف نور قصيدته المضيئة بالحب،فهو يطلب منها عبر التشكيل الجمالى أن تعلمه حروفاً يتشبث بها قبل أن تتوه الحروف ن واللغات ،لحظة الوداع الآسن، وهو مع ذلك لن ينساها، إذ تظل الذكريات تحفر نقشاً سادراً في بوالى العظام، وعبر الجسد، وفى بؤبؤ الروح التى تفيض بالوجعن والمحبة، والجمال لعاشق رضع الهوى من نيلها، فغدت قصيدته أنشودة مغردة يحفظها العشاق على شواطىء النيل السعيد، والذى يحمل له كل الحب والذكريات السعيدة ، .
يقول : وإذا مــــا اسـتـبـدّ فـيـنـا رحــيـل فـالـمـآسي مـــن بــعـده هـيّـنـات عـلّـمـيني حـيـن الــوداع حـروفـا أسـتـقـيـها فــقـد تــتـوه الـلـغـاتُ لــن تـكوني رصـيد عـمري إذا مـا أصـبـحت فـيـه تـودع الـذكرياتُ.
وبعد : فنحن نثمن قصيدة الشاعر التى ترفل في أصص الجمال، وتعيد للشعريَّةِ العربية بهاء المعانى، وجمال التصاوير، واتساق المعنى والمبنى، وجمال اللغة التى يمتشقها من حسام روحه الهادرة بالحب الطاهر العفيف لمعشوقته مصر التى جسدها عروساً يتغنى في بهائها، وينشد فيها الشعر الشاهق الجميل .
إن شاعرنا الرائع / صالح سعيد الهنيدى يستعيد تاريخ الشعر العربى، عمود الشعر، أصالته الباذخة، ويضفى فوقه سمات حداثية، ليربط الماضى الأصيل، بالحاضر الجميل، لقلبه.
—–
* رئيس رابطة الأدباء العرب