منذ منتصف تسعينات القرن الماضي والشاعر والناقد مقداد مسعود ،ينشر نتاجاته النقدية في المجلات والصحف العراقية ، ضمن نوع معين من القراءة ،أطلق عليها (القراءة ألأتصالية ) ، وعلى حد قوله في كتابه (في هذه القراءة لااجترح معجزة ولاانتزع براءة أختراع في قراءتي للنصوص ص9 ) ….لكن والحق يقال لم أقرا دراسة نقدية فبل دراسات الناقد مقداد مسعود ، عنونت قراءتها ب ألأتصالية رغم متابعاتي الدؤوبة على مستوى الدراسات النقدية العراقية ، واذا كانت ثمة اشكالات في الأجراءات التطبيقية ، فهذا وارد وملازم لكل خطوة ضمن مشروع نقدي ربما يطمح أليه الناقد مسعود ، وحين يدقق القارىء في مقدمة الكتاب ، فأنه سيرى فيها نواة لمشروع تنظير نقدي ، كنت أتمنى لو توسع به في حقل التنظير ، لكن بعد قراءتي الثانية للكتاب ، استنتجت ، قد يكون الناقد تعمد تأجيل التنظير ، ليعطي لنا نماذج تطبيقية، يحاول من خلالها أقناعنا بقراءته ، الخاصة للأتصال والتواصل ، والذي يجعل القارىء ينجذب للكتاب أكثر هو حضور شعرية الشاعر مقداد مسعود في سردياته النقدية، فأنت تقرأ نصوصا أقرب في اسلوبيتها للنص الشعري ، لكنها شعرية ، لاتعيق سردية القراءة النقدية ولا أجراءتها ، من خلال اطلاعي المكثف كقارئة للدراسات النقدية ، المس جفاف الاجراء النقدي اسلوبيا ، خصوصا وان أغلب النقاد من حملة الشهادات ألأكاديمية العليا ، الذي تهمه اللغة التوصيلية ، المجردة من المحمول الشعري ولو بجرعات قليلة ، لذا حين يمارس الشاعر نقدا ، فهو لم يتخل عن روح الشاعر فيه ، بل يدخل الميادين كافة بروح الشاعر ، وقد قرأنا للشاعر مقداد مسعود، ثلاث مجاميع شعرية ( المغيب المضيىء دار الرواد المزدهرة 2007) (الزجاج ومايدور في فلكه 2009 دار الشؤون الثقافية وعن دار الينابيع في السنة ذاتها صدرت له (زهرة الرمان ) مجموعته الشعرية.. يتوزع كتابه (الأذن العصية واللسان المقطوع ) في اربعة أبواب، ويحتوى الكتاب على (26) دراسة نقدية تتوزع بين الشعر والقصة القصيرة والرواية ، والناقد مقداد مسعود ، لايطرد الشاعر الذي فيه وهو يكتب وهذا عينة واحدة من أدلة كثيرة ،حيث يبدأ دراسته النقدية عن رواية (صراخ النوارس ) هكذا : ( اشهد ان تفعيلي ل صراخ النوارس هو نتاج تجربة عاطفية بين أستجابتي كقارىء وبين كينونتها كرواية، ويحق لي المجاهرة انها ليست بالتجربة ألأنفعالية، بل هي تجربة متفاعلة نشطتها ووجهتها تكرار قراءة السرد الروائي )، والمبهج ان الناقد يشتغل على نصوص عراقية ساخنة ،كما هو الحال مع رواية زهير الجزائري (الخائف والمخيف ) وروايات الروائي البصري الراحل مهدي الصقر او نتاجات البريكان ، والقاص يعرب السعيدي والروائي وراد بدر السالم ، والشاعر ان عادل مردان وموفق السواد والروائية بتول الخضيري، والشاعر مصطفى عبدالله ………ويدخل للبصرة من كتابين احدهما لشاعر بصري والا خر لقاص بصري ،الأثنان يتناولان البصرة ، الشاعر يستحضرها وهو في المنفى ، اما القاص ، فهو يبحث عنها في بطون كتب السرد……..كقارئة المس جهدا نقديا مميزا ، بكدح معرفي دؤوب ، هذا الامر سيستفز افق التلقي التقليدي ، وارى من الضروري ان يستوعب المتلقي لغة (الأذن العصية واللسان المقطوع ) وعلى حد قول كراهام هاف (ان فهم عمل أدبي يتواصل بفهم لغة وأن الدراسة الدقيقة وحتى التقنية للغة هي الطريق الوحيد لذلك ص73 كراهام هاف ألأسلوب وألأسلوبية ترجمة كاظم سعد الدين ) لأن هذا الفهم، يعيننا في الكشف عن أسلوبية ألأشتغال ألأشتغال وتفكيكها، فالقراءات ألأتصالية المتوالية بمداراتها المولجة بمرايا تشظي ، حركة اللسان ، عبر تحديقه المجازي بألأذن ب ( صورة حلزونية الى بلوغ قمة المعرفة ص11 محمد شوقي الزين تأويلات وتفكيكات – فصول في الفكر الغربي ) ،وصولا الى كشف العملية التي تم أستئصال العوق والعطل في العصية والمقطوع، وأذا كان (المؤلف المنتج ألأول ، فالقارىء هو المنتج الثاني، بتتابعية ألأتصالية المرآوية ، لسيرورة فاعلية اللسان في ألأذن ،فهو يتخذ في البدء ، صيغة فعل دفاع ، (يردع الموت عنها أزاء موت مجهز ……..فهي تحكي لتمط حياتها وألأ حكاها سيف مسرور) واللسان فعله تربوي عيادي انقاذي، لاوجود للثأر وألأنتقام ، تتميز أسلوبية اللسان ،بأرتدادية أنعكاسية متعالية لم تقتل فيه ألأ القتل، فهي الحق المستعين بالفن (انا ) متعالية مقطوعة الصلة عن ال (هو)، لتدافع عن جنسها ووجودها ،وحضور اللسان، حضور فعال وانتاجي ،(ان قيمة كلام شهرزاد في مستوى من مستوياته، اذا استعملنا المصطلح ألأقتصادي ضمن ألأنتاج البضائعي يمكن ان نرى فيه نتاج يدوي قابل للتداولص38 )، وبهذه القوة أستطاع اللسان ان يحقق (انكسار المرآة الكونية المتعالية الى أضواء متعددةص12 محمد شوقي الزينتأويلات وتفكيكات ) ..فلولا هذا ألأنكسار(لما انحنت تلك ألأذن العصية………..لتستخرج أنا الملك التي سقطت ،وبه كان أختزال المسافة بينهما حفلة تعارفص7233738 ألأذن العصية واللسان المقطوع ).في أ لأتصاليات التالية :الغريزة الجنسية والفعل الجنسي الملء والتفريغ السري والعلني خارجانية ,- داخلانية الصباح والكلام المباح………..تفعل شهرزاد دور اللسان ، لتظهر ان (للحكاية حركة خارجانية ، فعلها (دنيازاد ) ورد فعلها (شهرزاد )، تتبعها حركة داخلانية من شهرزاد وتخص بها شهريار، لكنها لابد ان تمر عبر قناة الحركة ألأولى الخارجانية ص39 )…….دنيازاد غرضها من الحكايا التسلية ، أما غرض شهرزاد ، فهو مزدوج : ألأمتاع ـ ألأفهام ، سيرورة هذه الحركة تؤكد أن ( ألأفعال الكلامية تنحصر في أنجازها الذاتي ص149 د. محمد مفتاح لسانيات النص مدخل الى أنسجام النص ) ، وهو أنجاز واع في غوصه بأعماق بئر ألأذن، غوص حذر وفطن ف (شهرزاد لم تناقشه بمكابداته ،السرية والعلنية ولم تدعه يعترف لها……..تركته يستهلك مالديه من تصورات ثم تزوده بتصوراتها هي (ص 44 -46- -47 ألأذن العصية ) أذن هي عملية تنظيف ، أن لم تكن تعقيم وبتر بعلاجية ( قيدت طاقته ألتأويلية ص56 محمد خطابي لسانيات النص مدخل انسجام النص ) أليست اللغة هي عمل العقل فأن هناك عوامل تكمن تحتها أي ليست على السطح، ولهذا كانت ألأتصاليات متواليات شعرية السرد ، أختزل منتج (الأذن العصية واللسان المقطوع ) من خلال (35) أتصالية فرعية، سيرورة الليالي ألألف ، من بؤرة معينة هي كيفية ترويض ألأذن العصية لسلطة دموية باطشة ،، ويمكن اعتبار هذه المتواليات , أليات فعل النجاح ،، وهكذا غيرت شهرزاد (نظام معتقداته ومواقفه السلوكية ص139 محمد مفتاح تحليل الخطاب الشعري) وهشمت مرآة ال-هو- ( عبر القوة الصاعدة وأوقفت رهابية الدم ص22-23 ألأذن العصية) ……..تعرية كاملة فعلتها أليات ألأتصال، جعلت ألأصغاء يتماهي في الحكي ،بأنسيابية ،أشبه ب( اللذة المخيفة الناتجة عن عالم متهرب من الشعور بسلطة التحدي ص101 صور ديريدا ثلاث مقالات عن التفكيك ترجمة حسام نايل ) ………وتترابط ألأتصاليات السرد ية مع أتصالية لونية ، وهي كالتالي (ألأبيض ألناصع الى ألأخضر الزاهي الممتد ثم ألأصفر الفاتح فألأحمر القاني ، فألأحمر المسود، الممتد في أرجاء المملكة ص59 ) هذه ألأتصاليات بتراتبيتها : اللونية والضوئية والظلية،تظهر مدى النجاح الذي حققه فعل اللسان ، ف (أمتص الضوء وأختزنه فيه ولم يدعه يخترقه، أحتجز الشيء (شهريار) الضوء ص67)، وأذا تسألنا من أين لهذا اللسان الشهرزادي كل هذه المؤهلات والعضلات ؟ سيكون الجواب :من الشهرزادات اللواتي تخلو عن هوياتهم الشخصية مؤنثين حكيهم في ألأم شهرزادص16 -21 الأذن العصية ). من الملاحظ ان نص (ألأذن العصية واللسان المقطوع )يشتغل على السهل الممتنع ، فهو سهل القراءة ، لأنه يحيل الى نص تلقفته الأستجابة الجمعية ضمن الثقافة الشفاهية ، كحكايات ليلية مروية من قبل جدتنا في ليالي الشتاء البعيدات الأن، وازادتها بعدا التقنية وهي تؤطرها كشريط سينمي، وهو نص اعني (الأذن العصية واللسان المقطوع ) سهل من ناحية المعمار السردي فقد توزع في (35) وحدة سردية مكثفة ، وذات محمول شعري سرديا ،وأذا كان (الفكر الغربي قائم على ثنائية ضدية. الفوقية – التحتية، الرجل – المرأة ص108 دميجان الرويلي. د. سعيد البازعي ) ، فأن مرايات ألأتصاليات بقراءتها للنص كانت قائمة أيضا على ثنائية ضدية: الفوقية – التحتية اللسان – اللسان .