“بصراثا. بصراثا”
أتحسس ترابها… شغفا
كقماش الرايات المنتصرة
أتحسس أسماء شوارعها… في قبضة الشمس…
وأنفاسها محض ماء وملح،
ساخن صوتها، أنثوي الخطى، مسكراً حد صحو التشهي
حتى سواد العباءات… ضوء وصوت.
حتى ممالحها… عذب فرات.
وعند ضباب الرحيل، أسلم اسمي لها… أسلمني لها في ثبات
لها وحدها في الغياب.
(من مجموعة عرش بغداد.صدرت 2021)
باختصار من هو ياسين غالب وما هي أبرز أعماله؟
ياسين غالب (1981) بكالوريوس آداب اللغة الإنكليزية من جامعة البصرة. كاتب مقيم في هلسنكي منذ 2015 أنشر بصورة دورية في مجلة Elias الأدبية الفنلندية. كمْ أنشر في الصحافة العربية أو ينشر عني أو ينشر من موادي الكتابية، كالقدس العربي في لندن وغيرها. أشارك في انطلوجيات شعرية وقصصية. بالإنكليزية والعربية: مترجمة للفنلندية. عضو في القلم الدولي. لندن. والقلم الفنلندي. هلسنكي وعضو في عدة جمعيات أدبية فنلندية. وبعض الجمعيات الخاصة بالمهاجرين في بريطانيا. أنشط في مجال الكتابة الإبداعية والترويج لحرية التعبير. صدر لي: رواية + 15 . مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر . مصر 2020 “عرش بغداد” مجموعة شعرية . دار الأمل الجديد. سوريا 2021 “الماجدة . كنت زوجة للرئيس “ تأويل للنشر . السويد 2021 “ Stigma” مجموعة شعرية بالانكليزية مترجمة للفنلندية . دار نشر Enostone kustannus فنلندا2021.
بداية إلى ماذا يشير العنوان… في رواية + 15؟
. كان من الجيد ابتكار عتبة مغايرة، عنوان رمزي مفهوم بكل اللغات عند الترجمة. + 15 منحوت من سنة 2015هي العداد أو السنة الذي بدأ به وفود الموجة الكبرى إلى فنلندا ة 0الزائد تشير إلى التراكم في تقويم السنوات. المرة والحلوة طبعاً.
بعض النقاد توقف عند دلالة التصنيف الرقابي العمري بمعنى أن النص غير صالح لمن دون 15 سنة. لم أقصد هذا. ولكنه يصح. الرواية ليست للجميع لقسوة المشاهد أو جرأتها حد التقزز أحيانا وحسب منهج المدرسة الفرنسية الواقعي جدا والصادام ، كتب لي أستاذ جامعي في الجزائر “لديك عدسات كاميرا سوني لتصوير المشاهد… إلا أني لا أقدر إكمال الرواية” وفعلا الرواية تدفع بالقراء لمسافة جبل وتلقي بهم من هناك، الرقابة في القاهرة منعت أن تغادر الرواية المطار وحبست هناك أو قتلت هكذا.
هناك من يعتقد بأن العمل يحتوي على سوداوية مفرطة ليوميات طالب اللجوء وحتى اللاجئ بعد حصوله على أقامه هل تكتبها بنفس السوداوية لو كتبتها الآن ؟
وظيفة الأدب الرئيسية عكس الواقع بتكوين واقع مواز له. وفضح النفس البشرية ولفت الأنظار إلى الأشياء المعتمة والقلقة في العالم، وغيرها من الأمور التي تزداد توسعًا باتساع الحياة ومشكلات الإنسان، يتبع ذلك طيف من أنماط الكتابة الأدبية تنوع في الشكل والمضمون الأدبي سواء على الصعيد العالمي أم الصعيد المحلي.
ولأن الأدب العربي انتقائي رقابي داخلي وخارجي، ومثبط بسبب مثلث التابو الذهبي: دين جنس سياسة، فغالبًا لا تصلح إلينا كل أشكال الأدب الحداثوي إلا متأخرة. لم يظهر الأدب السوداوي إلا في العشر سنوات الأخيرة، وهو الأدب الكئيب اليائس الذي يحبطنا ويكسبنا على الدوام، وتنبع كآبته من كآبة الواقع وحقيقته، فهنالك فارق كبير بين قراءة رواية حزينة ورواية سوداوية، فالفارق ليس في درجة الحزن بل في مدى الصدق في الواقع وتعريته للحقيقة التي يرفض الكثير كشفها، كما أن الأدب السوداوي نوع أكثر شمولًا وإدراكًا لأشكال أخرى من الأدب مثل أدب السجون وأدب الديستوبيا وأدب الانتحار وأدب ما بعد الثورة.
يقول توم بيسيلل: “الكاتب العظيم يصرّح بالحقيقة حتى إن كان لا أحد يرغب بذلك”، وتلك فكرة الأدب السوداوي، الأدب الذي يتحدث عن الآلام الموجعة والقاسية في حياة البشر أو في حياة أحدهم،. ولكن القراء أحرار في قبول أو أعراض عن هكذا نصوص جادة.
مثلاً عندما تذهب إلى السينما، والرواية سينما كتابة نوعاً ما، فأنت أمام خيارات، طيف من الكوميديا الخفيفة إلى الرومانسية وللأكشن والإثارة إلى الدراما والسوداوية المفرطة ولك حرية الاختيار، فأنت من سيدفع ثمن التذكرة ومن سيدفع من وقته للمشاهدة، يستمتع أو يثار. يحزن يضحك.
الرواية من نفس المنطلق حرية اختيار من طيف متعدد. للسوداوية عشاقها ومنهم من يرى أنها الحقيقة وماعداها ضحالة وتفاهة وان العالم لم يعد بيئة صالحة للشعور بالسعادة كونها مقننة بمواعيد وروتين وضغط نفسي هائل يزداد كلما زادت الرفاهية.
مقارنة بأعمالك الأخرى بماذا تختلف رواية + 15 من وجهة نظر أدبية؟
تشبه هذه الرواية مجموعتي الشعرية “Stigma ”من حيث الضخ الصوري الحاد ورفع منسوب الصدمة والتأثير بالقراء لنقل عدوى كآبة الشخصيات نصياً.
يختلف الأمر مثلا عن روايتي” الماجدة. كنت زوجة للرئيس “
حيث التركيز على التأريخ السياسي لعائلة الرئيس السابق صدام حسين من خلال مذكرات زوجته السيدة ساجدة المسلط.
حيث الحكي بلسان شخصيات حقيقية في محاولة لخلق تأريخ موازي وتفكيك شفرات الفرد العراقي الذي بالغالب يتماهى مع هكذا شخصيات. تقرر الرواية أن التأريخ وشخوصه مادة متحفية لا تستحق عناء الاختلاف والتقاتل لأجلها، بخيرها وشرها. تلك أمة قد خلت…
وصلت بعض الأسئلة من القراء تشير إلى أنك ركزت بشكل مبالغ فيه على موضوع الجنس وقضية المثلية في تلك الرواية… ياسين القارئ هل يرى ذلك واقعيا؟
الجنس هويتنا البايلوجية، كلنا باحث أو مبحوث عنه جنسياً. ما الضرر أن يكون مادة مركزة موظفة جيداً في الأحداث، ليس للإثارة وإنما” لتفكيك “النفس البشرية ومعرفة هيدروليكيتها وغرائزها الأولية. لست خجلًاًّ من هذا ولربما لدي نصوص لم تنشر تحمل صور أكثر“ سوبر ريالزم” أو واقعية جنسية ولربما غرائبية.
القراء عادة يحصلوا على مادة جنسية مكثفة من الأنترنت ونت فلكس و HBO .
انتهى عصر التلميح واللعب بالكلمات والبلاغة الشعرية والالتفاف لوصف المشاهد الحميمية كما في السابق , المباشرة بالصورة تشعرك ان جزء من النص وجزء من الشخصيات بحرية عالية وكان ها سبب منع الرواية في مصر كان الجرعة العالية من تفاصيل المثلية والبورنو المباشر في النص. مع ان الروايةتسرد المثلية بفصل واحد فقط من أصل ست فصول. أعتقد أنه كان يجب التوسع أكثر في هذا المادة بعيدًاًّ عن التنميط الأدبي العراقي والعربي للمثلية في الرواية.
ومن أشهر الأمثلة عراقيا رواية الصديق وحيد غانم“ الحلو الهارب إلى مصيره ”وعربياً رواية الصديقة نسرين نقوزي “ المنكوح”.وكلا العملين لم يمرا بسلام طبعاً. القراء حينما لا يجدون أنفسهم في الرواية يلصقون الشخصيات بذات الكاتب وهذا غير عادل طبعا. هناك خيالات عالية وميتافيزيقيا وعوالم موازية ليس إلزاما أن يصاغ منها القراء والكتاب طبعا.
تجد في نصوص شخصيات مهمشة جداً وتوصيفاتها بالأحاديث اليومية هي شتيمة “كالعاهرة” والقوادة وغيرها. كتابة هكذا نماذج غنى سردي هائل وأرشفة للتحولات المجتمعية.
كلنا يكذب بادعاء الإنسانية عادة، الاختبار الحقيقي هو تقبل هذه النماذج كبشر في مجتمعنا بخطيئتهم وصلاحهم.
هل تلقيت ردود أفعال من قبل أدباء ونقاد فنلنديين حول العمل خصوصا وأنه يتناول موضوعات لها علاقة وثيقة بالفضاء الفنلندي؟
العمل لم ينشر بعد للجمهور ….لكن بعض النقاد وأصحاب دور النشر كتبوا لي بمودة وإشادة، أسعدني أن يصفو العمل ب “الأصلي”.
هذه الكلمة لها مدلول خاص أدبياً وفنياً وتسويقياً. ربما لأني كنت شاهدا حيا في تلك النصوص أو لأنها كتبت في أرض الحدث، كمبات اللجوء.
هناك أعمال كثيرة مقلدة، نسخ من نسخ من نسخ لقصص نمطية وشخصيات خالية من الحياة، كتبها عراقيون عن الهجرة ليحصلوا على منح يعتاشوا عليها وهذا طبيعي إلى هذا الحد، لكن أن يعمل كاتب في كامب لتجميع حكايات اللاجئين أو يسطو عليها آخر بخدعة مساعدتهم ثم يختفي بقضاياهم ويحولها لمادة تقريرية ميتة أو يستعين بمترجمين” لتسريب “مايسمعوا من قصص اللجوء خلال عملهم. هذا ليس من شرف الكتابة.
بالنسبة لمجموعتي الشعرية التي صدرت بالإنكليزية والفنلندية فنعم هناك مادة كثيرة مكتوبة عنها حتى أن ناقدة مهمة .
قالت: الآن فهمنا مشكلة اللاجئين لأول مرة ونعتذر عن أي إهمال حصل لكم.
للاطلاع:
https://kirjaviekoon.blogspot.com/2021/10/yaseen-ghaleb-stigma.html
https://juhasiro.fi/blogi/?p=6485
https://www.migranttales.net/migrant-tales-literary-yaseen-ghaleb-stigma/
أنت قدمت من بيئة عراقية وبعد سنوات قليلة بدأت تكتب أعمالا مرتبطة بشكل أو بآخر بالبيئة الفنلندية… المنتج الأدبي العميق يحتاج فيه الكاتب إلى تفكيك بعض شفيرات المجتمع، موروثه الثقافي وتاريخه القريب… هل السنوات القليلة التي قضيتها كافية لذلك؟
يقال كثيراً إن في داخل كلّ واحد منّا حَكاء كبيرٌ في بعض الأحيان ولكن الإبداع هو كيف تتحوّل هذه الحكاية إلى فَنّ رِوَائِيّ سردي. وبهذا ينتفي شرط الأقدمية إذا كنت بارعا في التقاط الصورة من المجتمع وتقديمها فنياً.
كتابة الرواية” موهبة “كما الصوت الجميل للمطرب، لا أحد يتخرج من الجامعة بصفة روائي ولا حتى من علمونا في الجامعة فنون النقد والمسرح والشعر والرواية قادرين أن يكتبوا رواية، هي جين خاص وكل محاولة للتقليد تولد ميتة ولو طبعت لك أرقى دور النشر ولو ترجمت أعمالك لكل لغات الكون. كذلك لن يجعلك العيش لمئة سنة في بلد روائي جيد والعكس صحيح لن تحتاج مئة سنة لتكتب جيداً عن بيئة ما.
خذ مثلاً رواية” سنوحي المصري” رواية تاريخية من تأليف الروائي الفنلندي ميكا فالتري. نشرت للمرة الأولى باللغة الفنلندية عام 1945.
أول وأشهر وأنجح روايات فالتري، تدور أحداثها في التاريخ المصري القديم، في عهد الفرعون إخناتون. لم يزر ميكا فالتيري مصر ولم يكن يعيش في عصر إخناتون.
اللافت أنه رفض دعوة من الرئيس جمال عبد الناصر لزيارة القاهرة وعلل ذلك أنه يرغب ببقاء صورة مصر الفرعونية العظيمة المتخيلة في رأسه لامصر العالم الثالث الحالية.
دراستي للأدب الإنكليزي منحنى فضاء واسع لفهم النصوص والمجتمعات الغربية. فهم طريقة تفكيرها ومخاوفها وتفاصيلها يومها وما يمكن التقاطه من قيمها وسلوكها وتاريخها.
بالنسبة لروايتي تم تفعيل هذا مع مساعدة مفتوحة من أصدقاء فنلنديين فيما يخص تحليل المجتمع والأحداث التاريخية الواردة في الرواية. حرب الشتاء.
كما أن تناسي اليومي بعالم الكتاب والفنانين الفنلدين سهل لي الأمر. وفي المحصل الرواية ليست بحثا ميدانيا أكاديميا، هي خلطة خيال معزز بالواقع اليومي.
لن يفوتني أن أذكر أن هناك فصلا عن الأفغان وموطنهم وتأريخهم وثقافتهم كان مقنعاً جدا برأي القاص المشهور محمد خضير، مع أني لست أفغانيا طبعاً.
الخيال هو المحرك التوربو الذي ننطلق به حسب قوانين فيزياء السرد الدقيقة.