تشكيل الحكومات معضلة كبيرة تعاني منها حتى الديمقراطيات العريقة، حتى قيل تهكّما، انّ الأنظمة الشمولية لها حسنتها في الخلاص من هذه المشكلة.
وقد تجد الديمقراطية نفسها مهزومة وضعيفة، حين تفتقر النخب الى الديناميكيات السياسية التي تمتص الانقسامات التي أصبحت ظاهرة مألوفة بعد كل معركة انتخابية.
وفي الولايات المتحدة كان الإخفاق واضح في الوفاق السياسي بعد الانتخابات في السنوات الأخيرة، كما كافحت الأحزاب في أوربا لإنشاء تحالفات حاكمة مستقرة تشكل الحكومات دون جدوى لفترة طويلة، نتيجة الاستقطابات الأيديولوجية واختلاف السياسات، لا سيما بعد صعود الزعماء الشعبويين وحصولهم على أصوات ومقاعد برلمانية في فرنسا وهولندا وألمانيا والنمسا منذ العام 2017.
تعطيل تشكيل حكومة ما، او التأخر عن حسمها، يمسخ فكرة الديمقراطية ذاتها ويجّمل الأنظمة الشمولية في العالم، وقد قال الرئيس الصيني شي جين بينغ شامتا في فوضى الغرب الديمقراطي، أن الصين تشق طريقًا جديدًا للدول النامية لتتبعه، إنه مسار الانتخابات المحددة النتائج سلفًا.
وفي الدول الديمقراطية العربية، فانّ تشكيل الحكومات لا يجري بسلاسة، بل وتحوّل في لبنان – على سبيل المثال – الى معضلة كبرى، اما في العراق فانها تشق طريقها بصعوبة على سكة التوافقات التي تفرض حكومات محاصصة و نظام تسويات وتراضي، لا حكومات تخشى المساءلة أمام مجلس النواب.
ومن المفترض انه أمام الأزمات، فانّ تشكيل الحكومات يجب ان يمضي بسرعة لتعزيز الأمن والخدمات وفق عرف من التوافق السياسي الذي اذا غاب فان جميع جهات الطبقة السياسية ستكون مسؤولة عن الفشل.
تشكيل الحكومات في العراق والدول ذات الديمقراطيات غير المستقرة، لا يجري وفق الدستور والاستحقاقات الانتخابية، بشكل خالص، بل على قاعدة الأعراف المتداولة التي تقسّم النفوذ، وقد أدى ذلك الى الكثير من خطوات القفز على استحقاقات مراكز الاقتراع، لتتحول رقصة تشكيل الحكومات من كونها احتفالا وطنيا الى ساحة اشتباك.
يجري ذلك كله في وقت يستعجل فيه أي شعب تشكيل حكومته، وقد أدى التأخير في دول الى احتجاجات تؤثر على الاستقرار الجيوسياسي، وينطبق الأمر على العراق الذي تنقصه الخبرة في تشكيل حكومات ائتلافية واسعة كما في الغرب.
في العراق، الذي عانى كثيرا من معضلة تشكيل الحكومات منذ العام 2003، فان الأمر يتطلب آلية ممنهجة راسخة
تضمن حصد نتائج الانتخابات لصالح المواطن، من دون ان تؤثر الصراعات السياسية على تنفيذ استحقاقاته في
الشوارع المبلطة والمستشفيات المزدهرة والمدارس الكافية، والنظام الصحي المتطور، والضمان الاجتماعي، ومستويات الخدمة وفرص العمل.
الحالة العراقية، تستنسخ الديمقراطيات الهزيلة، حيث التفاوض، يستمر لأشهر طوال بين الأطراف المتصارعة، فيما الخاسر الوحيد فيها هو الشعب.