عندما خرج عامر من العمل، عرّج على المقهى ليحتسي فنجان قهوة، ويستريح قليلا ، قبل أن يعود إلى البيت. فتح (الموبايل)، وجد رسالة من سيدة لا يعرفها، تقول:
ـ هاي.. يبدو أنك من عائلة محترمة!
بدا الاسم غريبا. لا يعرف أي امرأة باسم منال. إذا كان الوجه لصاحبة الرسالة بالفعل فهو باسم وساحر.
أحس بأن الكلام جميل، دغدغ مشاعره، رغم أنه غير دقيق. ثم رأى أن الاحترام صفة تحتمل معاني متعددة. أغلب النساء يربطنه بالانتماء إلى وسط اجتماعي مرموق. ربما قد يحتاج إلى أب يملك فيلا وسيارة فاخرة، والاستثمار في شركة مهمة، أو أن يكون موظفا كبيرا، يتقاضى أجرا بالملايين، إذا أراد أن يكون محترما بالمعنى الذي تقصده صاحبة الهاي.
من هذه الناحية يبدو الأمر مختلفا، فوالده توفي منذ سنوات، ولم يترك له غير دعوات الرضا التي يتمنى أن ترجح كفة حسناته يوم القيامة. وهو مجرد موظف صغير، بالكاد يتقاتل مع الأجر الذي لا يكفي لسدّ مصاريف البيت التي تضاعفت مع موجة ارتفاع الأسعار.
أجاب بعلامة غمز وابتسام وقلب أحمر تحت العين.
بعد ذلك وجهت إليه منال سؤالا حول حالته العائلية:
ـ هل أنت متزوج ؟
فكر أن يصارحها بالحقيقة، لكنه تراجع، ثم قال لنفسه:
ـ في العالم الافتراضي لا أحد يعرف إن كنت محترما أم لا، متزوجا أم عازبا، وسيما أم قبيحا!؟
قرر أن يكذب مثل الكثير من الناس، فأجاب من غير حذر:
ـ كنت متزوجا في الماضي. أما الآن فأنا حر طليق. أنا وزوجتي مللنا بعضنا البعض، ولم نعد نتفاهم على أي شيء. إذا سارت على اليمين، سرت على اليسار. لم تعد تناسب مقامي المحترم! لذلك سلك كل واحد منا الطريق الذي يُريحه، فتركت لها الجمل بما حمل.
بعد ثلاث دقائق تلقّى رسالة جديدة:
ـ صحيح! أنت قليل الأصل،! وولد الحرام! ناكر للجميل! من طبخ الطعام، ووضعه على المائدة، وكوى البذلة والقميص، وسَوّى ربطة العنق، وتمنى لك يوما سعيدا قبل أن تخرج إلى العمل؟
ارتبك فسقط الكأس من أعلى، وتناثر زجاجه تحت الطاولة، فأثار انتباه زبائن المقهى. حمل النادل المكنسة، وجمع شظايا الزجاج، ورماها في سلة القمامة.
أحس عامر كمن سقط في بئر عميق ومظلم، ثم رد بصوت مجروح:
ـ من؟! …. أنتِ!؟
أجابته وهي تكاد تنفجر بالبكاء:
ـ عندما تعود في المساء إلى البيت ستعرف من أنا؟!
مراكش 02 / 06 / 2022