تقديم
يقدم كتاب “كأنك هناك”(1) للقارئ المغربي والعربي نصوص رحلات تُهيمن فيها بنية السفر كفعل قصدي قائم على جعل المتن الرحلي خطابا يعتمد على الحكي، والذي يقتضي وجود الحاكي (الراوي) وهو الكاتب الذي يمثل في هذا الكتاب الذات المركزية التي تقوم بفعل الرحلة وتلفيظها بلغة خاصة، وبهذا تأخذ النصوص بعدا ذاتيا في عملية حكي تصطبغ بأحاسيس وميولات وعواطف الكاتب ومرجعياته الثقافية والفكرية. كما يصير الكاتب/الراوي موضوع الحكي إلى جانب المُحكَى عنه الذي هو السفر أو الرحلات التي أنجزها. فيتكون التلازم بين الرحلة والخطاب الذي له عناصر مكونة، معرفية وأدبية، ومضامين متعددة تتداخل فيها الخطابات. ومن أجل هذا تسعى هذه الدراسة إلى تناول مكونات خطاب الرحلة من خلال كتاب «كأنك هناك» للكاتب المغربي العربي بنجلون، كما ستركز على تجليات صورة المرأة بما يتميز به حضورها الفاعل والمؤثر في مضامين النصوص وفي بناء الخطاب الرحلي. وقبل ذلك لا بد من الإشارة إلى مفهوم الرحلة وإشكالية التجنيس.
1. الرحلة وإشكالية التجنيس
ورد ذكر الرحلة في القرآن فارتبطت بالزمن. ثم ارتبط الزمن ضمنيا بالمكان، فرحلة الشتاء كانت وجهتها اليمن، ورحلة الصيف كانت نحو الشام(2). وهذا الذِّكرُ للرِّحلة في القرآن حمل معه مضمرات سياقية ونسقية أخرى، منها أن الرحلتين (الموسميتين) كانتا في سبيل التجارة، وقريش كانت لها مكانة بين القبائل داخل الجزيرة العربية لانتمائها لمكة(3)، وهو مكان مركزي «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ»(4)؛ ولهذا الاعتبار كانت قوافلها ورحلاتها آمنة. فضَمن لها هذا الوضعُ (الذي منَّ الله به عليها) أمنا اقتصاديا وسياسيا: «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»(5).
من هذا المنطلق؛ فالرحلة فعل إنساني يقتضي انتقال شخص (فردا أو جماعة) في زمن ما، من مكان إلى آخر، وهذا الفعل يختلف من حيث الطبيعة والقصد والغاية وأيضا النتيجة. ولا شك أن العديد من البشر قديما خاضوا تجربة الرحلة، إما لسوءٍ مسَّهم اقتضى ضرورة الانتقال (في الزمان والمكان) بحثا عن الأمن أو الغذاء، أو لطلب العلم ولقاء العلماء، أو للحج وزيارة الأراضي المقدسة، أو للسفارة أو للتجارة، وغيرها من المقاصد والغايات…. وحين تتحول تجربة الرحلة أو فعل الرحلة إلى نص مكتوب (أو كما يسميه الدكتور سعيد يقطين «تلفيظ الرحلة»(6)) تصير كتابة ذات خطاب يتماهى «مع الرحلة وعوالمها، ويسعى إلى مواكبتها من البداية إلى النهاية»(7)، ذلك بسرد أحداث السفر والرؤية الذاتية والشخصية للرحالة، من انطباعات ومواقف، وكل ما يثير اهتمامه ويشغل باله في تنقله بين أماكن متعددة واصفا جغرافيتها أو عمرانها وحياة سكانها الاجتماعية والعلمية والأدبية والثقافية. فلا يخلو سرد الرحلة من فوائد علمية وتاريخية وأدبية وكلها عناصر تنهض بالنص الرحلي وتطرح إشكالية التجنيس.
فإلى أي جنس تنتمي الرحلة؟
صنف الدكتور شعيب حليفي الرِّحلة ضمن الأشكال الخالصة كالمقالة والسيرة والحكاية الشعبية والرحلات…(8) غير أن الأستاذ عبد الرحيم مؤدن يرى أن النص الرحلي ينطبق عليه المفهوم الباختيني الذي يتنافى ونقاء النصوص، أي أنه نص هجين. والتهجين في الرحلة، ينسحب على الموضوعات والأساليب والرؤيات والرواة والمحكيات والمصادر المختلفة والمعارف المتعددة.. كل ذلك تحت هيمنة بنية السفر المنظمة لمسار الرحلة المادي، من جهة، ولمسار الكتابة، من جهة ثانية(9). كما «تتزامن فيها، توازيا وتقاطعا، أنماط وأجناس من الكتابة الأدبية وغير الأدبية كل ذلك تحت الهيمنة “الفعلية” لـ”بنية السفر” -كما سبقت الإشارة- القادرة على “توليف” الأنماط السابقة من جهة، وخلق خصائص سردية، من جهة ثانية، تعيد الاعتبار للرحلة من حيث كونها حكاية سفر، قبل أن تكون خطابا جامعا مانعا لكل المعارف والعلوم والمتع ما عدا متعة السفر»(10)، وبهذا فطبيعة الكتابة الرحلية غنية تتجه في اتجاه اهتمامات الدارسين والباحثين على اختلاف تخصصاتهم.
2. العناصر المكونة لخطاب «كأنك هناك»
رغم هيمنة بنية السفر على رحلات العربي بنجلون إلا أنها لا تخلو كما سبق الذكر من عناصر أخرى مكونة شكلت خطاب الرحلة في “كأنك هناك”، ونذكر منها:
أ- المعرفة: تتمثل في ما يقدمه من معرفة تاريخية وجغرافية لبعض المناطق من البلدان (منها الأسيوية والعربية والأوروبية والأمريكية) ومحيطها الثقافي والديني والاجتماعي… يقول مثلا: «إن الشيء (العلوي) أو (الثاني) في التراتبية، هو المقدس والمفضل في الثقافة التايلاندية؛ لنفرض أنك سألت أحدهم سؤالين اثنين، دفعة واحدة، فإنه سوف لا يجيبك إلا عن السؤال الثاني، كأنه نسي الأول»(11). كما يقدم الكاتب معرفة أدبية وفكرية وسياسية… لإيمانه أن الرحلة لها نتائج كما لها فوائد، يقول: «فلولا رحلة الرسول من مكة إلى المدينة، ورحلة أصحابه إلى الحبشة، ما كان للإسلام أن ينشُر ظلَّه الرحيم على العالم..»(12). ومن الفوائد التي يؤمن بها: «إن الرحلة هي حركة، تبدِّد السُّكون والرتابة، وتحفز على خوض غمار الحياة»(13). فالإنسان عنده «وُلِد راحلا، وإن أعجزته الرحلة، تخيَّل رحلات غير محسوسة في عالم متخَيل»(14)، والرحلات غير المحسوسة يقصد بها تلك التي تأسست على عنصر الخيال بعيدا عن الواقع والواقعية كتخيل عوالم يؤطرها الحلمُ أو تصورٌ خارجَ المألوف كعالم الجن أو الأرواح في عالم خلف الطبيعة… وهذا النوع من الرحلات كان وسيلة للهروب من مشاكل الواقع أو إيجاد إجابات لتساؤلات الذات الجماعية والشخصية.
ب- السرد: النص الرحلي في “كأنك هناك” لا يستغني عن السرد لكونه ينقل إلى القارئ أحداثا وأفعالا أنتجها الكاتب خلال رحلته بين الفضاء الزماني والمكاني. ونجد أن بنية الأفعال «تسعى إلى الربط بين السرد والوصف، وبين الأحداث بعضها ببعض. وخاصية هذه الأفعال أنها متنوعة للتواصل»(15) مثل: «وصلت، اكتفيت، أردنا، أحسست، عدت، قابلت، سافرت، سمعنا، دخلنا، أخبرني …»، لهذه الأفعال «قدرة على التوجيه والتفعيل السرديين، وعلى التواصل الذي يراهن على خلق انسجام نصي، وانسجام بين القارئ ونص الرحلة»(16).
ومن خصائص السرد في “كأنك هناك”، «الإيجاز والحقيقة والخصوصية وبساطة الأسلوب»(17)، مع استثمار سمات النص القصصي، يقول مثلا: «في اليوم الثاني من وصولي، عدت إلى غرفتي بالفندق، قبل الثانية عشرة زوالا(..) فوجدت بابها مواربا. توجست شيئا غير عادي، فدفعته برفق، ودلفت متسلِّلا، خطوة خطوة..»(18). فهناك حضور لصوت الراوي، الذي مهمته أن يشكل الصورة كما يراها وفق درجات التخييل والتبئير. فالخيال يتوسل عبر اللغة كي يحقق الأدبية في هذه النصوص الرحلية باعتبارها «حكيا عن سفر يلتقط المشاهدات بالإدراك الحسي، وأيضا بالمتخيل»(19) كي يثير عنصر التشويق لإبعاد الرتابة والملل عن القارئ، فاعتمد الكاتب في سرد رحلاته على محكيات سردية تتخللها المغامرة والطرفة والسخرية لبناء الرحلة وأفقها، وكل ذلك في نسق من الجمل السردية التي تمثل خطابا إخباريا «يتشذر عبر سفر وكرونوتوب وتيمات متوالدة في شكل إخبارات متنوعة محورها الهدف أو الذات أو المكان أو الآخر»(20).
ج- الوصف: يعمل الوصف في الكتابة الرحلية عند العربي بنجلون على تصوير الآخر قصد فهمه، كما يقدم إضاءات عن الأماكن والأحداث.. أو كل الموصوفات التي أثارت دهشة الكاتب واستغرابه أو إعجابه. فمثلا، حين يصف جزءا من الكنيسة العجيبة بباريس يقول: «وصرنا ندور وندور تحت قبَّتها العالية بثلاثة وثلاثين مترا، تحيط بها أقواس، ونوافذ زجاجية ملونة، يطغى عليها اللون الوردي»(21)، فهو يقدم صورة المكان الذي جعله ومرافقته يشعران بأنهما يغوصان في حلم، بما يعني أنه يصف وفي الآن نفسه ينقل للقارئ إحساسه الذي انتابه داخل المكان. فالوصف يركز على تقديم صورة لما لم يألف الكاتب مشاهدته. كما أن الأوصاف التي ينقلها الكاتب للقارئ تعبر عن انطباعاته، فتعكس صورة لشخصيته، لأنه لا ينقل المرئي فقط بل حتى المحسوس والمسموع: «فجأة سمعنا دندنة خافتة»(22) -«والحقيقة أن الحساء كان لذيذا جدا، يُسيل لعابك، ويجعل شفتيك تتلمّظان»(23)، وهذا الوصف يبلغ إلى القارئ، فيعيد إنتاج الصورة في ذهنه. وبهذا تكون الموصوفات متسمة بالحركة ونابضة بالحياة.
ح- الحوار: إن توظيف الحوار جعل الرحلات أكثر إقناعا وأكثر إبرازا للجانب الذاتي والفكري للكاتب. وفي معظم النصوص جاء الحوار امتدادا للسرد والوصف، فقام بدور كبير في البناء القصصي وساهم في الكشف عن أفكار ونفسية الأشخاص الذين يعبِّرون في كثير من المواقف عن آرائهم، مما يمكن استثمار هذا في اعتبارهم أصواتا متعددة في خطاب الرحلة تقدم معلومات ودلالات، أو يقدم الكاتب من خلال محاورتهم رؤيته الخاصة مثل حواره مع وفد من الطلبة اللبنانيين في زيارته لسور الصين حيث أعطى رؤية مفادها أن بناء الإنسان أولى من بناء السور(24).
د- الشعر: يستشهد الكاتب ببعض الأبيات استئناسا بها في سياق يتوافق مع مضمون السرد أو الخطاب. ويقتبسها من الشعر العربي كشعر قيس بن الخطيم، وأبي العتاهية، والمتنبي، وإبراهيم ناجي، وأحمد شوقي، وشعر المغربي محمد الحلوي.. فهذا العنصر يسعى الكاتب من خلاله إلى إمتاع القارئ، وإضفاء طابع التعدد والتنوع على خطاب الرحلة.
وإضافة إلى هذه المكونات التي احتلت مساحات متفاوتة في النصوص فإننا نجد الخطاب الاجتماعي يشكل فيها رافدا أساسيا، حيث ينطوي على وصف طبائع الناس وأخبارهم وبعض ما يتعلق بالحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية والسياسية. كما نلاحظ حضور صورة المرأة كعنصر مهم في هذا الخطاب الرحلي الذي نتج عن سفريات أنجزها الكاتب إلى دول مختلفة تختلف ثقافات شعوبها ومستويات تفكيرها.
فكيف جاء حضور المرأة في خطاب هذه الرحلات؟
3. صورة المرأة
إن الذي يعنيه مفهوم صورة المرأة في نصوص “كـأنك هناك” هو«الخطاب الذي تشكل فيه المرأة أو عالمها عنصرا رئيسا في بناء النص، ومكونا أساسيا للسرد الذي تقوم عليه الرحلة، أي النصوص والأخبار التي تكون فيها المرأة موضوعا للخطاب، أو تتميز بحضور المرأة في مضمونها حضورا فاعلا ومؤثرا، ومشاركتها في بناء الخطاب على وجوه متنوعة وبمستويات متعددة…»(25). لهذا يأتي حضور المرأة ابتداءً من أول نص يقدمه الكاتب كتمهيد للرحلات التي دوَّنها وكتب عنها في نصوص الكتاب. هذا النص الذي عنونه بـ “قصتي مع السفر” تجلى فيه حضور شخصية امرأة تُحاور الكاتب بأسئلة مستفزة تتوسل عبرها إلى معرفة خلفيات رحلات العربي بنجلون. وقد جاءت صورة المرأة هنا يشوبها شيء من المكر، مما جعل الكاتب يحترز، يقول: «بل أحسست أن محاوِرتي تريد أن تنتزع مني (اعترافا) لجهة ما، فأسقِط في يدها…!»(26).
ومن خلال حضور هذه السائلة التي لم يحدد الكاتب هويتها بدقة (ويفترض أنها شخصية متخيلة) مرَّر الكاتب عبر الحوار معها، خطابا له قصدية تنبني على الرغبة في التبيين. فهو إن كان يوهم القارئ بواقعية هذه المحاورة؛ فإن هناك افتراضا يقول، إن الكاتب يوضح لقرائه طبيعة رحلاته ودواعي إنجازها والهدف منها، وظروفها وما يتعلق بتدابيرها المادية… وقد أعرب عن تعلقه العاطفي بالسفر بما يرتبط لديه في ذاكرته بطفولته ووالده الذي كان بائعا متجولا ينتقل بين المدن المغربية. فالرحلة بالنسبة إليه تجربة ذاتية ووجدانية: «شوق، وأي شوق، فكيف تعرفينه إذا لم تذوقي طعمه؟»(27). وهي أيضا حافز على طلب المعرفة والمثاقفة. ثم استرسل ليعطي إفادات نقدية عن هذا الصنف الأدبي الذي اعتبره أم الأجناس كلها، وبهذا خلص إلى قوله: «لكل تلك العوامل، الذاتية منها والموضوعية، الموروثة والمكتسبة، جنحت نفسي إلى الرحلة، فأنجَبتْ نصوصا أدبية، بعضها موجه للكبار، وبعضها للصغار… وما (كأنك هناك) إلا نموذج لتلك الرحلات التي قمت بها إلى الشرق والغرب»(28).
هذا الخطاب الميتا-نصي، يشكل عتبة يمضي من خلالها القارئ وهو على دراية بظروف هذه الرحلات وخلفياتها المادية والثقافية ودوافعها المعرفية، فهو خطاب يجيب عن تساؤلات القارئ المفترضة ويرفع الإشكال واللبس قبل أن يطرحه القارئ.
وقد قدم الكاتب في هذه النصوص الثمانية، صورا متعددة عن المرأة باستثناء النص الأخير الذي لم يأت فيه ذكر للمرأة البتة. وإن كانت هذه السفريات لم تقدم لنا كل صور المرأة داخل المجتمعات التي زارها الكاتب إلا أنها قد عرضت ما صادفه وبعض ما أشغل اهتمامه وما أثار انتباهه أو استغرابه أو اندهاشه، لأنه غير مطالب بالكتابة عن كل تلك الصور المتعددة في المجتمع الواحد، فهو كاتب رحلة قبل أي شيء وليس باحثا اجتماعيا، وطبيعة الكتابة الرحلية تتمثل في نقل مشاهد وانطباعات الرحالة ورؤيته اتجاه العالم والآخر وتشكيل خطاب الرحلة.
وتأتي الصور المتعددة للمرأة هنا لتعبر عن البيئة الاجتماعية والعادات والتقاليد والأعراف، «أي أن المرأة في هذا السياق غدت ذات صوت ثقافي اجتماعي غني بمخزونه التراكمي»(29).
1.2 -المرأة: الزواج والأنوثة
يقوم الكاتب بوصف ما وقعت عليه عيناه من مشاهد تخص المرأة، أو بعض العادات الخاصة بالبلدان التي ينزل بها. وهي في الغالب عادات لم يرها في مكان آخر، أو لم يسمع عنها، فيثير الأمر استغرابه، مثل المدينة الأثرية (المحرمة) في الصين، حيث يوجد معبد السماء، إذ «تقام كل خميس (أسواق الزواج) لـ (اقتناء) شريك (العيش والحياة) لا شريك (الحب والجنس) لأن هذه العلاقة جاري بها العمل، وقائمة بين الصينيين بلا (زواج) أي حق طبيعي، ولكن المشكلة تكمن في قلة (رفقاء أو رفيقات الروح)»(30). في هذا المعبد يعرض أحدهم على الكاتب ابنته قصد الزواج بها: «هل أعجبتك ابنتي؟ .. لا مانع لدي أن تهاجر معك»(31) فيعتذر بمبرر أنه متزوج ولديه أبناء كبار. وفي هذا التقليد ما يخالف عرف الكاتب الاجتماعي وثقافته، فأثار دهشته واستغرابه، لهذا قال حين غادر المكان: «غادرت معبد السماء، دون زوجة ثانية، تتأبط ذراعي»(32). وهنا يضعنا الكاتب أمام صورة المرأة داخل عادات زواج يخالف ما اعتاد عليه في مجتمعه المغربي والعربي.
كما تحضر صورة المرأة الصينية في شخص مضيفة الفندق (تشوشي شي) التي تتميز بالجرأة، يقول: «لمست خدي بإبهامها لمسا خفيفا، كأنها تداعبني»(33). هذه المضيفة التي رافقت الكاتب إلى مطعم صيني، سـألته في حوار عن رأيه في نساء الصين، وعلى ما يبدو أن الكاتب تحرج من الجواب حيث قال: «فاجأتني بهذا السؤال، وما كنت أريد أن تطرحه، فترددت طويلا ومتلعثما في الإجابة عنه»(34)، وجاء رأيه أن نساء هذا البلد رغم أنهن متفتحات «وسخيات ويجدن بكل ما لديهن»(35)، إلا أنهن لم يحركن فيه ساكنا. وهذا الرأي قام على عنصر المعاينة والمشاهدة لأنه يرى أن المرأة الصينية فقد جسدها أنوثته بسبب التدمير الممنهج لعنصري الأنوثة والذكورة في عهد الزعيم ماوتسي تونغ وثورته الثقافية، ولم تعد للمرأة الصينية جاذبية «فكل عناصر الأنوثة من نهود وساقين، تكاد أن تكون مختفية، إن لم تكن منقرضة، وأصبحت مثل الرجل تماما»(36)، وحتى الحب عاد عند الصينين (كما يقول)، مفهوما عقليا وذهنيا وليس وجدانيا كما عند باقي الشعوب وخاصة العربية.
2.2 -المرأة العاملة
تأتي شخصية المنظفة في نص «ابتسم.. أنت في الشارقة!» لتمثل صورة المرأة العاملة بفندق؛ فالمنظفة تعجبت من تعامل الكاتب الحضاري معها بخلاف ما اعتادت عليه من طرف بعض النزلاء من كبار السن من ذوي العمائم، الذين راودوها عن نفسها أو تحرشوا بها، وقد صرحت له قائلة: «لو ينطق هذا السرير، لحدثك عن أوراق الدولار، التي عرضت عليّ مرارا!»(37). وهذا النص إن كان يعرض صورة المرأة الأجنبية العاملة بإمارة الشارقة وما تتعرض له من إهانة، فهو لا يخلو أيضا من الصورة النمطية للرجل العربي أو الخليجي (صاحب العمامة) الذي يتصور كل النساء اللواتي يصادفهن جوار له. وبهذا قام الكاتب بمحاولة تصحيح صورة الإنسان العربي في ذهن عاملة النظافة وذلك بطرح مقارنة بسيطة تجلت في سؤاله: «هل كانوا يحملون كتبا ومجلات في حقائبهم؟»(38)، وحين أجابت بالنفي، قال إن الفرق يتجلى في أن كل منا يحمل ما يهمه، أي أن الذهنية العربية تختلف باختلاف اهتماماتها، فليس كل عربي يرى المرأة الأجنبية بنفس النظرة وليس كل عربي يحمل نفس العقلية.
3.2 -المرأة الصديقة
كان لموقف الكاتب من العودة لزيارة فرنسا ما يعطي صورة عن المرأة الصديقة في رحلات العربي بنجلون. فقد أخذ عهدا على نفسه ألا يعود إليها بعد أن فقد بها صديقته الإسبانية “مارغا رييرا” بسبب مرض السرطان. وهذا الموقف أظهر مدى وفاء الكاتب لصديقته، لأنه في العودة لزيارة هذا البلد ما يذكره بصورة هذه المرأة التي ترتبط لديه بالألم وحزن الفراق. غير أنه أخلف وعده تحت قوة إصرار امرأة أخرى وهي ابنته التي ألحت عليه أن يقبل السفر معها إلى باريس. ورغم أن هذه المرأة توفيت إلا أن صورتها حاضرة في خيال الكاتب، وهذا ما يبرر زيارته لقبرها في غفلة من ابنته.
كما تظهر كذلك صورة المرأة الصديقة في شخصية الصُحُفية السورية لبنى جوهر، التي كانت برفقته أثناء زيارته لمصر. هذه المرأة التي يبصر الكاتب من خلالها جمال مصر، حيث قال لها: «لقد رأيتها فيك، أيتها الحسناء»(39). فنرى أن هذا التأثر الذي بلغ مقاما من مقامات العشق الصوفي لمصر دفعه إلى التغني «بالوطن والأم والشجر والقمر والعصافير» بالمهرجان الشعري بالفيوم. فصورة المرأة بجمالها حاضرة في مخيلة الكاتب وارتبطت لديه بمصر التي أهداها قيمة الهدية التي كان يود أن يهديها لصديقته لبنى فتنازلت عنها لأسر الشهداء، ولهذا قال: «فستان حبيبتي للمحروسة مصر»(40).
4.2 -المرأة: الغواية والخرافة
حاول الكاتب أن ينقل إلى القارئ العربي صورة المرأة التايلاندية بناء على ما أثارت فيه من استغراب واستنكار. فنساء ذلك البلد جميعهن يخضعن للتدريب والتكوين في نادي (برايا) للإغواء والإغراء، كما جاء على لسان الدليل السياحي المغربي الذي التقاه الكاتب بالفندق، فالنساء في تايلاند «داهيات، يستعملن أساليب مغرية وخططا ذكية، لا يدريها إنس ولا جان. ومنهن أشكال وألوان، فبعضهن من القوقاز، وأخر من الصين وكلهن يتكلمن العربية والإنجليزية بطلاقة»(41). هذه الصورة جعلت الكاتب أكثر حرصا وحذرا بعد أن حل بمدينة بانكوك والتي قال عنها: «فهذه المدينة، مليئة بالتناقضات، نابضة بالعجائب والغرائب»(42).
كما تحضر المرأة داخل دائرة المعتقد الشعبي لتايلانديين بصورة ترتبط بالفتنة. حيث في معرض حديثه عن معبد بوذا قال: «ويحظر على النساء لمس الراهب، أو مصافحته، أو تقديم شيء له مباشرة، يدا بيد، لأن الشيطان، سيغتنمها فرصة ليدنسه، ويحيد به عن الخط المستقيم»(43).
ومن الاعتقادات أيضا والتي دائما ترتبط بصورة المرأة التايلاندية المؤمنة بالخرافات، أن أحد متاحف بانكوك تعرض فيها أصناف وأشكال من الأعضاء التناسلية، عبارة عن منحوتات خشبية وحجرية، «فتشد أنظار النساء، وهن زبونات المتحف، بدرجة أولى. ويقال إنها تمثل في الثقافة التايلاندية (روح الخصوبة) فيأتين بباقات أزهار اللوتس والياسمين هدايا لتلك الروح، لعل وعسى أن تجود عليهن برجل، إذا كن عانسات، أو بمولود، إذا كن عاقرات»(44). هذه الصورة التي ينقلها الكاتب للقارئ تبعث على الاستغراب والتعجب، رغم أن المجتمعات العربية لا تخلو مما يشبهها ولو بشكل مختلف ومغاير، لكن من طبيعة الإنسان أن يستغرب مما لا يألفه من ثقافات شعبية حتى إن كان جوهرها متشابها أو أنها تشترك في الغاية مع اختلاف في الوسيلة والشكل.
5.2 -المرأة: الجمال والتحرر
تتجلى صورة المرأة المتحررة في رحلة الكاتب إلى فرنسا حين طلبت منه سيدة في الخمسين أن يراقصها على إيقاع أنغام يعزفها بعض الشباب في الشارع. هذه الصورة التي تعرب عن تحرر المرأة الأوروبية وانفتاحها، جعلت الكاتب يستجيب لطلب المرأة بعد أخذ الإذن من ابنته (رفعا للحرج) يقول: «اقتربت مني، وألصقت صدرها البارز بي، ثم عانقتني، فاستحليت العناق والرقصة الحارَّتين، وتمنيتهما أن يطولا ساعات، فالمرأة أصغر مني بحوالي عشرين عاما، خفيفة الحركة، نشيطة، ينبض جسمها حيوية، وعيناها ضاحكتان، وشفتاها باسمتان، وحبتا لوز نهديها تتراقصان. ووجدتني أنتهز الفرصة للتلصص على شفتيها الغضتين، اللتين يبدو أن لهما نكهة الأناناس»(45).
في هذا الوصف الدقيق الذي زيَّن وأطعم به الكاتب نص رحلته إلى فرنسا، ما يؤكد دقة ملاحظاته، وانتباهه، وأيضا تقديره للجمال الأنثوي، الذي أشعره بحيوية الشباب، يقول: «وما أن ضمتني إلى صدرها ضمَّة أنعشتني، وأحيت عظامي وهي رميم»(46)، حتى تمنى أن تطول ساعات الرقصة والعناق. ثم تابع الكاتب رسم صورة المرأة الفرنسية المتحررة التي رغبت فيه قائلة: «أنا أريدك مساء، فهل تقبل؟»(47). وهذه الصورة المستنكرة غير المألوفة (عند الشخصية المغربية ذات تكوين ثقافي ومرجعية تقليدية رغم بعض مظاهر الحداثة)، دفعت بابنته إلى التصرف انطلاقا من فطرتها المغربية لكونها امرأة كباقي النساء ترفض أن ترى والدها بين يدي امرأة أخرى غير زوجته، فعبرت عن اعتراضها على مشهد العناق: «شعرت بيد شابة، تربت ربته قوية على كتفي، كأن يد ملاكم نزلت فوقها، وقاكم الله منها، ثم تزيل من خصر صاحبتي يدي، متسائلة في سخرية: أحقا، يا أبي، يصفون باريس بمدينة الأحلام الجميلة؟!»(48).
والملاحظ أنه في خضم توبيخ الابنة لوالدها ذكَّرته بقصة “كوازيمودو” قارع الأجراس في رواية فيكتور هيجو “أحدب نوتردام” الذي وقع في حب الراقصة الغجرية الحسناء “إزميرالدا” فتقربت منه ولم تبال بعاهته. ولعل هذه القصة التي ساقتها ابنة الكاتب للسخرية من تصرف والدها ما يُضمر هذا المعنى الذي يتمثل في أن الجمال قد يحمل الإنسان على تغيير حياته، كما تغيرت حياة الأحدب عندما أحب المرأة الحسناء، وخرج من عزلته التي تسببت له فيها عاهته، فتخلص من عقدته بحب الجمال. وابنة الكاتب خشيت على والدها من جمال فرنسا أن يغيره، لا لأنه يعاني من عقدة أو عاهة بل لأنها بدأت تدرك أنه سينسى سنه وزوجته التي تنتظره بفاس. وبهذا الشكل تحضر صورة المرأة الفرنسية رمز الجمال والأنوثة في نص رحلة “باريس.. قبل نهاية العالم بيوم”. أما صورتها في أمريكا فقد تكلم الكاتب عن الشابة صاحبة آلة القمار التي حاولت اصطياده بإحدى الملاهي، يقول: «وفجأة، لا أدري من أين انبعثت لي شابة شقراءُ في ميعة الصبا، طليقة الشعر، كاشفة الصدر والذراعين والساقين أيضا، فاعترضت طريقي بخفة الفراشة في غنج ودلال، وهي تمد لي دولارا لامعا: هايْ، صديقي! تعال.. إلى أين تريد أن تذهب، وأنت لم تجرِّب حظك الجميل؟»(49). وفي هذه الصورة ما يفيد أن المجتمع الأمريكي لا يؤمن إلا بالمادة والحرية الفردية المطلقة من أجل كسب النقود، وكما يقول الكاتب: «فهي البنزين الذي يحركك، وبدونها لا تستطيع أن تعيش دقيقة»(50). فالمرأة كآلة القمار التي يقول عنها أنها تحتل كل مكان، لم تعد تنعم بإنسانيتها، صارت وسيلة للكسب والربح واغتناء فئات على حساب عرق فئات أخرى، وبهذا يقول «أن هذا المال، لا يحقق شيئا كثيرا أو يسيرا من الراحة والطمأنينة النفسية»(51) بما يعني أن في خضم هذا التطور وهذا العالم الجديد فإن القيمة الروحية والنفسية للإنسان تنعدم في عالم الماديات عالم قائم، كما قال، على «المصالح الشخصية، والمنافع المادية»(52) تمتهن فيه المرأة التي هي رمز الجمال والعاطفة التي أودعها فيها الخالق.
نلاحظ من خلال ما سبق أن الأستاذ العربي بنجلون ينقل المشاهد الخاصة بالمرأة سواء التي وقعت عليه عينه أو التي حُكي له عنها، مما نستنتج أن مصادر هذه الصور هي المعاينة والمشاهدة والسمع، فاهتم بوصف المرأة أحيانا اجتماعيا وأحيانا خلقيا وأحيانا ركز على صورتها داخل العادات والتقاليد والمعتقدات.
خاتمة
إن الغاية من كتابة الرحلة عند الأديب العربي بنجلون ليس الحديث عن السفر، وإن كان في النصوص يشكل البنية المهيمنة (كما أشارنا سابقا)، لكن السفر أحيانا قد يكون متعة شخصية، وإفادته قد لا تتجاوز المحيط النفسي والذاتي. إذن فإننا نفترض أن الغاية من هذه الكتابة هو تشكيل الخطاب، اعتمادا على عدة مكونات وعناصر معرفية وأدبية، ومن خلال هذا الخطاب يبرز حضور المرأة التي تعددت صورها انطلاقا مما عاينه الكاتب أو سمعه في أمكنة مختلفة لأقاليم دول زارها، منها العربية والأسيوية والأمريكية، فساهم هذا التعدد لصور المرأة في جعلها حمالة أوجه ودلالات متنوعة، يمرر الكاتب عبرها رؤيته الشخصية والفكرية والثقافية. كما تفاعل مع حضورها في سفره أو في حياته الخاصة (حضور الابنة/ الزوجة/الصديقة)، فاعتمد على الوصف لتشكيل الصورة، والسرد الذي جاء فنا ضم مجموعة من الأنواع الأدبية (الخبر القصصي، الحكاية، والحدث القصصي، والحوار، إضافة إلى المكون الشعري…).
إن هذه النصوص ساقت إفادات كثيرة وناقشت قضايا متنوعة وقف عليها الكاتب (اجتماعية وفكرية وثقافية وتاريخية) فجعلت الخطاب الرحلي يتميز بالتنوع والتعدد كما أنه خطاب نابع من وعي الكاتب الثقافي والمعرفي، مما جعله في كثير من المواقف يضع مقارنات بين الأنا والآخر، مقارنات لا تخلو من النقد الذاتي خاصة في المجال العلمي والفكري، فنجده يستشهد بمقولات الراحل المهدي المنجرة، تعزيزا لرؤية يطرحها أو رأي يدعمه. كما أنه شديد الاعتزاز بلغته وبانتمائه العربي والمغربي وبتاريخ الأمة الفكري والأدبي وتراثها الذي ترجمه الغرب فاستفاد منه، في الوقت الذي تملص بعض العرب من لغتهم فتاهت منهم البوصلة، كالغراب الذي أراد أن يقلد مِشية الحمامة فنسي مِشيته.
الهوامش والإحالات
1. العربي بنجلون: كأنك هناك (في أدب الرحلة)، المطبعة السريعة، القنيطرة، ط.1، 2018.
2. «والرحلة: الارتحال، وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء، لأنها بلاد حامية، والرحلة الأخرى في الصيف إلى الشام، لأنها بلاد باردة» الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، مؤسسة الرسالة، ط.1، 2006، ج.23، ص: 504.
3. «وقال ابن زيد: كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها من بعض، فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم، وقرأ: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)»: الجامع لأحكام القرآن، ج.23، ص: 508.
4. سورة العنكبوت، الآية: 67.
5. سورة قريش، الآية: 4.
6. سعيد يقطين: السرد العربي، مفاهيم وتجليات، دار الأمان، الرباط، ط1، 2012، ص: 181.
7. سعيد يقطين، السرد العربي، مفاهيم وتجليات، سابق، ص: 180.
8. شعيب حليفي: الرحلة في الأدب العربي (التجنيس، آليات الكتابة، خطاب المتخيل)، الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتابات نقدية، العدد (121)، أبريل 2002، ص: 25.
9. عبد الرحيم مؤذن: الرحلة، المفهوم والجنس الأدبي، مقالات ودراسات، مجلة طنجة الأدبية، 30-12-2011، الرابط: http://www.aladabia.net/article-8685-1_1 .
10. عبد الرحيم مؤذن: رحلة أدبية أم أدبية الرحلة؟، مجلة فكر ونقد، عدد: 20، 14 يونيو 1999، الرابط: http://www.aljabriabed.net/n20_09mudan.htm .
11. كأنك هناك، ص: 80.
12. كأنك هناك، ص: 9.
13. كأنك هناك، ص: 11.
14. كأنك هناك، ص: 11.
15. شعيب حليفي: الرحلة في الأدب العربي، السابق، ص: 233.
16. شعيب حليفي: الرحلة في الأدب العربي، السابق، ص: 233.
17. شعيب حليفي: الرحلة في الأدب العربي، السابق، ص: 214.
18. كأنك هناك، ص: 130.
19. شعيب حليفي: الرحلة في الأدب العربي، السابق، ص: 234.
20. شعيب حليفي: الرحلة في الأدب العربي، السابق، ص: 231.
21. كأنك هناك، ص: 40.
22. كأنك هناك، ص: 37.
23. كأنك هناك، ص: 26.
24. كأنك هناك، ص: 24.
25. إنعام زعل القيسي: صورة المرأة في أدب الرحلات من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن الثامن الهجري (الرؤيا والتشكيل)، أطروحة الدكتوراه، جامعة مؤثة كلية الدراسات العليا بالأردن، 2016، ص: 12/13.
26. كأنك هناك، ص: 3.
27. كأنك هناك، ص: 8.
28. كأنك هناك، ص: 11.
29. إنعام زعل القيسي: صورة المرأة في أدب الرحلات، السابق، ص: 14.
30. كأنك هناك، ص: 18.
31. كأنك هناك، ص: 20.
32. كأنك هناك، ص: 20.
33. كأنك هناك، ص: 21.
34. كأنك هناك، ص: 26.
35. كأنك هناك، ص: 27.
36. كأنك هناك، ص: 27.
37. كأنك هناك، ص: 132.
38. كأنك هناك، ص: 132.
39. كأنك هناك، ص: 88.
40. كأنك هناك، ص: 94.
41. كأنك هناك، ص: 72.
42. كأنك هناك، ص: 73.
43. كأنك هناك، ص: 76.
44. كأنك هناك، ص: 77.
45. كأنك هناك، ص: 38.
46. كأنك هناك، ص: 38.
47. كأنك هناك، ص: 38.
48. كأنك هناك، ص: 39.
49. كأنك هناك، ص: 108.
50. كأنك هناك، ص: 110.
51. كأنك هناك، ص: 110.
52. كأنك هناك، ص: 118.