من بين كل الفئات التي تلعب دور «الضحية» ودور الضعيف العاجز، المرأة هي الفئة الوحيدة التي تقوم بذلك بشكلٍ عفوي وغريزي. لعب دور الضحية بالنسبة لها هي الوسيلة التي تضمن بها حماية الرجل القريب إليها ضد الغريب ولانتزاع ما تريده منه {…قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وهذا عادي وطبيعي وأحيانًا ضروري ما لم يبالغ فيه فينقلب إلى ما يعرف بـ النكد.
في المقابل لا شيء تقريبًا يغري الرجل أكثر من لعب دور «المنقذ» أمام امرأة، الرجال بشكلٍ عام مبرمجين على حماية المرأة والأطفال تلقائيًا. نرى كل هذا يتجسد رمزيًا في نشرات الأخبار عندما تذيع المقدمة مثلاً خبر وفاة عشرين شخصًا في انفجار وتضيف أن من بينهم امرأتين. لا أحد يتوقف عند تمييز المرأتين عن بقية الضحايا فهو يبدو بديهي للجميع.
لكن في العصر الحديث لم يعد الرجل (الزوج، الأب، الأخ…) هو المنقذ بالنسبة للمرأة واستبدلته (بدون وعي منها) بـ كيان أكثر قوة هو “الدولة”. أصبحت الدولة هي الزوج الحقيقي بالنسبة للمرأة والرجل في أحسن الأحوال هو عشيق وغالبًا هو الجلاد وبالأخص أقرب الرجال (الزوج والأب والأخ…) نطلق على هذا الزواج في الواقع اسم «النسوية» او الفيمينزم، وهي أحد فروع أيديولوجيا الضحية.
يستحيل أن تجد للنسوية أثر في أي منطقة في العالم تغيب عنها سلطة الدولة أو كانت الدولة في حالة عداء معها. بالنسبة لأيديولوجيا النسوية الدولة هي «المنقذ» من الرجل (القريب قبل الغريب) الذي أصبح هو «الجلاد» والمرأة دائمًا وفي كل الأحوال ومهما فعلت تبقى هي «الضحية» فقط لأنها “امرأة”، حتى لو كانت المرأة في موقع «الجلاد» فهي ضحية جهة ما جعلت منها جلادًا أو أكيد تعاني من اضطراب نفسي دفعها إلى ذلك.
نرى كل هذا جليًا في جعل العنف ضد المرأة أكثر أهمية وأقدس من غيره، والغريب أن ذلك يحدث من منطلق “المساواة”. دائماً ما نرى إحصاءات العنف ضد المرأة منفردة، والسبب لا يحتاج لقدر كبير من الذكاء لاستيعابه، ذكر كل الأرقام لكلا الجنسين سيجعل دعاية المظلومية النسوية سخيفة، لهذا لا يجرؤون أبداً على القول أن خطر أن يتعرض الرجل للعنف خلال حياته هو 3 أضعاف لما هو عند المرأة.
فقط العنف المنزلي تتجاوز فيه المرأة الرجل من حيث التعرض للعنف، لهذا جعلوا من العنف المنزلي عنف مقدس فوق كل أشكال العنف، وسنت الدولة (المنقذ) قوانين خاصة به، مع عقوبات استثنائية. إلى درجة أن بعض الدول لا تتكلف حتى عناء تغطية ذلك وتُعرف العنف المنزلي صراحةً بأنه العنف الذي يمارس على المرأة حصرًا، وحتى في العنف المنزلي يستعملون تغييب الحقائق ولا يذكرون الأرقام كلها (دائمًا من أجل تكريس فكرة المرأة الضحية) كحقيقة أن ضحايا العنف المنزلي 40٪ ذكور. وبعض الدراسات تقول أن الإناث أكثر عنفاً لكن عنفهن يحدث ضرر جسدي أقل، و هذا طبيعي بحكم البنية الجسدية الأضعف غالباً. وهناك دراسات إنتهت إلى أن إبتداء المرأة بالعنف هو سبب أغلبية العنف الذي تتعرض له في 67٪ من الحالات.
الغرض من كل هذا هو الدعاية فقط، وإلا فإذا كانوا يعتقدون فعلاً أنهم قادرين على وقف هذا العنف ضد المرأة وأنه ليس مجرد دعاية أيديولوجية القصد منها تكريس فكرة مظلومية المرأة وتغيير طبيعة الأسرة الأبوية، لماذا لا يستعملون نفس الأسلوب لوقف كل أشكال العنف بغض النظر عن من يتعرض له؟