ضمن فعاليات المهرجان العربي التاسع؛ دورة القاص المغربي الراحل إدريس الخوري، المنظم بمدينة الصويرة من قبل جمعية التواصل للثقافة والإبداع تحت شعار: “مسار قاص مسار قصة”، أيام 16 – 17 – 18 دجنبر 2022، جرت صباح اليوم الثالث من المهرجان بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الندوة الثانية المبرمجة في الدورة، وكان موضوعها: الكتابة السردية عند إدريس الخوري، أدارتها بكفاءة عالية الأستاذة ليلى مهيدرة؛ رئيسة الجمعية المنظمة، وشهدت ثلاث مداخلات نقدية تميزت ببعد الرؤية وعمق التحليل في تناولها للتجربة القصصية عند إدريس الخوري، وقاربت هذه التجربة من زواياها الأدبية وأبعادها الإنسانية والاجتماعية، وزاد في إثراء مضامين هذه الندوة ما تفضل به بعض الحضور من إضافات وتعقيبات وآراء أثناء المناقشة المفتوحة التي جرت بعد المداخلات.
أولى المداخلات كانت للدكتور ماجد قائد قاسم تطرق فيها إلى ” دور إدريس الخوري في إبراز الثقافة والأدب المغربيين”، بعد أن قدم سيرة موجزة عن حياته، وكيف صمم أن يتحول من كتابة الشعر ويتوجه إلى الكتابة السردية إلى أن صار “كاتبا استثنائيا” بتعبير الناقد حسن بحراوي. معتبرا الكاتب إدريس الخوري منبرا للأدب المغربي وعلامة فارقة في مسار القصة القصيرة بالمغرب، وسفيرا للثقافة المغربية في المشرق العربي عبر النشر في الصحف العربية، سواء ما تعلق بنصوصه القصصية أو بكتاباته المتمحورة حول الفنون كالتشكيل والمسرح والسينما، أو بالمقالات ذات الطابع الثقافي والاجتماعي. وقد سعى الناقد في مداخلته إلى استجلاء تمظهرات الكتابة السردية في المتن القصصي عند إدريس الخوري، ملاحظا أنها كتابة تشبه صاحبها؛ كتابة تهتم بالهامش الاجتماعي وتنتقد الواقع الثقافي وتتسم بالجرأة والواقعية والصراحة.
المداخلة الثانية كانت للدكتورة مثال الزايدي، وخصصتها لدراسة نوع آخر من الكتابة برع فيه الكاتب إدريس الخوري لم يحظ بما حظيت به كتابته القصصية من اهتمام. الأمر يتعلق بالكتابة الصحافية، وخاصة العمود الصحفي. في البدء توقفت الدكتورة مثال الزايدي بعجالة عند طفولة الكاتب التي اتسمت بالقسوة والمعاناة، والتي انعكست على مسار حياته، وعلى كتاباته أيضا، فجاءت موغلة في الواقعية، تفضح الواقع بجرأة، وتعلن عن رفضها الصريح لكل مظاهره المشينة، وهذه الجرأة التي وسمت نصوصه السردية لم تخلُ منها كتاباته الصحفية، وذاك ما كشفت عنه الدكتورة مثال الزايدي من خلال كتابيه “فم مزدوج”، و”من شرفة العين”، وهما الكتابان اللذان ضما نصوصا منتقاة من ريبرتواره الصحفي توزعت مضامينها على عدة مواضيع أهمها: “التبركيك”، والقمار، والخوف، وانعدام الأمل، وفضاءات المدن خاصة مدينة الدار البيضاء. معتمدا في بسط هذه المواضيع تلك الجرأة المعهودة في إدريس الخوري سواء تعلق الأمر بإبداء رأي في السياسة، أو بتشخيص وتشريح الآفات الاجتماعية. ومن أهم الرسائل التي مررها الكاتب في كتاباته الصحفية، ورصدتها الباحثة ما يلي:
ــ انتقاد الواقع السياسي الذي تحول من النضال إلى الاسترزاق.
ــ تعرية الزيف لإسقاطه عبر الكشف عن عورات الواقع وقسوته.
ــ فضح طبقة الأغنياء الجدد المستفيدين من سياسة الريع.
ــ انتقاد المشهد الثقافي المغربي، وكشف أزمة الكتابة في غياب الكاتب المناضل.
ــ استفحال ظاهرة المثقف الانتهازي بدعوى الواقعية.
وختمت الدكتورة مثال الزايدي مداخلتها بالوقوف عند الخصائص الفنية المميزة لكتابة إدريس الخوري مركزة بالخصوص على لغته الموسومة بالتركيز والاقتصاد، وبتوظيف اللغة الدارجة في سياقات تكون فيها الدارجة أكثر بلاغة وتبليغا من الفصحى، مع اعتماد أسلوب مباشر تحضر فيه بزخم كبير ذات الكاتب.
آخر المداخلات كانت للأستاذ الباحث محمد زين، عنونها بــ ” الذات وأقنعتها في قصة: وقت ميت لعواطف مبتذلة، للقاص بّا ادريس الخوري”، استهلها بالحديث عن تموقع الكاتب في سبعينات القرن الماضي بين مهادنة الشكل والمحافظة على سيميترية السرد، في مقابل إحلال الحداثة محل الواقعية وارتياد آفاق التجريب والمغامرة، مبرزا في السياق ذاته الفروق الجوهرية بين “الخبر” و”القصة”، ومفصحا عن حدود الواقع والمتخيل في التجربة الكتابية عند إدريس الخوري، معتبرا إياها تجربة حياة قبل أن تكون تجربة كتابة، ومن ثم انتقل الباحث محمد زين لتحليل القصة موضوع الدرس (وقت ميت لعواطف مبتذلة)، بدءا بما يحمله العنوان من دلالات، في علاقته بالمتن القصصي، وعطفا على ما يلي:
ــ التذاوتية المتشظية باعتبار القصة صوت الفرد.
ــ انشطار شخصيات القصة وفقدانها لملامحها وتبدل منظورها.
ــ مركزية الأنا والآخر.
ــ بروز “الوجه” وغياب الشخصية.
ــ سريالية الطفل الغائب.
ــ توظيف ضمير الغائب في تداخله مع ضمائر أخرى، والأبعاد الدلالية لتوظيف “الوجه”.
ــ قناع الشخصية الأدبية.
ــ الخصائص الدلالية للنسق الزمني.
لينتهي الباحث إلى الخلاصات التالية:
ــ نجاح القصة في الجمع بين المتعة الفنية والمقصدية.
ــ ارتكاز القصة على أسلوب مجازي، وفي نفس الوقت أكثر إيغالا في التعبير عن الحياة.
ــ استحضار الواقع من خلال شخصية أدبية تراثية “شهرزاد”.
ــ إحالة القصة على الصراع بين الجنسين، والكشف عن واقع انتصار المجتمع لـلذكورة.
ــ تشفير الوحدات الزمنية.
ثم ختم مداخلته بحكم جامع مفاده أن إدريس الخوري وفّى القصة القصيرة حقها، وعاش عوالمها.
وبعد مناقشة ما ورد في المداخلات من أفكار وآراء والتعليق عليها، اختتمت هذه الندوة بقراءة القاص الواعد كريم حموتي لنصه القصصي “في موقف الحافلة”، الفائز بالجائزة الأولى في المسابقة القصصية التي دأبت الجمعية صاحبة المهرجان على تنظيمها في كل دورة بين طلبة الجامعات والمعاهد والمدارس العليا على صعيد التراب الوطني، وأيضا بقراءة القاص الواعد وسيم التاقي لنصه “هلوسات تلفزيونية” الفائز بالجائزة الثانية مناصفة، وتعذر حضور الفائز الآخر بالمرتبة الثانية، والفائز بالمرتبة الثالثة. وبذلك يسدل الستار على الدورة التاسعة من المهرجان العربي للقصة القصيرة بمدينة الصويرة، على أمل فتحه في السنة القادمة.