قد تحول كل شيء من حولنا في عصرنا الحديث الى صورة وعلامات سواء افتراضية او واقعية شغلت شتى جوانب الحياة هروبناً من تعقيد الحياة والبحث عن أسهل طرق للتواصل مما ادى الى تحول الكلام بكل ما يحمله من مشاعر واحاسيس الى مجموعة من العلامات سواء في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من مواضع الحياة الطبيعية.
وقد شكلت السيمياء هوية الشعوب ودلالة على ثقافتها ووسيلة التواصل الحضاري سواء كانت تلك العلامات لفظية او جسدية الخ، وكل علامة تختلف دلالتها من دولة لاخرى تبعاً لاختلاف الثقافات.
والسيمياء او السيميولوجيا حسب مفهوم (بير جيرو) علم يدرس انساق اشارات المرور الى اخره، وتشكل اللغة جزء من العلامة ” .
اما (بيرس) قد فسر العلامات الى لغوية وغير لغوية وتضم ثلاثة انواع: الاشارة والرمز والايقون ، اذ تعتبر الاشارة العلاقة بين الدال والمدلول سببية معللة ،اما الرمز فالعلاقة بين الدال والمدلول تكون اعتباطية ،اما بالنسبة الى الايقون فتكون العلاقة فيه بين الدال والمدلول علاقة تماثل وتشابه كما في الصورة الفوتوغرافية ”
والسيمياء عند (سوسير)منهج يهتم بدراسة حياة الرموز والدلالات المتداولة في الوسط الاجتماعي وهذا العلم يشكل جزمن علم النفس الاجتماعي ومن ثم يندرج في علم النفس العام ”
اما لدى (رولان بارن) يؤكد على ان السيميولوجيا تقوم على علاقة بين الدال والمدلول فالعلامة مؤلفة بين الدال والمدلول يشكل صعيد الدوال العبارة ويشكل صعيد المدلولات صعيد المحتوى”.
ومن خلال التعريفات الخاصة بالسيمياء سنحاول تقصي الهدف من تقديم الكاتب علي العبادي (مسرحية قيء) لهذا العنوان عبر التحليل السيميائي لتلك المسرحية والسبب من استخدام مصطلح (قيء)هل هو وسيلة مسخرة لفهم مضمرات النص او غاية في حد ذاتها كأحد عناصر البناء الدرامي للنص، اذ يعتبر العنوان عتبة النص وعلامة دالة عنه وعلامة اجرائية في تحليل النص وتأويله انطلاقاً من العلاقة بين العنوان والنص.
وقد احتوى عنوان (قيء) على مفاهيم مستوحاة من سيميائية الفعل لان المسرحية تمثيل لفعل والمسرح بصورة عامة هو نسيج من العلامات الدالة التي يجب تأويلها لانتاج الدالة، سواء كانت تلك الدالة او الغاية اظهار قبح ذلك الفعل والاشمئزاز منه او الغاية اظهار الجانب الجمالي له.
فالطالما احتلت موضوعات القبح والجمال المسرح سواء في العنوان كما عمد العبادي او من خلال الشخصيات او البنية الادبية للنص لاظهار القبح في مجالات والصراعات النفسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويعد القبح أحد اهم القيم المرتبطة بالتجربة الجمالية للكاتب والتي تعكس الخبرة الجمالية في اختيار عنوانات تشكل حلقة تواصلية بين الخطاب المسرحي والمتلقي، فقد اعتمد على اظهار القبح عبر علامات وشفرات يقول من خلالها ان القبيح ليس قبيح في حد ذاته واصله وانما هو نوع خاص من الجمال او الجانب الاخر للجمال له وظيفته وقيمته.
ف(القيء) هو فعل ظاهر للعيان والعملية لا تمت للقبح بصلة فهي دالة على حالة مرضية، اما باطنه السيميائي فيشكل عبر منظومة معقدة من زاوية اخلاقية او الاجتماعية والنظرية السلوكية للفعل.
فقد ارتبط العنوان ارتباطاً وثيقاً بالنص عبر العلامات الدالة عليها سواء على صعيد الشخصيات او المكان (مهجور خربة) قبيحة خالية من الحياة باردة رطبة، قد احتوت على مخلفات الحرب والموت والدمار.
او على صعيد الحوار اذ جاء واضح ومعبر عن حالة القيء:
“على مدى شهر وانا اتقيء كل القيم الزائفة، التي كانت قراناً لي ذات يوم، كل شيء حولي ملوث (تستدرك) لابد ان استحم
وسخ وسخ كل شيء هنا وسخ انا أنتم هم ماهي الكمية التي تحتاجها من الماء كي نتطهر من الرجس (تستدرك)ولماذا نتطهر، يا ترى الذين أوهموا أنفسهم بالفضيلة ما الذي حصلوا عليه “
القيء هنا يمثل سيميائية لفعل ارتبط بالعادات البالية والتقاليد الفانية التي قيدت الفرد ولا سيما المرأة في محاولة للتخلص منها ولاننا نعيش وفق اعراف توارثناها عن الاجداد وجدنا انفسنا في وسط مستقنع من الصعب النجاة منه نتيجة البنية المتداخلة والمتشابكة في مجتمعنا الشرقي والعربي على وجه الخصوص.
وهذه الثيمة حفزت الكاتب العبادي لينتج لنا نوع جديد من القيء عبر عرض مزيج من العلامات ذات دلالات رمزية في نسيج من التنقلات والتحولات الشخصية.
ففي الحوار التالي اعتمد الكاتب استخدام السيمياء للدلالة على الظلم والاضطهاد الذي تتعرض له المراة نتيجة سلطة الوعي الجمعي للمجتمعات العربية بصورة عامة والعراقية بصورة خاصة، إذا تنظر الى المرأة على انها اداة للجنس والاستمتاع فقط، دون مراعاة الى مشاعرها او مدى تعلمها ورقيها وربما تكون المرأة دلالة على الاوطان المغتصبة من قبل حكامها تحت مصطلح التحرير والديمقراطية الزائفة.
“المرأة: يضاجعني الخوف يومياً، حينما اراهم يحيطون بي لينهشوا جسدي، ويحرروا مناطق العفة فيه، بعد ان احتلت مزابل شتى البقاع عقولهم الرثة.
الحارس: كلاب.
المرأة: حرام.
الحارس: ماذا؟
المرأة: ان تشبه الوفاء بالنذالة الفجة.
الحارس: ما هم الا خنازير.”
وفي ثيمة اخرى يعرض العبادي المرأة مع سلطة الدين:
“رجل الدين: لا اوصيك بعد بالتطهر من الحيض والاستحاضة.
المرأة: ان ما يخرج من بين فخذي العاهرات من نجس اطهر من فمك.
رجل الدين: لعنكِ الله في الدنيا والاخرة.
المرأة: كيف تصبح اللعنة في الدنيا بعد ورائحة قيئك تفتك بي؟
رجل الدين: تباً لكِ يا كافرة.
المرأة: كافرة بقبحكم، من الذي جاز لكم ان تكونوا وكلاء الرب في ارضه”
وقد جسد من خلال الحوار اعلاه سيمائية قبح الواقع المعاش وما يحمله من زيف وكذب وادلجة الدين والفضيلة الى المصالح الشخصية وان القذارة والعيش وسط قيء نتن لا بد منه وهو السائد في المجتمع في حين يرى البعض ان هذا القيء ما هو واقع جميل ويفتخر انه جزء منه.
ويختتم الكاتب مسرحيته بالمطر دلالة على العطاء والخير والجمال الذي سوف يحل في ارجاء الوطن ويغسل ارضه من الدنس والحقد والفقر والموت سيكون التغيير والحياة التي يرجوها كل انسان حر.
“المرأة: اولئك الذين لو امطرت الدنيا شرفاً سيحملون المظلات.
رجل الدين: أكره المطر.
المرأة: وسخ
رجل الدين: لا أحب الماء
المرأة: ستمطر.