يصنف بعض النقاد كتابات خوزيه بانه (tremendismo – اسلوب الهلع ) ..الحقيقة ان خوزيه يعد شاعر النهايات بالموت .. غالبا بنسبة عالية ينتهي ابطال روايته بالموت . شخوص روايته سحب عابرة لا تعبر ذاكرة قارئها بل تترسخ عميقا بسبب قوة الفاجعة وكمية المآسي التي تواجهها .. لكنهم في الرواية مهمشون يظهرون فجأة ويختفون تاركين لسعة الفلفل في الروح .. ان اقدارا تحركهم وتدفعهم لنهايات مأساوية انهم يعيشون في مدينة بحرية متوسطة المساحة لم يتبدل شيء فيها من سنين .. ولا افضل لديهم لكنهم بالمقارنة يرون ان ما مضى هو الافضل .. مدينة عجوز .. نسخة حياة مكررة .
جريمة شارع بلانشارالغامضة
اول فصل باول قصة في الرواية التي نسجت من سلسلة قصص قد تكون المدينة الساحلية التي تجمعهم وحدها البطل فيها .
خواكين الذي سنعلم لاحقا بان قطارا دهسه ..له ساق خشبية من الصنوبرترشح صمغا ..كأنه كان ينزمن صنوبرة حية ..ليست صورة شعرية اقحمت فقد اراد الكاتب ان يعمق احساسك بالفاجعة فسواء نزت حقا او لم تنز فانت امام مشهد يعصر روحك ساق ميتة حية .. التشبيهات لدى خوزيه ليست دوما بهذا الوضوح فقد تجري للبحث لتفهم وتتمثل بعض الاستعارات خلافا لماركيز ..
ــ الدينا شيء؟
ــ لا شيء لدينا !! وتملك الغضب زوجته ( منتشو ) التي افقدها اخوها الممثل فرمين عينها بلطمة مباغتة ..
بيت اذن بلا رغيف ماذا تتوقع من امرأة ..عينها الزجاجية تنز منها قطيرة ماء صفراء دبقة وهي في تركيبها عدائية وحقيرة وبلا خبز في المنزل ..انت هنا ان تأملت قليلا او قرأت بروية فسترى الكاتب نقلك مباشرة الى الجحيم .
انهما في مدينة حزينة قاتمة (مقاهي صغيرة ستائر نوافذها مخرمة ..نساؤها يكافحن لاجل اجهزة اعراسهن لكنهن سيتخلين عنها لانهن سلكن نهج الاباحية ولم يعد بامكانهن ان يعدن مستقيمات .. اي ان الهدف عرين …
ايعقل ان يتزوج خواكين منتشو العوراء الممصوصة القرمزية الطويلة والضخمة الانف وشبه الصلعاء رغم انه لم يتزوج متسرعا فقد استشار .. يا لهم من مستشارين اغبياء ..
خواكين عمل في كل شيء : عامل منجم ,رقيبا في سلاح المشاة -عامل تجميل -مروج سلع -موظفا في مصرف -مهرجا -جابيا للضرائب وقد وفر مبلغا لافتا .. بعد كل تلك التجارب ياتي ليوقعه القدر في احضان زوجته المستبدة القبيحة ..
وخلال حياته لم يشك من حادث الا ان القدر كان يترصده ففقد ساقه من دهسة قطار …يستطرد خوسيه هنا ليوضح الفرق بين من يتقبل الحدث والقدر دفعة واحدة ومن لا يقره بسرعة فلا يقتنع خوكين بانه فقد ساقه .. لقد لفت الساق المبتورة بعناية ووصلت الى مركز الشرطة .. وهؤلاء كان يعيشون بطالة مقنعة .. ووصول الساق احيا فيهم الامل .. قبلها كان رئيس المركز متذمرا من الاعمال اليومية الرتيبة ويطمح ان يرى حادثا يجعله يتنفس اوكسجين المهنة الحقيقي .. اخيرا تحدث الجريمة او الحادثة في منزل خوكين وزوجته شبه الصلعاء .
رغم ان فرمين -المتهم قرويا بانه خنثى – قد قلع عين اخته فهي تحن اليه وتتفاخر به امام صديقاتها … وهو شيء غريب ..لانها بالعوق المظهري الذي تحمله وبزوجها المعاق وكمية الحقارة لديها كان ينبغي ان تحمل حقدا مؤبدا على اخيها …ان مفردتي العين الواحدة والقطار تتكرران بكتابات وروايات خوزيه الاخرى ..
الرواية لا تشير او تتحدث عن الحرب الاهلية الاسبانية التي تواصلت لسنوات واصبحت خلالها اسبانيا ساحة لتدخلات عالمية .. بل تتناول آثارها من اناس منهزمين ضائعين يتحكم فيهم القدر المر ويحيك مصائرهم ..
يتضايق القاريء من كثرة الاسماء , ففي روايته خلية النحل حشد خوسية حوالي 300 اسما ..وما يبرر ذلك للكاتب ان الاسماء كانت تحمل ظلالها وايحاءتها وما تحملها من كم المعاني في الموروث الاسباني ..فبطله في روايته خلية النحل هو بائع احذية واسمه -سيقوندو -وهي تعني الثاني بالاسبانية صفة تضاف للاسم لكن بطله بلا ملك او مملكة .
ارى ان رواية -لحن ماثوروكا على ميتين – التي كتبها بعد سحب عابرة بحوالي 40 عاما تتربع على قمة الروايات في كتابات خوزيه الذي حصد نوبل 1989.
(لاثرو قتل غدرا وهو يستمني تحت شجرة التين ..ولم يكن بامكان اي احد ان يقتله بعمر 22مواجهة لا المغربي ولا غيره … في المقبرة يتدفق ينبوع ذو مياه نقية تغسل عظام الموتى واكبادهم الباردة ..-لحن ماثوركا على ميتين . )